منذ سقوط الإتحاد السوفييتي نهاية 1991، وأمريكا تفرض "واقعها الديمقراطي" المتمثل في هيمنتها الثقافية والاقتصادية على العالم.
ولتثبيت هذا الواقع وتقويته انخرط في هذا المسار كبار صناع القرار السياسي والاقتصادي، لكن تبين فيما بعد أن هذه السياسة عزلت أمريكا وقسمت الشعب الأمريكي المقسم أصلا على نفسه وصار “متصادما مع نفسه” مثلما بشر به صموئيل هنتنغتون في فلسفته حول تصادم الحضارات الذي قد يكون أخطأ في المكان؟
فهل كان يقصد صموئيل التصادم يقع مع الآخرين فقط؟
هل فعلا جرب الأمركيون كل شيء ولم يجدوا سوى دونالد ترامب الرئيس الـ45 لأمريكا ؟
وحتى نظرية “نهاية التاريخ” التي جاء بها الفيلسوف فرانسيس فوكوياما المتمثلة في نهاية الأنظمة إلااشتراكية والشمولية لم تتحقق بؤلشكل الكافي بل عادت في صور أخرى.
ماذا كان يقصد وينستون تشيرشل رئيس الوزراء بريطانيا في كلامه عندما سئل عن التغيير في أمريكا قائلا: “سيذهب الأمريكيون إلى التغيير حينما يجربون كل شيء سيء”..
هل فعلا جرب الأمركيون كل شيء ولم يجدوا سوى دونالد ترامب الرئيس الـ45 لأمريكا ؟
وبوادر التململ بدأت بالشرخ الذي ما يزال يعيشه المجتمع الأمريكي غير الضارب جذوره لا في التاريخ ولا في الحضارة، إلا إن ما يجمعه والقاسم المشترك بينه هو قوة القانون الرادع وتوفر فرص النجاح، بسبب التفاوت الطبقي تفاوت خيرات الولايات اختلاف بعض القوانين المحلية من ولاية إلى ولاية وارتفاع نسبة الجريمة وتراجع اليد العاملة.. فأمريكيا من الداخل ليست أمريكا التي تصورها استوديوهات هوليوود العالمية.
كل هذه العوامل بينت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة أن المرشحين يمثلان مشروعين متناقضين تماما أيقض المرشح دولاند ترامب أحدهما من حيث يدري أو لا يدري؟
فكلينتون التي تحمل مشروعا ناعما للهيمنة، ساندها كبار السياسيين الأمريكيين وعلى رأسهم الرئيس أوباما ونخبة كبيرة جدا من المفكرين والمثقفين والأطباء والمحامين الرياضيين والفنانين والممثلين…
حتى أن كل الاستطلاعات أعطتها الفوز بفارق 5 بالمائة وفعلا تفوقت شعبيا على ترامب بفارق 230 ألف صوت من أصوات الناخبين؟ أي نالت 59.923.027 صوت مقابل 59.692.974 لصالح ترامب الذي فاز بـ279 عضو مقابل 224 لكلينتون من أصوات المجمع الانتخابي أو ما يسمى في الثقافة الإسلامية “أصحاب الحل والعقد” أو بمجمع تشخيص النظام في إيران الذي ينتخب المرشد.
هل أخطأت أغلب مراكز سبر الآراء في تقديراتها؟ أو أنها أهملت أحد المتغيرات الأساسية في صياغة فرضياتها؟
الفلسطينيون لم يتفاجأوا بانتخاب ترامب، وقد لخصوا فوزه في جملة جميلة جد معبرة ألهبوا بها منصات التواصل الاجتماعي بقولهم :”فاز أبو لهب على حمالات الحطب”..
هل كانت العينة المستجوبة صغيرة بالمقارنة مع عدد السكان؟ هل كانت العينة غير تمثيلية من حيث فئة السود والإثنيات الأخرى؟
لا أعتقد ذلك حتى أن سياسي أمريكا لم يتمكنوا من فهم ماذا حدث بالضبط يوم 8 نوفمبر 2016؟ وما يريده شعبهم خاصة في ظل انتشار وسائط التواصل الاجتماعي التي أخرجتهم عن التوجيه نحو أمريكا الموحدة في ظل سيطرة الإعلام الأمريكي الكلاسيكي؟ هل يريد الشعب الأمريكي تغيير النظام الانتخابي الحالي؟ هل يريد عدالة اجتماعية أكثر؟ كل هذه الأسئلة تبقى مطروحة للنقاش..لكن دون إجابة.
أعضاء المجمع الانتخابي بالتأكيد أكدوا انتخاب ترامب بعد أن قضى هو وطاقمه الجديد 73 يوما من التربص على يد أوباما، للإطلاع على أهم الملفات الاقتصادية والأمنية التي تنتظره في الداخل وبالأخص في الخارج، وما تحيكه وكالة الاستخبارات باسم محاربة الإرهاب، وخاصة القضية الفلسطينية التي ستبقى تراوح مكانها، حتى أن الفلسطينيين لم يتفاجأوا بانتخاب ترامب، وقد لخصوا فوزه في جملة جميلة جد معبرة ألهبوا بها منصات التواصل الاجتماعي بقولهم :”فاز أبو لهب على حمالات الحطب”، إنه تصوير معبر عن وضعهم في ضل توالي رؤساء أمريكا وحالهم مازال على حاله، إنه رأيهم وفي الصميم يلخص السياسة الأمريكية ومدى هيمنة اللوبي اليهودي عليها في كل المؤسسات، لا أحد يتجرأ الدفاع على القضية الفلسطينية في أمريكا في ضل أيضا هيمنة الإعلا م الموالي اللوبي الصهيوني.
ظهر انقسام الشعب الأمريكي أيضا عبر الاحتجاجات السياسية ضد ترامب التي ما تزال مندلعة في مختلف المدن الأمريكية حتى عشية تنصيبه وامتدت حتى إلى الخارج.
وقد رفعت أصواتا دون خوف ولا خجل لأول مرة تطالب باستقلال كاليفورنيا؟ كما حتى أن وزراء الخارجية الأوروبية اجتمعوا على عجالة مرتين لدراسة هذا “الواقع” غير المتوقع الذي فرضه ترامب، رغم أنه انتخب ديمقراطيا شأنه شأن الحزب النازي الذي انتخب هو كذلك ديمقراطيا؟
بإمكان بعض كبار الناخبين التخلي عن ترامب في حالة التصعيد السياسي المستمر، لكن لم يغير النتيجة إلا أنه بل هو مطالب بالاستماع إلى شركائه في الداخل والخارج ومن المفروض أن لا يصدمهم سياسة لأنهم على مسافة متوازية.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.