زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

الجزائر.. هل حاجة التغيير قائمة؟

الجزائر.. هل حاجة التغيير قائمة؟

إن الاحتجاجات القطاعية ، والفئوية ، والاجتماعية ، التي تكاد تميز هذه المرحلة من حياة الدولة الجزائرية ، وما يرافقها من مطالب كثيرة تنجلي عن قصور قائم وموجود ، على مستوى معين ، من هرم الدولة ، هذا القصور له صلة بعجز الإدارة ، وعدم فعاليتها في التعاطي مع المشاكل المطروحة ، وضعف قدرتها على استشراف نمو المطالب ، وتوقع الحلول من خلال سياسات تعكس الانشغالات الاجتماعية والاقتصادية للمواطن الجزائري .

ثم هناك الجانب السياسي المفتقر إلى مسايرة تطور الأحداث ، بشكل يؤهله على تأطير المجتمع ، وتبني مطالبه . هل الأحزاب السياسية ـ التي تشكل قاطرة التحالف ـ تمتلك القدرة السياسية والفعالية الميدانية ؟ وهل باستطاعتها صياغة البرامج العملية ، وتصور الحلول التنظيمية والتشريعية التي تنجز بها التزاماتها اتجاه المجتمع ؟ . واقع الحال يبين أنها هشة ، وليس بإمكانها صياغة بدائل تجسد طموح ورغبة الشعب الجزائري في التغيير ، وتجاوز كل المعوقات التي تقيد حركيته في بلورة  حاجته إلى التنمية والاستقرار والأمن.

                  هذا الضعف كان له تأثيراته السلبية ، على الحياة السياسية بشكل عام ، وما يؤكد هذا ، هو أن العديد من الفئات المتعلمة المحتجة ، ترفع مطالبها صوب رئاسة الجمهورية ، دون الالتفات إلى غيرها من الهيئات ، وهذه رسالة واضحة ، تؤكد على أن الثقة باتت مفقودة بينها وبين هذه الهيئات الوصية. إن الفتور الذي يميز الفعل السياسي لدى الأحزاب ، مرده إلى جملة من المعطيات التي تصنع الواجهة ، وتؤثر على التواجد الفاعل ، نوجز بعضها فيما يلي :

                       أولا : العجز التنظيمي ، في إقامة مؤسسة حزبية سياسية تتوفر على كل المعايير المؤهلة لتسيير وضبط العمل النضالي المفيد ، إن عزوف الكفاءات العلمية على الانخراط السياسي مؤشر يؤكد هذا العجز.

                       ثانيا: إنتاج وصياغة برامج تنتهي يوم ميلادها خلال المؤتمرات، أمر يجعل من الحزب أداة لا تعكس روح نضال المناضلين ، ولا تلتفت إلى انشغالات المجتمع ، وتندمج طواعية ضمن سياسات ليست من إنتاجها  لذلك نسمع مقولة مثل 🙁 نحن في الحكومة ولسنا في الحكم..) ، فهذه المقولة التبريرية وغيرها من المقولات ، تفقد المؤسسة الحزبية صدقية العمل السياسي ، وترهن رؤيتها وفق منظور لايتوافق مع عقيدتها السياسية.

                       ثالثا : القبول بلعب دور ثانوي ، أو دور إلحاقي ، يجعل المؤسسات الحزبية ، بعيدة عن أهدافها ، ولب نضالها ، ولا يسمح لها بإنتاج بدائل تؤهلها على القيادة، وتبني سياسات تطبيقية ، تستجيب مع حاجة المجتمع والوطن ، مما يجعلها في موقف حرج ، يمنع عن قيادييها ، عرض مواقف واضحة مما يدور من أحداث ، أو يطرح من قضايا مختلفة محليا ودوليا .

                       رابعا : فتح المجال أمام النزَعات الانتهازية ، للأستلاء على مواقع متقدمة ضمن الهياكل الهرمية التنظيمية للأحزاب ، شكلت عملية التفاف مقصود ، يذهب صوب صيانة المصالح الذاتية ، والمزاوجة بين الثروة والسلطة كل ذلك ، قيد فعلها الايجابي ، وتعاطيها مع المجتمع ، والانفتاح عليه ، الأمر الذي افقدها التأثير على مجريات الأحداث ، وتسييرها وفق المصلحة العليا للوطن .

                       خامسا: الإقرار بعدم الحاجة إلى التغيير من طرف زعماء سياسيين، مؤشر آخر يوضح نزعة الركون والجمود ، التي تميز الساحة السياسية، وتجعلها تعيش على هامش الأحداث ، وبعيدة كل البعد عن روح مجتمعها ، وبالتالي ليست لها القدرة على القراءة السليمة لخريطة الواقع بكل أبعاده ، لأنها واقعة في أسر رؤية نمطية ، تؤمن بفعاليتها ، ولا ترى جدوى غيرها من القراءات السياسية الأخرى .

                  الخطاب السياسي الفاعل ، يعزز الوجود ، ويطور الأساليب النضالية ، التي تتبنى القضايا المطروحة، وتتفاعل معها ايجابيا، من اجل صياغة الرؤى وفق المصلحة العامة للشعب ، لكن الانحراف عن هذه الروح ، يجمد الأدوات السياسية ويجعلها غير قادرة على الفعل والحركة والتصور ، وكلما حاولت القيادات الهروب من الواقع ، والقفز على حقائقه، والانفلات من المسئولية، والتستر وراء تبريرات غير مجدية. تكون بذلك قد أسهمت في مزيد من التأزم ، ووفرت المزيد من عناصر الجمود.

                  حياة الدولة ديناميكية، يتطور فعلها باستمرار، ولا تتوقف لحظة عن مسايرة، نمو الأنشطة المختلفة، ومتطلبات حاجة المجتمع المتنامية، وتماثل مؤسساتها مع ذلك ، كفاءة ، وقدرة ، ونموا ، لتصبح قادرة على التعامل مع كل مستجدات التنمية من كل جوانبها (الاقتصادية – الاجتماعية – السياسية – البشرية) وهي الأهداف التي يسعى المجتمع السياسي لتحقيقها.

                  أعتقد أن الإدارة في بلادنا ، وبحكم أساليب تعاملها الثقيل ، وانفلاتها في الكثير من الحالات ، من عقل الضوابط ، والمعايير العلمية ، ومشروعية الفعل ، وحتمية الاستجابة الحينية ، في المعالجة والتدبير ، كلها ميزات زادت من أعباء المجتمع ، ووسعت الهوة بين الحاكم والمحكوم ، وقادت إلى غياب الثقة بينهما ، هناك حلقات مفقودة وأخرى مكسورة ، على خط المسار الهيكلي المؤسساتي، صعودا ونزولا، صعب من انجاز العمل ، ومن تجسيد الأهداف المصاغة ضمن برنامج السلطة ، هذه الصورة المكررة على مستوى الفعل السلوكي للمؤسسات ،  والهيئات ، العاكسة لحالة روح الوصاية الممارسة التي ترفض الاستجابة لسنن التطور، والتوق إلى التغيير، هذه المحصلة بخاصيتها ، تكون مرتعا مفيدا للفساد ، الذي يعبث بمقدرات الأمة ، ويزيد طمعه إلى المزيد من إخضاع هذه المؤسسات وترويضها وتطويعها ، وفق رغبة الاستيلاء والاستعلاء على كل شيء ، والمزاوجة بين السلطة والمال، هي التي تشكل مجموع عناصر الجمود ، وإيقاف حركة التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلادنا.

                    إن معوقات التحول الديمقراطي ، والاجتماعي ، والسياسي هذه  أصبحت ثقافة ، ومنطقا ، يعطي لتطبيقات السياسات المنتهجة ، مسوغات البقاء ، وبحكم الهيمنة على المؤسسات في الدولة ، تعمل على الترويج لهذه الثقافة ، وتجد من المبررات ما تفسر به أي مشكلة يفرزها الواقع المعيش ، إن مثل هذا الأمر القائم في بلادنا ، وبهذا الأسلوب ، يعطل أي تغيير ، ويعمل على إيقافه ، ويسعى في تجريد المجتمع من كل دور فاعل ، يؤثر بموجبه على دفع الفعل السياسي نحو إيجاد الصيغ السلمية الكفيلة بإحداث تحول نافع ، يسمح له بترقية المؤسسات لتكون أكثر ارتباطا بمجتمعها ، وأكثر استجابة لحاجاته.

                   في وقت سابق ، جاءت  مبادرة الرئيس ـ التي تكلم عنها الإعلام ـ حول حتمية الإصلاحات ، والتي طرحت من خلالها مجموعة من الأفكار ، في مقدمتها حل المجلس الشعبي الوطني ، كان رد فعل كل من زعيمي حزب جبهة التحرير الوطني ، والتجمع الوطني الديمقراطي ، يذهب في اتجاه عدم قبول فكرة الحل ، وجاءت مضامين تحليلاتهما لواقع البلاد ، لاتنفصل عن السعي إلى تأكيد السلوك السياسي النازع نحو استصغار وقع القضايا المطروحة ، والتغافل عن ما يحدث ، طبيعة ردود الفعل هذه تبين بشكل جلي ، أن الفعل السياسي لدى أحزاب التحالف ، ليس بمقدوره إنتاج تصورات عملية من شأنها ، خلق ديناميكية سياسية ، تعطي روحا جديدة للبلد ، تكرس من خلالها ، آليات تسمح بالانفتاح على المجتمع ، تعزيزا للحقوق والحريات.

                   ويأتي خطاب الرئيس ، الذي يرسم جملة من معالم التغيير ، وهي إصلاحات يريد لها ، أن تعطي حيوية ، لبناء دولة جديدة ، يتعزز من خلالها دور المجتمع في التكفل بشئونه ، بواسطة لامركزية تعتمد صلاحيات واسعة للمنتخبين ، وكأني أقرأ في ثنايا الخطاب ، حرصه على توجيه رسالة إلى  المواطنين بشكل أساسي للقيام على صيانة هذه الإصلاحات ، والسهر على إقامتها ، بما يوفر لهم حاجاتهم  من الحريات والحقوق.
   الدولة بمؤسساتها، يحميها مجتمع مدني قوي، ومنظم، يعي مصالحه، وله من الأدوات ما يسمح له بتسيير شأنه وفق حاجته، والتي تكون في نهاية الأمر حاجة الدولة وهدفها ، فالغاية التي ترمي إلى البحث عن نظام يقوي المجتمع ، ويدعم كل عناصر القوة لديه ، هي التي تجعل حاجة التغيير قائمة في بلادنا ، وتبقى مسألة الإصلاح إشكالية قائمة يستعصى بلوغ أهدافها المنشودة ، في ظل أدوات سياسية عاجزة عن قراءة الواقع ورهاناته المطروحة إقليميا ودوليا ، فما يعتاد عليه من سلوك ، لأاعتقد انه يتغير بين لحظة وأخرى ، ولأاعتقد أن الذي يؤمن بصورة ما ، من الآليات التي تؤطر قضايا المجتمع ، يترك هذا ليتبنى فجأة آليات أخرى ، قد يكون هذا ممكنا من جراء رؤية مسبقة ، يكون قد توصل إليها من خلال قراءة واعية وتحليل سليم للأوضاع ، ولكنه لايكون ممكنا إذا رأى الأمر قد يتجاوزه  ، إن لم يسارع في امتطائه ، وهذا ما حدث خلال سنوات التسعينيات ،  برغم من مخاضها العسير ، ونتائجها القاسية على الشعب الجزائري ، حيث استمر مسار العقلية ، التي تعالج الأحداث وفق منظور ضيق ، يرى الجزء ولايتسع لرؤية الكل ، ينبغي اليوم تجاوز ذلك ، على مستوى الحيثيات المعتمدة ، والتطبيقات المرجوة ، و سُنة التدافع هي التي تُنتج وضعا جديدا يضع المحددات التي تؤدي إلى إصلاحات عميقة ، تقصي آليا العقلية الساعية إلى الحفاظ على المصالح والامتيازات ، هذه العقلية التي لم تستطع إنتاج أحزاب سياسية ، نابعة من المجتمع وتطلعاته ، قادرة على استيعاب مهامها في ظل رؤية واضحة لمجمل التحديات القائمة .

                    فالدولة العصرية يصنعها التواصل والتفاعل المستمرين، بينها وبين شعبها، بواسطة حلقات مترابطة لمجتمع قوي ومنظم، يظل ساهرا على حراسة دولته المدنية، هذا هو الوقت المناسب للقيام بدور تاريخي ، يبعد عنا شبح الأوهام المضللة ، التي تكبل عقلنا وفعلنا ، وتهدر طاقتنا ومقدراتنا ، ليستفيد منها الغير الساهر على مصالحه الاقتصادية والثقافية .

فالدولة لا يصنعها الدستور ، بقدر ما يصونها مجتمع واع ، حريص على مصالحه ، والرهان اليوم ، يطرح على مستوى كيفية صنع هذه الدولة ، من خلال نداء الإصلاحات التي دعا إليها السيد / رئيس الجمهورية .                

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.