تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفـور" الملك .
الأدلـــــة النقليــــــة :
من أراد أن يعرف الله حقا ، فلا يمكن أن يكون في مرية من أمره عندما يفكر فيما خلق الله سبحانه وتعالى ، ويستدرجنا هذا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ يقول في هذا الأمر بالذات ” تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في اله فإنكم لن تقدروا قدره ” وإن الله تعالى لم يحظ التفكير ، وإنما من باب الأدب والأخلاق الفاضلة أن يكون الإنسان عند ظن الله به كما قال تعالى في حديث قدسي ” أنا عند ظن عبدي ” وكما أن الله سحانه وتعالى طلب من الإنسان التفكير فيما خلق في هذا الكون والبحث فيه وذلك بقوله تعالى : ” يامعشر الجن والإنس إن إستطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لاتنفذون إلا سلطان ” وهنا كلمة “سلطان” أي بعلم ، ويتم الآية فيقول سبحانه وتعالى ” يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ” ولايمكن لكما الإنتصار عن إرادة الخالق سبحانه وتعالى .”
نعود مرة أخرى إلى كلمة “سلطان” أي إذا أوتي الإنسان علما فإنه لايمكن أن يكون جاهلا بما يحيط في هذا الكون الذي هو من صنع صانع متقن ، وهو الله سبحانه وتعالى عما يشركون ، ويقول عز من قال : ” وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ” .
إذا تأمل الإنسان في مخلوقات الله فلا بد وأن يجول بخاطره سؤال ، من خلق هذا الكون ؟ وهذه المخلوقات ؟ وهنا يتوقف ليجد الجواب من الله العلي القدير إذ يقول ” أفرأيتم ما تمنون أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ” .
ومع ذكر هذه الأدلة فهناك من يتجرأ على عدم وجود الله ، وهم ما يقال عنهم الباحثون أو العلماء ” ما وراء الطبيعة ؟ وهنا نكون متطفلين ونسأل مالدافع الذي دفع هؤولاء إلى البحث عما وراء الطبيعة ؟ والجواب هو الفطرة التي فطر الناس عليها ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” ما من مولود إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمسحانه ” ولم يقل يسلمانه لأن الإسلام إعتبره الفطرة .
وهؤولاء إتبعوا ملة آبائهم كما تقول الآية الكريمة : ” إن وجدنا آباءنا على أمة وإن على آثارهم مهتدون ” وهذه الفطرة كانت هي الدافع الذي بعث بهم إلى البحث عن ما وراء الطبيعة
البحث عن “قوة ما” كما يسمونها ، هذه القوة التي صنعت أو خلقت هذا الكون وهو الله سبحانه وتعالى عندنا وهم يعبرون عنه ” بقوة ما ” هذا تفكير علماء ما وراء الطبيعة المحدثين غير أننا نجد هذا التفكير الحديث بالنسبة لهم ، قد أكل عليهم الدهر وشرب ، ويتجلى ذلك في قصة فرعون وع وزيره هامان إذ قال له ” يا هامان إبني لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات لعلي أطلع إلى إله موسى ” فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى ، أي إدعى الربوبية ، ومع ذلك يعترف بأن هناك إله أراد أن يفتش عليه في أسباب السموات ، لقصر فكره وقلة عقله يريد أن يرى الله ، إله الذي إحتجب ، وأجل رؤياه إلى يوم الآخر ، عندما تخشع الأبصار وتحير الأفكار ، ويغشى على الناس ، فلا ملك وجبار ، ويقول الله لمن الملك اليوم ويجيب الله الواحد القهار .
وفي هذا المجال بالذات كانت تجربة سيدنا موسى عليه السلام مع بني إسرائيل حيث جمع سيدنا موسى فريقا من قومه إلى ميقات ربه ، لأنهم قالوا : ” أردنا الله جهر إن كنت من الصادقين ” فلما تجلى ربه إلى الجبل وجعله دكا وخر موسى صاعقا ” هذا النبي المميز عند الله بكلامه معه دون سواه من الأنبياء ” وكلم موسى تكليما “
إن أدلة وجوده سبحانه وتعالى كثيرة لاتعد ولا تحصى ، كما شهد بذلك على نفسه وما أوحى به إلى أنبيائه ، فيقول في كتابه الكريم : ” شهد الله نه لاإله إلا هو ، والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لاإله إلا هو العزيز الحكيم ” آل عمران
وأكد ذلك في الكثير من الآيات القرآنية إذ يقول : ” الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ” البقرة وقال : “إلهكم إله واحد لاإله إلا هو الرحمن الرحيم ” . كانت شهادته على نفسه ، وهذه بعض الآيات التي أوحى بها إلى أنبيائه فقال لنبيه موسى عليه السلام : ” فأعلم أنه لا إله إلا الله ” .
الأدلـــــة العــقلـــية :
كان كلامنا عن الوجود فيه إستعراض لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وبعض التغيرات التي أردنا من ورائها شرح بعض الغموض ، وإستدرجنا بعض الأدلة على وجوده سبحانه وتعالى ويقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه : ” عقيدة المسلم ” إن وجود الله تعالى من البديهيات التي يدركها الإنسان بفطرته ، ويهتدي إليها بطبيعته ، وليس من مسائل العلوم المعقدة ، ولا من حقائق التفكير العويصة .ولو لا أن شدة الظهور قد تلد الخفاء ، وإقتراب المسافة جدا قد يعطل الرؤية ، ما إختلف على ذلك مؤمن ولا ملحد ” كما يقول المتصوفة : ” إنه يبعد عن إدراكنا لفرط قربه ، ويخفي علينا ظهوره ، ويشرحون هذا بقولهم ، إننا عرفنا نور الشمس بغروبه ، وإدراكنا ألوان الأشياء من النور وليس من الأشياء … فهي زرقاء ، وحمراء ، وخضراء لأنها تمتص أمواجا مختلفة من النور … ولذلك الله ليس له ظل ليعرف به ، ونور الله مشرق أبدا وظل له … ولذلك نقول : ” إن الله إحتجب عنا لفرط إشراقه ودوامه ” . من كتاب مصطفى محمود ” القرآن محاولة لفهم عصري ” إن الخوض والبحث عن وجوده تعالى ضرب من الأوهام والأضاليل في عقول هؤولاء المتعجرفين الذي إنتهت بهم السبل ، فظلوا يبحثون عن شيء يكتبونه ليدر عليهم أرباحا مادية ، ولا تستغرب إذا قلنا مادية لأن منهجهم مادي ، ولا يعرفون للحياة طعما دون الجري وراء الأرباح المادية التي أعمتهم عن رؤية الحقائق الموجودة في نفوسهم وفي ما هو حولهم ، إنهم لطاغون إنهم يحاربون الله وكما قال تعالى : ” يجادلون في الله وهو شديد المحال ” أما من فتحت لهم الحجب ليرو ما لا يراه غيرهم فقد أنار الله لهم البصيرة ، ومكنهم من معرفة يخاطبون ويحاجون به ، وينيرون به الطريق لأمثالنا ، ويدعوا بهالغافلين الذين في قلوبهم زيغ ، ومن هذه الأعلام الإمام أبو حامد الغزالي والذي يقول في وجوده تعالى : ” معرفة وجوده تعالى وأول ما يستضاء به من الأنوار ما أرشد إليه القرآن غليس بعد بيان ، وقد قال تعالى : ” ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا والنهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا ، وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماءا ثجاجا ، لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا ” . وقال تعالى : ” إن في خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار ، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ” وقال تعالى : ” أم ترى كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا ، وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ليخرجكم إخراجا ” وممن أنار الله عقولهم الشيخ الإمام حسن ألبنا الذي لم يبخل بما أعطاه الله فزودنا بهذه الفطرة التي نراها مناسبة في هذا الباب إذ يقول : إن ذات الله تبارك وتعالى أكبر من أن تحيط بها العقول البشرية أو تدركها الأفكار الإنسانية لأنها مهما بلغت من العلو والإدراك محدودة القوة والقدرة ولكن يكفي أن نذكر ما نلمسه الآن م أن عقولنا من أكبرها إلى أصغرها تنتفع بكثير من الأشياء ولا تعلم حقائقها مثلا : الذرة كل الناس تتكلم عن الذرة وعن فوائدها ونقائصها ، ولكن لو سألت أحدهم رأى الذرة ؟ فيقول لا .
ويكفينا أن نعرف من خواصها ما يعود علينا بالفائدة ، فإذا كان هذا شأننا في الأمور التي نلمسها ونحسها فما بالك بذات الله تبارك وتعالى إن الكلام يعجز أمام قدرة الله سبحانه وتعالى الذي أرسى الأرض ورفع السماء ونثر النجوم وأنزل الماء . أي ظلال أصاب الإنسان ، حتى فشت فيه روح الجاهلية ، حتى الجاهلية كلنوا يقرون بوجود الله ، وإنه الخالق وحده للكون ولكنهم كانوا يعبدون غيره ولا يخلصون لله وحده ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يسألهم من خلق السموات فكانوا يعترفون الآية : ” ولا إن سألتم من خلق السموات والأرض لايقولون الله ” لقمان والذي منى الله عليه بعقل سليم فاليصرفه إلى التدبر فيما وجد في هذا الكون الشاسع ليعلم أنه الله الذي أوجد هذا العالم المتوازن ، وعليه أن يترك ويلعن الذين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا أيها العاقل المؤمن فإنه كما يقول الكاتب مصطفى محمود : ” مستحيل معرفة ذات الله وكنهه … و مستحيل رؤيته لعين بشرية … ” لأن العين البشرية لا تدرك إلا كل ما هو محدود متناه في المكان محصور في الزمان … والله متعال على الزمان … ليس كمثله شيء ويقدم لنا : ” عالم الغيب والشهادة الكبير والمتعالي “
مع ما قدمت من معلومات فإنني أجد نفسي مجبرا عن تقديم مل جاء في مقدمة كتاب قذائف الحق للشيخ محمد الغزالي بقلم عبد الله العقيل : ” إن ولابد أن نأخذ الأسلوب الذي يربي الأمة على العزة والكرامة ويشيع في أجوائها روح التحدي للباطل والإعتزاز بالحق والإستخفاف بما عند الناس والإستشراق إلى ما عند الله ” ، إن مثل هذا التعبير البديع الجمال المتسلسل الكلام والعميق في معانيه ليجعل الذي في قلبه مثقال ذرة من الإيمان أن يتوكل على الله ويسير غياهب الظلام ليبددها إلى نور تسير عليه هذه الأمة التي تلد شيئا من هذا العالم المليء بالأحقاد والإجحاف لهذه الأمة المسلمة في كيانها وفي عقيدتها ، بل ذهب بهم الإنحطاط والوقاحة إلى ضرب هذه الأمة بجميع وسائل التخريب الإعلامية المنحلة خلقيا ، إنهم لم يتوقفوا بل ذهب بهم جهلهم إلى تحدي ما تؤمن به هذه الأمة وهو الله سبحانه وتعالى وإلى الإقرار بعدم وجوده ، وقالوا أن هذا العالم موجود بالصدفة ، لاخالق لهذا الكون وإنما هي صدفة تصادفت وإنبثق منها هذا الكون وكل ما في الكون . وبعضهم من أصابه إختلال عقلي وراح يقول بأن مجرد وجود هذا الكون هي الطبيعة غير أننا نجد من يفند هذه النظريات ومن بينهم العالم الأمريكي ” كريستي موريسون ” في كتابه ” الإنسان لايقوم وحده ” وكان هذا ردا على ” هيكسلي الملحد ” الذي جاء في كتاب له يسمى ” الإنسان يقوم وحده ” وقد قال كريستي في مثاله ما يلي : ” لو تناولت عشرة دراهم وكتبت عليها الأعداد من 1 إلى عشرة ثم رميتها في جيبك ، وخلطتها جيدا ، ثم حاولت أن تخرج من 1 بالترتيب العددي حيث تجد كل درهم بعد تناولة مرة أخرى فإمكان أن نتناول واحد في المحاولة الأولى هو واحد في المائة وإمكان أن تخرج الدراهم 1،2،3،4 بالترتيب هو واحد في عشرة آلاف حتى أن الإمكان أن تنجح في تناول الدراهم من 1 إلى 10 بالترتيب هو 1 في عشرة بلايين من المحاولات .
والسؤال كم يجب من الوقت لنشوء هذا الكون لو تم بالمصادفة . يبد أن هؤولء المفترين لم يقفوا عند هذا الحد بل ذهب البعض منهم إلى القول والتسليم بأن الطبيعة هي التي خلقت كل شيء – كما ذكرنا سالفا – أي الأشياء توجد وتحدث بالطبيعة والسؤال الذي طرحه الدكتور عمر الأشقر في كتابه ” العقيدة في الله ” جدير بالإجابة عن هؤلاء إذ يقول : ” ماذا تريدون بالطبيعة ؟ ” هل تعنون بالطبيعة ذوات الأشياء ؟ تريدون بها السنن والقوانين والضوابط التي تحكم الكون ؟ أم تريدون بها قوة أخرى وراء هذا الكون أوجدته وأبدعته ؟ إذ قالو نعني بالطبيعة الكون فإننا لا نحتاج إلى الرد عليهم ، وإن العقل الإنساني يرفض التسليم لأن الشيء يوجد نفسه “
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.