تعرض العراق لعقوبات اقتصادية لمدة 13 سنة متتالية أعقبتها حرب انطلقت شرارتها الأولى في 19 مارس 2003 من جنوبه و بمشاركة 120 ألفا من جنود تحالف دولي دعا له بوش الأمريكي وبلير البريطاني، ودعمته دول غربية وأخرى عربية بحجة الإطاحة بنظام بغداد الذي يمتلك أسلحة دمار شامل مزعومة يهدد بها جيرانه والسلم في العالم.
سقطت بغداد إذن نتيجة تواطئ غربي-عربي، لأن النظام هناك أعطى المبرر لغزاته عندما تصدعت جبهته الداخلية بما أغرى خصومه التقلديين والإستراتجيين بدخول تحالف عسكري، تمكن بعد 19 يوما من بداية المعارك من ولوج عاصمة بلاد الرافدين ليبدأ بذلك العراق صفحة جديدة من تاريخه الحديث.
ما أشبه اليوم بالأمس، فهاهي دمشق تعيش نفس الظروف التي سبقت سقوط بغداد في التاسع من أفريل 2003، فبعد فشل النظام في حسن التعامل مع مطالب شريحة واسعة من شعبه في الحق في العيش الكريم،ضُرِب السلم الإجتماعي في الصميم، ودخل البلد أتون حرب أهلية ما زالت مستمرة منذ 2011. وإذا لم يكن بالإمكان ايجاد حلفاء لنظام بغداد يقفون إلى جانبه في مواجهة حلف بوش-بليرفإنه يوجد لحكم بشاراليوم داعمون ومساندون.
ففي مجلس الأمن ومنذ بداية الأزمة في سوريا استعملت روسيا بمساعدة الصين حق الفيتو ثلاث مرات للأعتراض على مشاريع إدانة عنف النظام في مواجهة المظاهرات وفرض عقوبات عليه. هذا ورغم صورالفضاعات والقتل اليومي التي تتناقلها وسائل الإعلام عن سوريا على مدار الساعة، وتجسدها أعداد القتلى التي تجاوزت 70000 معظمهم مدنيون- من بينهم أكثر من 3700 طفلا و2100 امرأة- خلال سنتين ، فقد أشار تقرير لمنظمة”حقوق الإنسان أولا” الصادر بتاريخ مارس 2013،إلى وجود عشر دول على الأقل من بينها -روسيا،إيران،كوريا الجنوبية،انغولا،جورجيا،لبنان،اليونان،جنوب افريقيا- مازالت تقدم لنظام الأسد الأسلحة،الوقود والتكنولوجيا العسكرية، إلى جانب تمكينه من أسواق المال.
أما على الأرض، ووفق ما ورد في تقرير”الإستراتيجية الإيرانية في سورية” الصادر بتاريخ ماي 2013 عن “مشروع التهديدات الحيوية” فإن ايران تبذل جهودا كبيرة ومكلفة على جميع الأصعدة من أجل المحافظة على استمرارنظام الأسد أطول فترة ممكنة، مع تحضيرالظروف التي تسمح لها برعاية مصالحها الإقليمية في المنطقة باستخدام الأرض والمقدرات السورية في حالة سقوط حكم الأسد. ولهذا فإن الحرس الثوري الإيراني الذي يشرف على تدريب جنود حزب الله اللبناني و يقدم الدعم العسكري و الإستخباراتي لحكم الأسد منذ ثمانينيات القرن الماضي،قد بدأ يتواجد على أرض المعركة في مواجهة مباشرة مع مقاتلي الجيش السوري الحرومساندة مليشيات الشبيحة إلى جانب فيلق القدس ومصالح المخابرات الإيرانية.
يحدث هذا بعدما بدأ نظام بشار يفقد السيطرة على بعض المناطق في المدن والأرياف في 2012، ولهذا فقد اضطر أمين عام حزب الله اللبناني في زيارته لطهران نهاية الشهر المنصرم على الإعتراف ولأول مرة بمشاركة جنوده في الحرب الدائرة على الأرض السورية وبمساندة كتيبة “أبو الفضل العباس”،المكونة من عناصر حزب الله اللبناني وعناصرمن “عصائب أهل الحق” و “كتائب حزب الله” العراقيتين.
هذا الدعم الغير محدود الذي مازالت تحضى بها دمشق، له مايبرره إقليميا واستراتيجيا، فإيران التي تعتبر سوريا يدها الثانية بعد العراق لضمان مصالحها و تفوقها العسكري و السياسي في منطقة الخليج العربي ولبنان أصبحت بعدما تقدم مقاتلو الجيش السوري الحر على كثير من الجبهات تعمل على تجييش الروح الطائفية بين السوريين داخل وطنهم و بين جيرانهم في العراق ولبنان من أجل مشروع طائفي بغيض. يقول حجة الإسلام مهدي طيب، وهو أحد المقربين من الزعيم الإيراني في منتصف شهر فيفري الماضي “سوريا هي المحافظة 35 في ايران و هي محافظة استراتيجية.إذا هاجمنا الأعداء و خُيِّرْنا بين افتتاك سوريا أومحافظة أخرى، فإن أولويتنا الإبقاء عل سوريا،لأنه إذا حافظنا على سوريا، فانه بمقدورنا بعد ذلك استرداد أي محافظة أخرى.أما إذا فقدنا سوريا، فلن يكون باستطاعتنا المحافظة على طهران”.
أما حلفاء الأسد في الشرق بزعامة روسيا فحساباتهم ليست طائفية، إلا أنهم يشاطرون نفس هواجس نظراءهم في الغرب من امكانية سقوط حكم الأسد وقيام نظام جديد-على غرار ما حدث في تونس،مصروليبيا بعد الإطاحة بنظمها الشمولية ووصول الإسلاميين إلى السلطة- سيطالب بحقه في استرداد مرتفعات الجولان ورسم موازين قوى جديدة في المنطقة، ليس بالضرورة أن تبقى فيها لإسرائيل اليد الطولى.ولهذا فقد سعوا لإفشال مهمة كل من كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي مبعوثي الأمم المتحدة و الجامعة العربية لسوريا. هذا من جانب، أما من جانب آخر،فالكل -غرب وشرق – مجمع على أنه يجب أن تستمر”بلقنة” الأزمة السورية-دعم غير محدود للنظام في مقابل إغاثات إنسانية للثوار- حتى يُنهَك الطرفان المتحاربان وتُدَمَركل مقدرات البلد ومقومات القوة والسيادة فيه؛ وقتها فقط يمكن الحديث الجدي عن خطة شبيهة ب”اتفاقية دايتون للسلام” التي وضعت حدا للصراع المسلح الذي شهدته منطقة البلقان بين عامي 1992و1995،وقُّسِّمَت بموجبها البوسنة و الهرسك-كان يتعايش فيها البوسنيون إلى جانب الصرب والكروات- إلى كيانين،فيدرالية البوسنة والهرسك في مقابل جمهورية صرب البوسنة.
هذا السيناريو بدأت ترتسم معالمه بعد المحادثات التي أجرها جون كيري بداية الشهرالجاري في زيارته الأولى لموسكو بعد تعيينه على رأس الخارجية الأمريكية، حيث اتفق الطرفان-ظاهريا- على الدعوة لعقد ندوة عالمية حول سوريا نهاية الشهر في جنيف لبحث سبل حل الأزمة السورية. هل ينجح هذا المسعى و تنتهي سوريا لنفس النتيجة التي وصل إليها الجار لبنان بعد حربه الأهلية التي دامت 14 عاما بتقاسم الفرقاء السلطة. أم أن سوريا تتجه نحو التقسيم على أسس طائفية إلى دويلات ضعيفة تسمح لأطماع أعداء الوطن بالتحقق على أرض الواقع و بأيدي بعض من أبنائه. الجواب يملكه العقلاء من جميع أبناء الوطن الواحد من العرب و الكرد و العلويين والدروز و غيرهم من مكونات الشعب السوري.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.