زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

تطور الحراك إلى ثورة سلمية منتجة لنظام جديد

تطور الحراك إلى ثورة سلمية منتجة لنظام جديد فيسبوك

الجزائر العاصمة بتاريخ 15 مارس 2019

يجب في البداية توضيح هام جدا للمفاهيم والمصطلحات، فمصطلح "الحراك الشعبي" يقصد به حركة تستهدف الضغط على السلطة لتحقيق مطالب محددة، لكن "الثورة" هدفها تغيير جذري لوضع ما، ومنها لنظام سياسي معين..

مطلب التغيير الجذري للنظام قد أصبح مطلب كل الجزائريين، بما فيها السلطة ذاتها التي تتحدث اليوم عن تغيير جذري للنظام، لكن طبعا كمحاولة منها للإستمرارية والقيام بتغيير شكلي للنظام القائم فقط..

ففي حالة حراك يتم التغيير مع السلطة، ويمكن أن تحوله السلطة بمرواغاتها ومناوراتها لصالحها، لكن في حالة ثورة فإن النظام الجديد يتم فرزه من داخلها، أي من تطوراتها وتركيبتها الإجتماعية..

فمثلا الثورة الفرنسية كانت في البداية مجرد حراك، لكن بعد ما هرب الملك لويس 16 كي يتآمر عليه، تحولت إلى ثورة، فأنتجت نظاما سياسيا جديدا، ونجد نفس الأمر في أمريكا، حيث بدأت بمطلب ضرائبي لا أكثر ولا أقل، ومع تعنت إنجلترا تحولت إلى ثورة مفرزة النظام السياسي الأمريكي الحالي، كذلك في روسيا أين تحول من حراك إلى ثورة في أكتوبر1917، فانتظم الشعب في السوفيتيات أي مجالس العمال والفلاحين والجنود، مما أنتج النظام السوفياتي الجديد على حساب القديم، كما أنتجت الثورة الإيرانية نظاما دينيا، لأن تنظيم ثورته كانت بقيادة رجال دين، ونسجل نفس الملاحظة على الثورة الجزائرية (1954-1962) التي كانت عنيفة قادها جيش تحرير وطني يسطير عليه الريفيون والفلاحون، فأنتجت لنا نظاما عسكريا في 1962، وهو على عكس الحراك الجزائري اليوم، والذي من غير المستبعد أن يتحول إلى ثورة سلمية تماما، وأن ينتج نظاما سياسيا جديدا مختلفا عن كل الأنظمة السياسية التي عرفها العالم اليوم..

ويمكن لنا القول أن مطلب التغيير الجذري للنظام قد أصبح مطلب كل الجزائريين، بما فيها السلطة ذاتها التي تتحدث اليوم عن تغيير جذري للنظام، لكن طبعا كمحاولة منها للإستمرارية والقيام بتغيير شكلي للنظام القائم فقط.

الحراك الجزائري اليوم، والذي من غير المستبعد أن يتحول إلى ثورة سلمية تماما، وأن ينتج نظاما سياسيا جديدا مختلفا عن كل الأنظمة السياسية التي عرفها العالم اليوم…

إن طبيعة الثورات والتركيبة الإجتماعية المسيطرة عليها هي التي تنتج نظامها السياسي، فطبيعة الحراك الجزائري سلمي تماما، وهو ما سيؤدي حتما إلى تحقيق مبدأ “أولوية السياسي على العسكري” التي عجزت ثورة 1954 تجسيده بسبب طبيعتها العنفية، كما ستقبر نهائيا أي عنف في حل التناقضات الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها التي تعرفها كل الأمم، أي ستنتج نظاما ديمقراطيا بأتم معنى الكلمة..

لكن الخصوصية التي تختلف بها عن الثورات الأخرى هو ظاهرة تنظيمها على شكل فئات وشرائح إجتماعية مهنية بما فيها العاطلة عن العمل(جامعيون، فلاحون، أطباء، محامون، رجال التربية وغيرها) تسير في الشارع طيلة الأسبوع، لتلتقي كلها يوم الجمعة، وكأنها دلالة على أن النظام السياسي الجديد الذي سيتبلور منها سيكون مبنيا على هذه الشرائح الإجتماعية والمهنية التي ستفرز طبيعيا قياداتها ونخبها، وستمثل في تأسيسية جامعة لكل هذه الشرائح الإجتماعية المهنية لتضع دستورا وآليات نظام سياسي جديد مبني على هذه الشرائح والفئات، وليس الأحزاب والنقابات التقليدية التي رفضتها هذه المسيرات الشعبية لحد اليوم، وقد شرحنا معالم هذا النظام السياسي الجديد في مقالتنا السابقة، فهو نظام سياسي ممكن أن يكون قريب جدا من النظام الذي طرحناه منذ سنوات في كتابينا “النظام البديل للإستبداد-تنظيم جديد للدولة والإقتصاد والمجتمع-” و”ربيع جزائري لمواجهة دمار عربي”، وكذلك العشرات من مقالاتنا ودراساتنا الأكاديمية.

نلاحظ اليوم إنتقال النقاش السياسي من داخل الأحزاب إلى داخل هذه الفئات والشرائح الإجتماعية المهنية كالجامعات والمستشفيات والمحاكم وغيرها أين تحدث نقاشات حادة حول الجزائر ومستقبل هذا الحراك، فمن داخل هذا النقاش الذي يبدو فوضويا في بداياته، ستبرز أفكار وقيادات ونخب جديدة تماما تحدث قطيعة مع النخب السابقة وأساليب العمل السابقة، فمن غير المستبعد أن تؤسس كل فئة وشريحة إجتماعية ومهنية لجانها وتنظيماتها الجديدة، والتي ستصب كلها في تأسيسية كما سبق أن أشرنا إلى ذلك من قبل، فهي التي ستنتج دستورا وآليات نظام جديدة، بل ستستولي على الإدارات كما وقع في روسيا 1917، وبهذا سيولد نظاما جديدا تماما في الجزائر.

ونسجل ملاحظة هامة جدا فيما يحدث الآن، وهو الدور الكبير الذي تلعبه الجامعة فيها بداية بطلبتها الذين يعدون العنصر الفاعل جدا في هذا الحراك، ثم أساتذتها الذين بدون شك سيكونون هم المخبر الذين سينتجون كل مشاريع جزائر الغد، وهو ما بدأ يبرز من خلال ورشات في مجالات السياسة والقانون والحراكات والإقتصاد وغيرها تساير الحركة، وتعطيه حلولا، كما ستضع البرامج المستقبلية للجزائر، وهو ما يعني في الأخير دخول العلم والأكاديمي في بناء جزائر المستقبل التي ستفرزها هذه الثورة على عكس ما كان يقع في النظام الحالي الذي هو في طريقة إلى الزوال نهائيا.

لن تكون مهمة هذه المؤسسات إلا الحفاظ على الدولة لا النظام المتهالك، ونعتقد أنها تسير في هذا الإتجاه إلى حد الآن، وهو ما يعبر عنه البعض من العسكريين بقولهم “لن نتدخل في قضية بين الشعب وهذه السلطة”، وهو الأمر الذي سينقل الجزائر إلى نظام سياسي جديد، سيكون وراء تقدمها وإزدهارها وقوة ناعمة ملهمة للشعوب، كما كانت الأنظمة السياسية التي أفرزتهم الثورتين الفرنسية والأمريكية..

نعتقد أن نجاح هذا الحراك الذي سيتحول إلى ثورة سلمية يشترط فيه عدم التعامل مع السلطة نهائيا وإحداث قطيعة نهائية معها ولا المشاركة في ندوتها المزعومة، بل هذه الندوة سيعقدها هذا الحراك ذاته بكل أطياف الشعب وتوجهاته وفئاته وشرائحه الإجتماعية والمهنية لينبثق عنها عقدا وطنيا جديدا، ومنه نظاما سياسيا آخر يكون في خدمة كل الجزائريين..

أما الشرط الثاني هو إبعاد كل مثقفي وسياسيويي العصبيات الدينية واللسانية والقبلية والجهوية وغيرها عن هذا الحراك، فهم الذين يثيرون الحزازات والصراعات التي تستغلها السلطة لصالحها، وأن يكون الدستور الجديد خال من الدوغماتية الأيديولوجية، وسيختصر على تنظم سلطات الدولة وتوازناتها مثل الدستور الأمريكي، وما يدفعنا إلى هذا القول هو القاعدة الشبابية في هذا الحراك التي تجاوزت في عمومها كل هذه الدوغماتيات، فهم شباب يبحثون عن السعادة والعيش الكريم والرفاهية، وليس نقاشات دوغماتية لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي هي عادة منتشرة عند بعض المثقفين والسياسويين فقط، وليس عند عامة الشعب..

أما الشرط الثالث وهو هام جدا، ويتمثل في بقاء المؤسسات العسكرية والأمنية محايدة، وتقوم بحماية الحراك من أي محاولات إستغلالداخلية أو خارجية، فتتركه يفرز نظاما سياسيا جديدا، فتسايره، وتقبل بما يتوصل إليه مادام أن الشعب هو مصدر السلطات، ولن تكون مهمة هذه المؤسسات إلا الحفاظ على الدولة لا النظام المتهالك، ونعتقد أنها تسير في هذا الإتجاه إلى حد الآن، وهو ما يعبر عنه البعض من العسكريين بقولهم “لن نتدخل في قضية بين الشعب وهذه السلطة”، وهو الأمر الذي سينقل الجزائر إلى نظام سياسي جديد، سيكون وراء تقدمها وإزدهارها وقوة ناعمة ملهمة للشعوب، كما كانت الأنظمة السياسية التي أفرزتهم الثورتين الفرنسية والأمريكية.

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.