زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

سي بوكروح.. سنصوم وكل رمضان وأنت بخير!

فيسبوك القراءة من المصدر
سي بوكروح.. سنصوم وكل رمضان وأنت بخير! ح.م

نور الدين بوكروح

مقال طويل عريض وجهد خرافي لإبنه وليد من أجل ترجمته باحترافية عالية، وحشد لكل خيبات التاريخ الإسلامي وجلد مبرح لكل ما يرتبط بالاسلام كمشروع سياسي حضاري..

ليقول لنا في النهاية يجب أن تتوقفوا عن الصيام وتتخلوا عن شهر رمضان لهذه السنة إذا أردتم الشفاء من فيروس كورونا!!..

سي بوكروح.. لستَ طبيب أوبئة لنأخذ منك الرأي حول علاقة الصيام بانتشار الفيروس ولا فقيها مفتيا لنأخذ عنك تعاليم الصيام..

لذلك عد إلى سباتك فهذه الأجيال قد لا تكون مستوعبة حقا لتناقضات تاريخها الإسلامي (التي تلعب أنت على وترها في كل كتاباتك) لكنها حتما تفرق جيدا بين تخلف المسلمين وقداسة الرسالة التي جاء بها الإسلام..

سنصوم رمضان لهذا العام باءذن الله تعالى، وسنشفى من هذا الوباء بالوقاية والدواء والدعاء..
وكل رمضان وأنت بخير..!
______________________

zoom

فيروس كورونا والحضارات

■ بقلم: نورالدين بوكروح
▪︎ ترجمة: وليد بوكروح

لأول مرة في تاريخ البشرية، تواجه جميع الدول والحضارات والأديان في آن واحد إشكالا شاملا و فوريا: خطر الموت بفيروس كورونا. إذا كنا اليوم نعيش سياسيا في عصر تشرذمها الوطني، فإن جميع البلدان لا زالت، من الناحية الثقافية، تحدد هويتها بالانتماء إلى حضارة معينة، و التي بدورها تتأثر بديانة معينة. فالصين في أغلبها بوذية، والهند هندوسية، والغرب مسيحي وإسرائيل يهودية.

ثمة حضارة قديمة تقارب في حصيلتها هذه الحضارات، لكنها تنفرد بغيابها عن الصخب الذي يصاحب هذا الصراع العالمي الحديث، وهي تلك التي كان يصطلح عليها في الماضي بالحضارة الإسلامية..!

هذه الكيانات الثقافية، والتي ترتبط بها بلدان أخرى، تحتل المراكز الأولى في القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والعلمية. كما تستحوذ الدول التي تتصدّر طليعة هذه الكيانات المراتب الأولى في جميع التصنيفات الدولية. وهي اليوم تخوض سباقا حشدت له مواردها العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والأخلاقية، حتى تتمكن من التغلب على كوفيد 19، الذي تأمل كل واحدة منها سرا أن تكون هي من يبتكر العلاج الذي سيوقف المجزرة.

الغريب في الأمر أن ثمة حضارة قديمة تقارب في حصيلتها هذه الحضارات، لكنها تنفرد بغيابها عن الصخب الذي يصاحب هذا الصراع العالمي الحديث، وهي تلك التي كان يصطلح عليها في الماضي بالحضارة الإسلامية. حضارة أضوت في الماضي أقدم ثلاث قارات في العالم لفترة طويلة، ومكنت من تحقيق تقدم هائل في الطب والكيمياء وغيرها من العلوم والفنون بين القرنين التاسع والثالث عشر. أغلب البلدان التي تنتسب إليها حاليا غارقة في صراعات أخوية مسلحة فيما بينها، دون أن ترجى من وراء ذلك أي مصلحة حقيقية تذكر.

إنها الأصغر سنا من بين “الحضارات–الأديان” الخمسة التي تداولت على تصدر طليعة التقدم البشري، وهي الأوسع انتشارا بعدد البلدان التي تضمها، لكنها أيضًا الوحيدة التي لم تنجح في تحقيق نهضتها لتواكب عصرنا الحالي. كانت من قبل تعاني تحت وطأة خصومها (الحروب الصليبية، الاستعمار، الإمبريالية). أما اليوم فهي تحتضر من جراء ضربات أتباعها، و تُغتال على يدي “أفكار ميتة” لعلم ديني لم يتجدد منذ ألف عام و”أفكار قاتلة” لمرآته العاكسة التي هي الإسلاموية، بشقّيها السني والشيعي.

بعد قرون من التيهان الفكري الذي عرفته الإنسانية نتيجة انقراض حضارات العصر القديم، قام الإسلام باستلام المشعل في القرن السابع الميلادي ليضيء مرة أخرى مسيرة البشرية نحو النور والتطور وتحقيق الخير المادي والمعنوي للإنسان. فقدّم عند مجيئه للبشرية منظورًا عقلانيًا وليبراليًا فتح الطريق أمام قيام حضارة عظيمة، أينما لم يكن يوجد شيء يذكر قبل مجيئه ببضعة عقود فقط.

كان المسلمون الأوائل يرون في الإنسان الغاية الطبيعية للدين، وفي الإسلام فلسفة حياة تسمح له بتحقيق الارتقاء الأخلاقي والاجتماعي. ولم يلبث هذا المنظور أن أعطى ثماره على شكل “عصر ذهبي” أعاد بعث المعرفة البشرية بعد انقطاع دام عدة قرون.

أول تيار فكري ظهر في تاريخ الإسلام كان تيارا عقلانيا عُرف في بدايته باسم “القدريين”، ولاحقًا باسم “المعتزلة”. وقد تشكل جوهر نواته بعد وفاة النبي (صلعم) مباشرة، عندما بدأت النقاشات الأولى تثار في صفوف المسلمين. كان أنصار هذا التيار يؤمنون بالإرادة الحرة للإنسان، عكس أولئك الذين، من تأثرهم العاطفي بتنزيل الوحي الذي كان لا يزال قريبا في ذاكرة الأذهان وبصدمة وفاة النبي؛ كانوا يعتقدون أن الله يسير كل شيء حتى في أدق تفاصيل الحياة البشرية. كان يطلق على هؤلاء اسم “الجبريين”، وكانوا يفضلون تفسيرا حرفيا للقرآن.

خلال الفترة الممتدة بين القرن الثامن والقرن الثالث عشر، كان العقل المسلم مغمورا في جو فكري وأخلاقي ونفسي كان للإنسان فيه حرية التحري والتأمل والانتقاد والابتكار.

وقد كان التسامح بين المسلمين والمسيحيين واليهود في أوجه، بحيث يعمل علماء الأديان الثلاثة معًا داخل “دار الحكمة” التي تأسست في بغداد عام 832. كذلك عرفت حركة ترجمة أعمال الفكر اليوناني وتيرة هائلة تحت حكم الخلفاء المأمون والمعتصم والواثق، الذين كانوا يتبعون فكر المعتزلة.

لكن أطروحات “الجبرية” لم تكن قد اختفت. فقد تأسست بين القرنين العاشر والحادي عشر أربع مدارس فقهية (الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنبلية)، والتي شكلت مذهب “السنة”.

ثم قام الخليفة العباسي “القادر” بإعلان السنة مذهبا رسميا للدولة، وأضاف إلى أركان العقيدة الإسلامية تبجيل الخلفاء الأربعة الأوائل و كذا صحابة الرسول وخلفائهم حتى الجيل الثالث وهو ما يصطلح عليه ب “السلف”، والذي أعطى لاحقا “السلفية”.

صارت حرية تفسير القرآن والأحاديث النبوية محظورة تحت طائلة التكفير. وقام “العلم” الديني الناتج عن هذه الدوغماتية وهذا “الترسيم”، تدريجيا بتحويل الإسلام إلى عبادة صعبة المنال والإرضاء، تدقق في أصغر التفاصيل، و لا ترى من غاية للإنسان سوى السعي الإجباري وراء إرضاء الله من خلال التعبّد، مقابل حصوله على جزاء ذلك لاحقا.

فأدى بالتالي إلى الإحباط التدريجي للبحث والإبداع، وإلى تشبّع الذهنية المسلمة بالتواكل والاستسلام للقدر.

تم توجيه الطاقات الفكرية للنخبة تدريجياً نحو “العلوم الشرعية” التي تهتم بمعرفة المباح (الحلال) والممنوع (الحرام)، وبترتيب العقوبات في الآخرة. وتولّد نتيجة ذلك الإفقار الفكري و الضعفً الاقتصادي والعسكري، أو بمعنى آخر الانحطاط الذي أدى بالأمس مباشرة إلى الاستعمار، واليوم إلى التخلف إذا استثنينا عائدات النفط التي ستزول حتما في يوم ما.

هكذا إذا تشكل خلال القرون الأربعة الأولى للإسلام مفهومان مختلفان ومتوازيان للعالم، الأول استنتج من القرآن أن الله أنعم على الإنسان بأن ميّزه على كافة خلقه الآخر، وأكرمه بأن نفخ فيه من “الروح الإلهية” (الذكاء)، وعين له مجالا للنشاط يشمل الأرض والكون على حد سواء.

أما المفهوم الثاني، و هونقيض الأول، فرأى في الإسلام مجرد عقيدة يتقرب بها الإنسان إلى الله، وفي الإنسان “عبدا” مسخرا لعبادة الله، وفي الحياة الدنيا مجرد غرفة انتظار للحياة الآخرة.

كان المفهوم الأول متوجها نحو الإنجازات التاريخية، بينما كان الثاني رؤيةً ميتافيزيقيةً مستسلمة إلى “المكتوب”. الأول يرى في الإنسان، استنادا إلى القرآن الكريم نفسه، “خليفة الله في الأرض”، بينما يرى فيه الثاني حشدا من المؤمنين الذين تحركهم أوامر وأهواء علم ديني لم يتجدد منذ ألف سنة.

كانت المواجهة بين الرؤية التي تمجد الإنسان و تلك التي تحرم عليه كل ما يخرج عن عبادة الله، أمرًا لا مفر منه. وقد توزع هذا الصراع على عدة جولات واستمر لعدة قرون، قبل أن ينتهي بانتصار التيار الحرفي الشكلي والاستسلامي، الذي تدعمه كتلة المؤمنين الذين جرى تأطيرهم دون هوادة عبر الوعظ في المساجد والدعوة في الشوارع.

لقد فرضت أفكار هذا التيار نفسها على مدارس المذهبين السني والشيعي على حد سواء، مع بعض الفوارق الضئيلة بينهما، وعبرت الزمن لغاية يومنا هذا عبر ثلاث مراحل: الأشعرية في القرن العاشر، السلفية مع ابن تيمية في القرن الرابع عشر، ثم الوهابية مع محمد ابن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر. أفكار هؤلاء الرجال الثلاثة، الذين يعتبرون المراجع الحقيقية للمذهب السني، هي التي تهيمن اليوم تحت لواء الإسلاموية.

دين “اللاهوت”، الذي يضع الإنسان في خدمة الدين كان قد انتصر على دين “الغائية”، الذي يضع الدين في خدمة الإنسان؛ وقام بطرده من الذهنية المسلمة.

الفكر الإسلامي الأصلي كان قد انتشر بصورة تلقائية وطبيعية، وبحرّية تامة لمدة أربعة قرون متتالية قبل أن ينجح العلم الديني في تكبيله إلى درجة الشلل التام. كان الأول موجها بصورة طبيعية نحو البحث والاكتشاف والحضارة والسعادة البشرية.

حرية الفكر التي منحا القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين انتزعتها منهم في نهاية المطاف الذهنية التقليدية. فلم يعد لدينا منذ ذلك الحين مخترعون ولا فلاسفة، بل آلاف الدعاة و الأئمة الذين لا يفكرون ولا يكتبون، بل يكتفون بالوعظ في المساجد والشوارع بالأمس، وعلى بلاطوهات التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي اليوم. لم يعد لدينا صلاح الدين وابن سينا، وأصبح عندنا بن لادن والبغدادي.

الإسلاموية التي نعرفها في عصرنا هذا هي وريثة هذا التيار الذي أضفى، في الجانب السياسي، الشرعية على انقلاب معاوية ضد الخليفة الرابع (علي رضي الله عنه) بمباركة أبي هريرة ؛ قبل أن ينقض، في الجانب الثقافي، على الفكر العقلاني والإنساني للمعتزلة.

هذه هي المرحلة والكيفية اللتان تَحدّد من خلالهما مصير الإسلام الذي لا يجد اليوم من علمائه ليصفهم في الصراع العالمي لهذا العصر ضد فيروس كورونا، سوى “علماء الدين”، الذين يشرفون على توجيه صلوات التضرع إلى العناية الإلهية حتى ترفع الوباء الذي هو، حسب اعتقادهم، مسلّط عليهم من عند الله، في شكل “ابتلاء” يختبر به إيمان البشر.

إذا لم يتمكن “الكفار” (أتباع الحضارات-الأديان الأربعة الأخرى) من القضاء على فيروس كوفيد 19 في غضون خمس عشر يومًا، فإن العلم الديني القديم “الصالح لكل زمان و مكان” سيواجه إحراجا خطيرا: إما الاضطرار إلى تعليق صيام هذا العام، لأن خواء الجسم يزيد من قابليته لفتك الفيروس و يحفز إذاً انتشاره، و إما تثبيت الصيام و بالتالي تحدى خطر تفشّ أوسع له في صفوف المسلمين وغيرهم على حد سواء…

قبل أن يكون متخلفا بالنسبة لمسيرة العالم الحديث، فإن “العلم” الديني القديم المتصلب يمثل تقهقرا بالنسبة الإسلام نفسه. فهو ينقل قيم الانحطاط لا قيم الإسلام الأصلي. نحسب أنه الإسلام لأنه يتظاهر بطقوسه وشعائره، بينما هو في باطنه فارغ لا يحتوي على شيء من عوامل الحياة أو التقدم. لكنه يهيمن بشكل واسع على الثقافة الاجتماعية لجميع البلدان الإسلامية، التي لم يعد يظهر فيها “علماء” حقيقيون و لا مخترعون تقنيون منذ القرن الثالث عشر.

إذا لم يتمكن “الكفار” (أتباع الحضارات-الأديان الأربعة الأخرى) من القضاء على فيروس كوفيد 19 في غضون خمس عشر يومًا، فإن العلم الديني القديم “الصالح لكل زمان ومكان” سيواجه إحراجا خطيرا: إما الاضطرار إلى تعليق صيام هذا العام، لأن خواء الجسم يزيد من قابليته لفتك الفيروس و يحفز إذاً انتشاره، وإما تثبيت الصيام وبالتالي تحدى خطر تفشّ أوسع له في صفوف المسلمين وغيرهم على حد سواء، لأن هؤلاء يعيشون جنبا لجنب في كل مكان تقريبًا. ماالذي يجب أن يمثل الأولوية؟ حياة عدد غير محدد من البشر أم فريضة دينية؟

في عهد إسلام الفتوحات، عندما لم يكن العلم الديني موجودا بعد، واجه الخليفة عمر بن الخطاب حالة مشابهة للوضع الذي نعيشه اليوم، وهي تفشي الطاعون في سوريا أين كان يوجد الجيش الذي أرسله لفتحها هي وفلسطين. وفي مواجهة الخسائر التي خلفها الوباء في صفوفه، و هي تقارب حسب المؤرخين 25000 قتيل من الجنود الذين أصيبوا به، أمر الخليفة بالانسحاب من المدينة ووضعها تحت الحجر الصحي. لكن قراره لقي اعتراض قائد جيشه (أبو عبيدة) الذي رأى في ذلك “هروبا من قدر الله”. لكن عمر رد عليه: “نفرّ من قدر الله إلى قدر الله”. يضل هذا الموقف من أشهر الصور التي توضح الجدال بين “القدريين” و”الجبريين” في فجر الإسلام.

رسولنا صلى الله عليه و سلم هو صاحب واحدة من أجمل العبارات الإنسانية في كل العصور: “إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”.. هذا هو الاختلاف الذي أردت أن أوضحه بين الإسلام الأصلي، وإسلام الانحطاط الذي حاكه ويحافظ عليه العلم الديني بشقيه السني والشيعي، واللذان يوجد كلاهما في الخدمة المستمرة للاستبداد.

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.