احتضنت الجزائر يومي 27 و28 جوان الجاري بمركز المؤتمرات الدولي بالعاصمة قمة المدن الذكية العالمية للاستثمار والتكنولوجيا لعام 2018، تحت رعاية مشروع "الجزائر مدينة ذكية".
وتناولت القمة إبراز الحلول التي تهدف إلى توفير الرقمنة لكل فرد من أجل عالم ذكي وذلك بمشاركة ما يقارب 4000 مشارك و40 بلدا وأكثر من 15 مؤسسة ذات صيت عالمي.
ولكم أن تتصوروا الميزانية التي خصصت لاستقبال كل هذه الوفود وأجر دعوة الخبراء وتكاليف إقامتهم وغيرها من المصاريف في عز التقشف، لنستمتع بالاستماع إلى محاضرات عن مشاريع وكالة ناسا الأمريكية ووصولها لإمكانية غزو كوكب المريخ، بينما مازلنا عاجزين عن إيجاد حل للطرق المهترئة التي لم يعد الترقيع يجدي نفعا معها لا شتاء ولا حتى صيفا مما يجعلنا نتأسف لهذا الوضع المزري..
ولكن أسفنا الأكبر هو إهمالنا وتجاهلنا للطاقات المهمشة التي يمكنها أن تجد حلولا لمشاكلنا وتنهض بالبلد بل تشكل مجموعة خبراء يحاضرون في أمريكا عن مشروع الجزائر لغزو الكوكب الأحمر، لأن الحقيقة الصارخة أن أحد أبرز وأشهر علماء ناسا وسفير المريخ المشارك في هذه البعثة بقوة هو جزائري بامتياز حصل مؤخرا على براءة اختراع رقم عشرين عن ابتكاره لغرض صغير يلحق بالهواتف الذكية بغية كشف إصابة الأطفال بمرض اليرقان (البوصفاير) بصفة مباشرة في حين مازال البوحمرون (الحصبة) يقتل أطفالنا.
والمثير للجدل أيضا هو أن يؤكد الوزير الأول أحمد أويحيى خلال القمة الدولية للمدن الذكية جهود الجزائر في مجال تعبئة التكنولوجيات الرقمية في خدمة التنمية، وعمل الحكومة على خلق بيئة رقمية في جميع الميادين، لنتساءل هل تم وضع أرضيات ثابتة لكل المشاريع السابقة لننتقل على مرحلة الرقميات أم أنه يمكننا تجاوز البنى التحتية والوصول إلى القمة بمجرد عقد قمة ومشاركة خبراء دوليين نجحوا في جعل مدنهم حضارية بالمقاييس التكنولوجية الحديثة؟
أن نحاول إنشاء مدن ذكية هو أمر مهم ومشروع ضروري نأمل ونطمح في الوصول إليه، ولكن قبل ذلك كان من الأولى عقد قمة حول الاهتمام بالعقول البشرية الذكية لا احتقارها وتركها تستنزف إما هجرة أي ما يعرف بالحرقة العلمية أو جنونا وموتا، فمن منا لا يذكر العبقري “لمين مرير” -رحمة الله عليه- الحاصل على دكتوراه دولة في الفيزياء النووية بأمريكا والذي انتحر في يوم العلم بعاصمة العلم بينما كان فخامة رئيس الجمهورية يشجع العلم ويحتفل به في زيارة لجامعة الأمير عبد القادر ليكرم العالمة العراقية الدكتورة “وقار عبدالقهار الكبيسي”.
من لم يسمع بمرض الدكتورة البروفيسور “آسيا بريريش” التي انتقلت من أعلى منصب في وزارة الصحة إلى مصحة الأمراض العقلية.
الطاقات الجزائرية تهدر أو يستفيد منها الغير بعدما ضاقت بها السبل وهي التي لم تنكر يوما فضل الجزائر ولم تتخل عن انتمائها رغم اغترابها ومعاناتها، لأنها فعلا عقول ذكية ولو رأى المسؤولون عندنا أن الذكاء والتطور حكر للرجل الغربي فحسب.
وعليه أن أردنا حقا أن نستثمر في الذكاء الاصطناعي علينا إعطاء الذكاء البشري حقه، فأهم عامل للنهضة هو الإنسان وقد قالها المفكر العظيم مالك بن نبي الذي ترك موروثا قيما مفصلا عن شروط قيام النهضة سبق ما قدمه الخبراء الغربيون من أجل نهضة البلد وجعله ذكيا.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.