الحرب التي كانت دائما تشتد بين الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي في ملفات السياسة الداخلية، الاقتصاد، الصحة والتأمين، الزواج المثلي، وقضايا الأمن القومي، وجد الإسلام والمسلمون أنفسهم حزبا ثالثا أو رقما صعبا فيها.
يفتخر ترامب بمواقفه ضد المسلمين رغم تعاملاته الاستثمارية معهم وتصريحاته القديمة بأن المسلمين أصدقاء رائعون، جعلت الصحافة الأمريكية تعود لها وتثيرها وتستغلها لفضح تناقضاته
وساهم الوضع الجيواستراتيجي، الذي تصنعه “داعش”، في جعل الإسلام والمسلمين في مركز القضايا التي تحرك وتنشط الحملة الانتخابية للرئاسيات القادمة.
ورغم أن الإسلام دخل اللعبة الانتخابية سابقا واستثمره الجمهوريون وبالأخص جورج بوش، بشكل سياسي أكبر، منذ الاعتداء الإرهابي على لأبراج نيويورك، إلا أن الإسلام، هذه المرة، لم يعد موضوعا كباقي المواضيع التي يستغلها المترشحون لضرب المترشح الآخر، ولكنه أصبح حزبا ثالثا في اللعبة الانتخابية، بل وفي المجتمع الأمريكي والإعلام والنخب، بل وحتى في الخارج.
دونالد ترامب.. عدو وصديق حميم للمسلمين
وجاءت أحداث باريس لتطلق الشرارة وتحول المرشح الجمهوري الملياردير وصديق وشريك أغلب المليارديرات العرب والمسلمين، دونالد ترامب إلى العدو رقم واحد للإسلام والمسلمين، وكان ترامب قد بدأ حملته بإعلان كرهه للمهاجرين المكسيكيبن غير الشرعيين أو “الحراقة” ووصفهم بالمجرمين، كما وعد – في حالة فوزه – ببناء جدار عازل لمنع المهاجرين المكسيكيين “الحراقة”، مثل جدار الضفة الغربية، الذي ساهم في منع دخول الإرهابيين الفلسطينيين حسب رأيه.
وبعد أحداث باريس، انجذب ترامب إلى ملف الإسلام بشكل قاتل، حيث أبان عن جهل وعنصرية مقَتها حتى الأمريكيون ونعتوه بسببها بالغبي والمجنون، حيث اقترح أن يسجل المسلمون الأمريكيون في قوائم خاصة ويوضعون تحت الرقابة، وهو ما اعتبره الأمريكيون نازية لا تختلف عن قوائم هتلر لليهود، لكن وبعد مجزرة كاليفورنيا التي نفذها الزوجان المسلمان من أصول باكستانية وذهب ضحيتها أربعة عشر ضحية أمريكي، تحول حقد دونالد ترامب أكثر من أي مترشح جمهوري أخر، تحول إلى إعلان مباشر وإلى “هولوكوست” لا يختلف عن محرقة هتلر، قال ترامب أمام جماهير غفيرة إنه في حالة فوزه سيمنع دخول أي مسلم لأمريكا، وهو ما ألّب عليه الإعلام والمحافظين من الحزب الجمهوري نفسه.
ويفتخر ترامب بمواقفه ضد المسلمين رغم تعاملاته الاستثمارية معهم وتصريحاته القديمة بأن المسلمين أصدقاء رائعون، جعلت الصحافة الأمريكية تعود لها وتثيرها وتستغلها لفضح تناقضاته.
كان المتضرر والرابح في نفس الوقت هو الإسلام والمسلمون، الذين وجدوا أنفسهم في معترك الحملة، والتف معهم مدافعون كثر مثل رئيس الوزراء البريطاني، وأوباما، وكلينتون، ومسيحيون ويهود
وقال بعض الإعلاميين إن ترامب يكره المسلمين ويحب أموالهم، فيما نشرت عدة جرائد ومواقع إلكترونية تقارير عن استثماراته في الدول الإسلامية وصوره مع رجال المال العرب المسلمين، مثلما فعل موقع “ديلي بيست” الأمريكي، حيث اعتبر ترامب ذا وجهين في تعامله مع المسلمين، وقال إن ترامب يحب فقط أثرياء المسلمين مثل الثري الإماراتي حسين السجواني مالك “داماك”، الذي قال عنه ترامب مؤخرا إنه صديق جيد ورجل عظيم، بعد إعلان شراكة معه.
وحسب الإعلام الأمريكي، فترامب يملك استثمارات ومصالح في الدول العربية والإسلامية مثل: الإمارات وأذربيجان وتركيا وإندونيسيا؛ ففي أذربيجان يملك ترامب شراكة بفندق ضخم على بحر قزوين بدخل يتجاوز 5.2 مليون دولار، وفي تركيا أبراج ترامب تحقق مدخولا يصل حتى خمسة مليون دولار، كما أن مشاريعه في أندونيسيا وهي أول استثماراته في قارة آسيا، ستحقق له امتدادا أمام امتداد التين الصيني ومداخيل رهيبة.
هذه الازدواجية عند ترامب وتناقضه الصارخ مع توجهاته السابقة وعلاقاته الحميمة مع المسلمين، هي نفسها التي فضحت خطابه الشعبوي ضد الإسلام والمسلمين، حيث تعرت صورته، بفضل رفض أغلب الأمريكيين العودة إلى الخطاب العنصري المناقض لمبادئ الدستور الأمريكي المبني على حرية المعتقد، كما أن البيت الأبيض والبنتاغون والإعلام، بل وحتى وجوه الكوميديا والسينما الأمريكية، كلهم أعلنوا رفضهم لخطاب ترامب العنصري، الذي يشوه – حسبهم – صورة أمريكا الديمقراطية.
كلنا مسلمون.. وترامب فاشي
لم تمر عنصرية دونالد ترامب، التي جذبت له معجبين من المحافظين، لم تمر بصمت، بل أثارت رعبا لدى الأمريكيين والمهاجرين من مختلف الإثنيات والديانات ولدى حتى الجمهوريين، بل وحتى الإعلام والبيت الأبيض أبدى ردة فعل ضد تصريحات ترامب، حيث اعتبره البيت الأبيض غير مؤهل لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تصريحات مسيئة وتسمم الأجواء وتتعارض مع قيم الأمريكيين وأمن أمريكا.
ولم يكن ترامب يعلم أن باستغلاله الإسلاموفوبيا أو “الرُّهاب من المسلمين والإسلام” سينقلب عليه مثلما ينقلب السحر على الساحر، وتعالت موجة كبرى للدفاع عن الإسلام والمسلمين وتبييض صورته النمطية التي تشوهت كثيرا، حيث دخل البنتاغون الأمريكي على الخط، وهو يدافع عن مصالح أمريكا الجيواستراتيجيّة مع العالم الإسلامي والعربي، ووصف تصريحات ترامب المعادية للإسلام بأنها تقوّض الأمن القومي الأمريكي وتعزز من قدرات “داعش”، وأضاف البنتاغون أن إغلاق حدود الولايات المتحدة بوجه المسلمين سيقوض الجهود الأمريكية في التصدي للإيديولوجيات المتطرفة.
وغير بعيد عن جو الرفض للخطاب الشعبوي العنصري، الذي تبناه الملياردير دونالد ترامب، قال المؤرخ العسكري ومستشار الأمن القومي ومستشار المترشح جيب بوش، إن ترامب يدعو للفاشية.
وارتفعت موجة الانتقاد والرفض لسياسة العصا الغليظة التي يهوى الجمهوريون من أمثال ترامب استغلالها، بتوظيف الصورة النمطية للإسلام والإرهاب، كمدخل سهل لجذب وقنص أصوات الناخبين، حيث انتقدت ممثلة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، ترامب، الذي يستغل الأحكام المسبقة و”البارانويا” ضد المسلمين، معتبرة أن فكرته الخاصة بمنع المسلمين من دخول أمريكا فكرة عار وخطر، لأن ترامب يمنح الإرهابيين المتطرفين دعاية جديدة.
من بين الحملات التي اصطفت مع المسلمين في أمريكا، حملة المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور، الذي أطلق حملة “كلنا مسلمون” على وسائط التواصل الاجتماعي، والتي جذبت عددا كبيرا من المدافعين عن الإسلام، ونشر جملة أعاد نشرها الآلاف من الأمريكيين، وهي شعار حملته “الآن كلنا مسلمون، كما أننا كلنا كاثوليك ويهود ومكسيكيون، وكلنا من أصحاب البشرات البيضاء والسوداء”
ودعت هيلاري المواطنين الأمريكيين المسلمين إلى العمل سويا لبناء دولة منسجمة مع أسسها الدستورية الأولى، أين كل إنسان مرحب به لممارسة معتقده بحرية.
ومع موجة الانتقاد لبروز فكر متطرف جمهوري يغذي مشاعر العنصرية عبر دولة بنيت بمجهود المهاجرين من مختلف الأديان والعرقيات، نهض الإعلام الأمريكي وبدأت موجة إعلامية لفضح أفكار وتناقض ترامب، الذي اعتبره منافقا، لأنه يحب أموال المسلمين ويكرههم هم، فاعتبرت “نيويورك تايمز” أن الأسبوع المنصرم هيمنت عليه أكاذيب دونالد ترامب العنصرية، وراحت جريدة “سياتل تايمز” تقول إن رسالة حملة ترامب تعكس نوعا من الفاشية الزاحفة التي ينبغي رفضها، كما استغل صاحب “فايسبوك”، الذي وجد وسطيته تدخل معترك الدفاع عن الإسلام والمسلمين بفضل ردود الفعل عبر العالم الإسلامي، حيث رحب مارك زوكربيرغ بالمسلمين وقال إنه يدعم في أمريكا وفي العالم، ومن جانبه دافع المرحوم محمد علي كلاي الأمريكي المسلم وبطل العالم في الملاكمة، دافع عن الإسلام والمسلمين ودعا في بيان القادة الأمريكيين إلى فهم أفضل للدين الإسلامي، وأضاف محمد علي “أنا مسلم ولا شيء في تعاليم الإسلام يدعو إلى قتل أشخاص أبرياء في باريس أو كاليفورنيا أو أي مكان أخر في العالم”.
وتواصلت الحملة التي أصبح فيها الإسلام والمسلمون حزبا ثالثا يدافع عنه الكثير من الجمهوريين والديمقراطيين وغيرهم، بل حتى من هم خارج الولايات المتحدة الأمريكية، مثل موقف رئيس الوزراء البريطاني السابق.
وكان المتضرر والرابح في نفس الوقت هو الإسلام والمسلمون، الذين وجدوا أنفسهم في معترك الحملة، والتف معهم مدافعون كثر مثل رئيس الوزراء البريطاني، وأوباما، وكلينتون، ومسيحيون ويهود.
ومن بين الحملات التي اصطفت مع المسلمين في أمريكا، حملة المخرج الأمريكي الشهير مايكل مور، الذي أطلق حملة “كلنا مسلمون” على وسائط التواصل الاجتماعي، والتي جذبت عددا كبيرا من المدافعين عن الإسلام، ونشر جملة أعاد نشرها الآلاف من الأمريكيين، وهي شعار حملته “الآن كلنا مسلمون، كما أننا كلنا كاثوليك ويهود ومكسيكيون، وكلنا من أصحاب البشرات البيضاء والسوداء”.
ورغم بعض اللين الذي بدا يظهر على حملة دونالد ترامب، بعد اختياره مدير حملته الجديد لتصحيح أخطاء رهيبة وقع فيها ترامب خلال حملته السابقة، التي اعتمد فيها خطابا عنصريا وعدائيا، ما جعل أغلب نتائج سبر الآراء لصالح هيلاري كلينتون، ما يهدد الحزب الجمهوري ومرشحه ترامب.. رغم هذا اللين، إلا أن خطاب ترامب، ومن حيث لم يكن يريد، تحول إلى إشهار مناقض لتصحيح الصورة النمطية للإسلام أو “الإسلاموفوبيا”، كما وضعت الأمريكيين أمام سؤال “ما هو الإسلام؟”، و”كيف يجب أن نتعرف عليه؟”، و”من هي داعش؟” و”هل كل المسلمين إرهابيون؟”، هذه الأسئلة وغيرها أعادت الإسلام إلى الواجهة في انتخابات رئاسية أمريكية، وجعلته حزبا ثالثا يساهم مع عناصر أخرى في تحديد الفائز من الحزبين.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.