هي مهنة كتب عليها أن تسمى مهنة المتاعب، لكنها في الجزائر ''مهنة البحث عن المتاعب''، ومع هذا يحلم بها الكثيرون لأنها ''نبيلة''. يستسهلها البعض رغم أنها تأخذ منك أكثر مما تعطيك. ولا يعرف أحد في الجزائر عدد الصحفيين، ومن ذلك وزارة الاتصال نفسها، لكن الجميع يعرف بأن 70 بالمائة من العاملين في القطاع يعانون من الضغط الدموي وأمراض القلب والسكر. محنة مهنة الصحافة في يومياتها المحفوفة بالمخاطر والاعتداءات والصعوبات من أجل الحصول على المعلومة، وفوق هذا وذاك لا يتمكن الكثير من الصحفيين من الحصول على حقوقهم المالية، ولا يتم التصريح بعدد كبير منهم لدى الضمان الاجتماعي.
الإشهار مقابل الولاء والطاعة
يحتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة وسط مخاض عسير وتقلبات عرفها العالم العربي، واختزلها البعض في مصطلح الربيع العربي، وإن لم يكن ربيعا على الجميع. الاحتفال هذه السنة يأتي في ظل مناخ عام يتسم بالكثير من نقاط الظل التي تحيط مهنة المتاعب، فإذا كان تعداد الضحايا من الصحفيين قد تراجع مقارنة بالسنوات الماضية فإن القيود التي تكبل المهنة لا تزال قائمة وإن تعددت الطرق والأساليب.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر عام 1993 يوم 3 ماي يوما عالميا لحرية الصحافة، وتزامنت أيضا مع الذكرى السنوية لإعلان ”ويندهوك”، التي دعت إلى اعتماد وسائل إعلام مستقلة وحرة وقائمة على التعددية في جميع أنحاء العالم، معتبرة أن الصحافة الحرة أمر لا غنى عنه لتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. إلا أن هذا المبدأ يظل محاصرا بقيود غير مرئية وغير مباشرة تقوض المكاسب المحققة والمكتسبة أو التي تم افتكاكها بفضل تضحيات رجال المهنة.
على المستوى الوطني، مازال قطاع الصحافة والإعلام يعاني من التضييق بأشكال متعددة، فإذا كان قطاع السمعي البصري لا يزال عرضة لمركزية الرؤية والغلق المباشر داخليا، رغم التحول التكنولوجي الكبير في قطاع الإعلام الذي يجعل هذا الغلق عقيما ودون جدوى، فإن الصحافة المكتوبة في الجزائر اختزلت من خلال المقاربة الكمية، عن طريق تعويم الساحة من جهة والإبقاء على رقابة السلطة التشريعية ومقصلة التدابير الجزائية والعقابية من جهة أخرى، فالإشهار لا يزال سلاحا في يد السلطة تنفذ به سياسة العصا والجزرة بامتياز من خلال قانون أضحى أمرا واقعا، ويتحول الإشهار بالتالي إلى ريع يوزع حسب مبدأ الولاء والطاعة، كما لا تزال مقصلة العقوبات مسلطة على الرقاب، على خلفية القوانين والتشريعات التي يمكن أن تشكل نزيفا فعليا تحت غطاء محاربة القذف ضد الشخصيات العمومية. ليظل قانون الإعلام الجديد معلقا والمجلس الأعلى للصحافة غير فاعل، موازاة مع بروز مصطلح جديد هو سلطة الضبط التي لا تدرك بالضبط ماهيتها ووظيفتها. أما خارجيا، فقد عرف العالم العربي جملة من التحولات في بعض دوله انعكست سلبا على الساحة الإعلامية، وإن كانت متباينة من بلد إلى آخر، فتونس طلقت الإعلام الرسمي، لتدخل في عهد تعددية إعلامية فعلية بصحف وجرائد متعددة، ونفس الأمر بالنسبة إلى بلاد الكنانة مصر، بينما كان نصيب ليبيا أقل، رغم تعددية المشهد الإعلامي.
بالمقابل لا يتوقف انتهاك حرية الصحافة وحقوق الرأي والتعبير على العالم النامي كما يسود الاعتقاد أحيانا، بل إن الأمر يحدث حتى في الدول الديمقراطية على شاكلة ما يحدث منذ مدة في فرنسا في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي وما تؤكده الوقائع والممارسات، ولاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وفي ظل ما يسمى بالحرب على الإرهاب، والتي سادت في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، فضلا عن التوجيه الإعلامي وعمليات التنميط والاختزال والرقابة التي برزت في أهم الحروب التي خاضتها الدول الغربية مثلما حدث في لبيبا وما يحدث في سوريا، بينما تلاحق الصين المعارضين وأصحاب الآراء التي تطالب بالديمقراطية والإصلاح وتحد من حرية التعبير، ويقع الصحفيون في أمريكا اللاتينية ضحايا العصابات المسلحة ومافيا المخدرات. ليظل الصحفي من الفئة التي يطلق عليها ”مقلقي النوم العام” في أعين الأنظمة.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 3810
شه فيهم لأن عالبيتهم شياتين