مرة أخرى ينتصر الجزائريون بوعيهم وحسهم الوطني على الفتنة العمياء التي أرادها الحاقدون فتيلا لحرق الوطن بعد ما ألهبوا أشجاره الخضراء فأحالوها رمادا تذروه الرياح، وخططوا للفوضى الهالكة بجريمة شنعاء تقشعر لها الأبدان وتشيب من هوْلها الولدان، في مشهد مأساوي فوق الصدمة، يستحضر في طريقته المتوحشة أبشع جرائم التتار والمغول وممارسات الاستعمار والدواعش وكل جماعات السفح والتقتيل عبر التاريخ والجغرافيا.
إلى متى يمكن أن يصبر الشعبُ الجزائري على عدوان الفئة الباغية على الوطن؟ وهل يستمرُّ خطاب العقل والطمْأنة على مصير الوحدة الوطنية في الصمود إلى الأبد أمام همجية الخارجين عن القانون؟
مع ذلك، فقد وطّن الجزائريون أنفسهم أمام الفاجعة الإنسانية والخسائر المادية على السواء، مُحتسبين مصيبتهم عربون وفاء لأرواح شهداء سقطوا بالملايين في ساحات الشرف من أجل جزائر واحدة موحدة من التاء إلى التاء، ولإجهاض مخطط فرنسا الخبيثة لتقسيم البلاد، عبر عدّة ألغام لا تزال تنفجر الواحد تلو الآخر في صور عرقية ولغوية وهوياتية مختلفة.
لكن ماذا بعد كل هذه التضحيات من أجل صون حياض الجزائر؟ وإلى متى يمكن أن يصبر الشعبُ الجزائري على عدوان الفئة الباغية على الوطن؟ وهل يستمرُّ خطاب العقل والطمْأنة على مصير الوحدة الوطنية في الصمود إلى الأبد أمام همجية الخارجين عن القانون؟
إنه قطعًا سيكون من السذاجة والخداع الاطمئنان إلى مستقبل هذه البلاد، بينما يعيث متوحشون فيها فسادا بانتهاك القانون، دون أدنى مراعاة لسلطة الدولة العامّة، حيث يمارسون سلوكيّا الانفصالَ عن الوطن، بالمروق عن كل أجهزته ومؤسساته وقوانينه، غير مكترثين بالعقاب القضائي، أو ربّما واثقين من عدم توقيعه عليهم.
لقد كشفت واقعة الأربعاء ناث إراثن مسألتين في غاية الخطورة، تتعلّق الأولى بالعمق الرهيب الذي بلغته روحُ الكراهية العرقيّة لدى فئة من الجزائريين تجاه آخرين من بني وطنهم، وهو مؤشرٌ مخيف على كيان المجتمع من شبح المأزق الطائفي، ويمكن لأيّ متابع لمَشاهد الجريمة المروِّعة أن يتساءل مع نفسه: هل كانت ستحصل لو كان الضحية من السكان المحليّين الأصلاء، مهما بلغت درجة الاشتباه فيه؟
أما الوجه الثاني لخطورة الحادثة الخياليّة، فهي أن هؤلاء المتوحشين تصرّفوا بدافع باطني يجعل منهم أفرادًا فوق السلطة والقانون والدولة، لا يخضعون للعدالة ولا حتّى للأعراف الأخلاقية الإنسانية المتعارف عليها.
إنّ رمزية هذا الفعل الوحشي في بُعده العرقي تستدعي التأمل مليّا والتفكير في كل الطرق لرأب الصدع قبل فوات الأوان، لأن معظم الطائفية من مستصغر الكراهيّة.
لسنا هنا بصدد نكْأ الجرح الغائر، لكن دسّ الرأس في رمل الجبن أو التجاهل لن يجعلنا في مأمن من أهداف الكراهية القاتلة، بل إنه سيعجّل بتحقيقها وبتكلفة أكبر، لذا فإنّ الأوْلى هو مواجهة الحقيقة عارية كما تظهر في الواقع دون مساحيق ولا تعمية على عيوبها القبيحة.
أما الوجه الثاني لخطورة الحادثة الخياليّة، فهي أن هؤلاء المتوحشين تصرّفوا بدافع باطني يجعل منهم أفرادًا فوق السلطة والقانون والدولة، لا يخضعون للعدالة ولا حتّى للأعراف الأخلاقية الإنسانية المتعارف عليها.
لو لم يكن العقلُ الباطن لكلّ المساهمين في الجريمة، من خاطفين وقاتلين وحارقين ومنكّلين ومصوّرين ومتفرجّين، يوحي لهم بأنهم في غابة بدائية من عصر ما قبل الدولة، لما تجرأوا على تنفيذها بدم بارد وبكل تلك الوحشية والحقد والسفور.
إنها بالمناسبة ليست الواقعة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، ولكنها فعلا غير مسبوقة، التي يدوس فيها أمثالُ هؤلاء على الدولة بكل سلطاتها ورمزياتها، بعدما جعلوا منطقة برمّتها أسيرة لعنجهيتهم الساديّة وغلّهم الدفين، وهذا هو مكمن الخطر المحدَق بالجزائر اليوم دون مواربة ولا هُروبًا من الحقيقة.
لقد أحسن الرئيس تبون صُنعا بتحمل المسؤولية السياسية في تجريم حركة “الماك” المتصَهْينة، ولكن اجتثاث هذه النبتة الخبيثة من الفضاء العامّ لا يزال مشواره طويلاً وشاقّا، ولعلّ المرتقب القضائي هو جعل كل الفاعلين من بعيد أو من قريب في جريمة جمال بن إسماعيل عبرةً للآخرين على قوة الدولة.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 8042
السلام عليكم
فاقد الشيء لا يعطيه. انت تتكلم عن الدولة الجزائرية وكانها دولة نابعة من قناعات الشعب ومفاهيمه. تبون لا يستطيع ان يحل الازمة التي تمر بها الجزائر لانه هو جزء من الازمة. غياب الشرعية في الجزائر هو الذي اسس لكل الازمات التي تمر بها الجزائر منذ الاستقلال. لا يمكن لهذه السلطة ان تحل الازمات بحلول امنية. لا بد ان يقول الشعب كلمته وان يخطط لمستقبله عن طريق ممثلين شرعيين اكفاء يستطيعون انقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الاوان. السلطة الحاكمة في الجزائر ليست لها لا القدرة المادية ولا المعنوية لتسيير الوضع المتأزم في الجزائر لأن الفساد نخرها ختى اصبحت عالة وخطرا على مستقبل الجزائر. لا يمكن علاج الازمات التي تمر بها الجزائر الا بابداع وتخطيط صارم من طرف رجال الدولة وهم غائبون عن الساحة. اذا نظرنا الى طاقم الوزراء او النواب دون ذكر الولاة ورؤساء البلديات فلا نرى سوى الرداءة، انعدام الكفاءة والفساد الاخلاقي والسياسي. كيف يمكن لك اخي الكريم ان تتكلم عن تبون وكأنه الرئيس الشرعي الذي سيحل معضلات الجزائر. الماك لم يكن ليتواجد في بيئة تعيش الوفرة وحسن توزيع الثروة بين الناس كل الناس وفي كل ربوع الجزائر. ان المشكل ليس في الماك او رشاد ولكن في وجود حكام يفتقدون الى الشرعية حتى لا نتكلم عن الكفاءة والصرامة في تسيير الدولة. واذا اردنا ان نعرف الدولة نقول انها الكيان التنفيدي لمجموعة المقاييس والمفاهيم والقناعات التي يؤمن بها الشعب فاين هو الشعب واين هي الدولة في وضع الجزائر. الحل الامثل هو في العودة الى الصندوق دون غش او تزييف. لا بد ان يسلم المشعل الى الرجال الكفاء ولا بد ان نقطع دابر الرداءة والمحسوبية والمحاباة حتى نصل الى شاطئ الامان وشكرا