يحكى أن "كراي" أي مستأجرا أعاث فسادا في مسكن استأجره 20 سنة، ولما قرر صاحب الدار إخراجه بقوة القانون، طلب هذا الأخير إمهاله مدة سنة لترميم ما هدمه وأفسده! فرفض صاحب الدار جملة وتفصيلا إمهاله ولو يوما واحدا، بل خيره إما الخروج حالا، أو الطرد شر طردة...
هذه الحكاية تنطبق تماما ومع الأسف على المترشح عبد العزيز بوتفليقة الذي طلب مهلة سنة من الحراك الشعبي الذي رفض ترشحه للعهدة الخامسة، لترميم ما أفسده هو وحاشيته ثم ينسحب بعد أن عمر 20 سنة أي منذ (1999)، قضى العهدتين الأوليتين (10 سنوات) قضاها واقفا يصول ويجول من أجل تحسين صورته في المحافل الدولية، ثم قضى العهدتين الأخيرتين (10 سنوات) جالسا مغيبا، بسبب الجلطة الدماغية الحادة التي أصيب بها سنة 2013، ثم تأتي دائرته المنتفعة ترشحه لعدة خامسة لكي يقضيها نائما هذه المرة..!؟
فبعد صبر أيوب للشعب الجزائري، خرج عن بكرة أبيه على حين غرة ليختصر معاناته السياسية مع هذا النظام الفاسد ليقول له “لا للعهدة الخامسة”، هذا المطلب يضم في طياته عشرات المطالب الفرعية، مما أربك محيط الرئيس الذي لم يضع يوما “حسبانا للشعب الجزائري”، لأن هبته لم تكن منتظرة، فما كان عليهم إلا إصدار رسالة تعهد أقل ما يقال عنها أنها رسالة استعطاف! لشعب لم يخاطبه ولا مرة في البرلمان ولا في الصحافة؟، بل هذه الرسالة تدين فترة حكمه، خاصة وأنه ذكر أنه سينقل البلاد إلى جمهورية جديدة حسب ما جاء فيها:
أولا: تنظيم ندوة وطنية شاملة جامعة ومستقلة بعد الانتخابات الرئاسية لإعداد واعتماد إصلاحات سياسية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية.
ثانيا: تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة ويتعهد أنه لن يكون مترشحا فيها؟ وهو الآن لا يستطيع لا التكلم ولا التحرك!
ثالثا: إعداد دستور جديد رغم أنه سبق وأن عدله ثلاث مرات، في 2002، و2008، و2016، حتى صار كدفتر المحاولات وحوله إلى “دستور ملكي” يتمتع بصلاحيات لم يسبق لها رئيس جزائري.
رابعا: وضع سياسات عمومية عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية، والقضاء على كافة أوجه التهميش والإقصاء الاجتماعيين، بالإضافة إلى تعبئة وطنية فعلية ضد جميع أشكال الرشوة والفساد.. كل هذا استشرى بشكل ملفت للانتباه في عهده مع الأسف.
خامسا: اتخاذ إجراءات فورية وفعالة ليصبح كل فرد من شبابنا فاعلا أساسيا ومستفيدا ذا أولوية في الحياة العامة، على جميع المستويات، وفي كل فضاءات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، هذه الديناميكية الشبابية التي يتعهد بها لم يتمكن من إنجازها طيلة عهداته الأربعة (20 سنة) فكيف له أن ينجزها في ظرف سنة واحدة!؟
سادسا: مراجعة قانون الانتخابات، مع التركيز على إنشاء آلية مستقلة تتولى دون سواها تنظيم الانتخابات، وهو الاقتراح الذي ما انفكت المعارضة تنادي به، بل كانت هي السباقة في طرحه لكنه رفض.
وتعقيبا على تعهدات “المترشح الرئيس” لا أحد مرتاح لهذه التعهدات لأنها ستحضر في وقت وجيز جدا ولا يوجد من يضمن ما ستتمخض عنها، لأن هذا النظام يبحث على مخرج مشرف له، وبالإمكان الالتفاف على ما تعهد به خاصة إذا تراجع الحراك الشعبي وهو ما يراهن عليه، إن ما لم يتمكن من إنجازه طيلة حكمه 20 سنة، لا يمكن تنفيذه في سنة؟ بسبب التسويفات وسياسة اللامبالاة التي كان يمارسها على الشعب، جعلته لا يؤتمن جانبه لأنه كما يقال “الثورة يصنعها الشرفاء ويقودها الشجعان ثم يسرقها الجبناء”..
الواقع المعيش يشهد أن بوتفليقة تسبب بشكل فظيع في تأخير الجزائر بالمقارنة مع مصاف الدول: كتركيا وإسبانيا والبرتغال وكوبا واندونيسيا وسنغفورة وجنوب إفريقيا…
وإذا بالجزائر أيضا تغرق في بحور من التخلف والفساد بكل أشكاله، وهاهي الجزائر بلد الثوار تكاد أن تكون مسخا بين الدول والرأي العام الدولي الذي يتساءل في وسائل إعلامه، كيف بشعب عظيم يرشح رئيسا مشلولا!؟
إن الألف من المليارات من الدولارات التي كانت بحوزة بوتفليقة ذهبت سدا على مشاريع ذات تكلفة عالية جدا وأكثرها بلا جدوى، ناهيك عن عشرات الملايير التي نهبت عدّا ونقدا..
وإذا بالجزائر الآن تغرد خارج السرب خارج كل الحسابات الجيواستراتيجية وخارج التاريخ والحضارة..
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.