لم يكن مطلوباً من الجزائر أكثر من توفير الظروف المساعدة لعقد قمّة عربية تعيد، أو تحاول، ترتيب هذا الخراب العربي الكبير. ولم تكن المسؤولية التاريخية في ظروف عربية عصيبة، تقتضي أكثر من بذل ما أمكن من جهد لتقليص فجوة الخلافات والاختلافات في قضايا وأزمات المنطقة العربية.
أما ما تبقّى من مسؤولية في المخرجات والنتائج، فيُلقى على عاتق مجموع صنّاع القرار العربي.
نظرة بسيطة على الخريطة العربية تتيح تلمّس مستوى الهشاشة السياسية الضاغطة في عدد من الدول العربية، كالسودان والعراق وسورية، وتحسس العطب الاقتصادي القائم في دول أخرى، كلبنان وتونس، والنظر إلى مخلّفات مأساة غياب “الدولة” في ليبيا واليمن.
وإزاء ذلك، تطرح الأسئلة الأكثر إلحاحاً في المنطقة بخيباتها وتحدياتها وتطلعات شعوبها المنهكة، بمناسبة القمّة العربية المنعقدة في الجزائر، في ظلّ أزمة وجودية حادة يواجهها الوطن العربي، وهندسة جديدة للعالم والعلاقات الدولية والمحاور والاصطفافات.
هل يمكن لجامعة عربية تدار وما زالت بعد سبعة عقود، عبر ميثاق تأسيسي صيغ عام 1945 من قبل سبع دول حينها، في سياقات مختلفة تماماً، ولغايات كانت مطابقة لظرفية واستحقاقات تاريخية حينها، أن تستوعب الخريطة العربية التي صارت بـ22 دولة سياسياً، بكل ما تعنيه هذه الخريطة من أبعاد جغرافية، ومكنون اقتصادي، واستحقاقات اجتماعية للكتلة الديمغرافية للوطن العربي؟
هذا الميثاق لم يتم أي عمل جدي على تطويره، لتكييفه مع الواقع العربي الذي صار مختلفاً داخلياً، ومتحركاً في الجوار، أو لإجراء مراجعة لمأسسة جديدة للجامعة العربية، تسمح بتفعيل آليات العمل المشترك، وتغيير ميكانيكا صناعة القرارات وتنفيذها، ووضع هندسة للتكامل الاقتصادي.
وبينما قامت دول واختفت أخرى من الخريطة، ظلّت الجامعة العربية متوقفة في مارس/ آذار 1945.
وإذا تم تجاوز مشكلة النصّ والميثاق، يمكن الانتقال إلى نقاش آخر يراد له أن يظل محتشماً في العلن، يرتبط بمؤسسة الأمانة العامة للجامعة العربية، حيث هيمنة مصرية على منصب الأمين العام للجامعة على مدار 31 عاماً.
وخلال العقود الثلاثة الماضية، تمّت مقاومة كل مشاريع تدوير المنصب وإخراجه من دائرة الاحتكار المصري. والحقيقة أن هوية الأمين العام وطريقة عمل أمانة الجامعة العربية كان يمكن ألا تكون مشكلة معطلة، لولا حصول ارتباط حيوي لافت بين هيمنة دولة المقر، والعطب الذي يصيب الجامعة العربية لاعتبارات التأثير المباشر على القرار، ولو أمكن للجامعة والقمم العربية إنتاج قيمة ومعنى لحّل المشكلات العربية وتحقيق منافع اقتصادية مشتركة.
عند النقطة الأخيرة، تكمن أمّ المشكلات ويكبر الإخفاق حين يقرأ بالأرقام: 31 قمة عربية لم تنجح في رفع حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين الدول العربية إلى أكثر من سبعة في المائة من مجموع التبادلات التجارية للدول العربية مع كل العالم. رقم لا يكشف عن فشل فحسب، ولكنه يعلن عن تجاهل لعامل حيوي يحقق المنافع ويرفد العلاقات العربية – العربية.
الاتحاد الأوروبي الذي أزال الحدود ووحّد العملات، لم يبدأ إلا باتفاق الفحم والحديد.
@ المصدر: العربي الجديد
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.