زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

العهدة الخامسة في ميزان الدستور والديناميكية الشعبية

العهدة الخامسة في ميزان الدستور والديناميكية الشعبية ح.م

عناوين فرعية

  • بين الفرصة التاريخية للإقلاع وتهديد سيناريو الكارثة

مقدمة لا بد منها: على القارئ أن يدرك، ابتداء، أن كاتب هذه السطور ليس مترشحا، لا يساند أو يمثل أي مترشح، ولا ينتمي إلا إلى الجزائر الحبيبة والشعب الجزائري العزيز، وأن يصبر على قراءة هذا المقال المتواضع كاملا، بتمعن وتجرد، ليستجلي حقيقة الموقف، كونه يتسم بالخصائص التالية:

– التوازن والموضوعية، فلا يغمط للرئيس المترشح حقا أو ينكر له إنجازا، ولا يغالي في تقديسه أو يساهم في التعمية على إخفاقاته
– الأخلاقية، فلا يشتم ولا يتهم ولا يخفّض مستوى النقاش، بل يحاول أن يقدم الحقيقة كما يراها كاتبه دون تجريح ولا إساءة
– الدقة والعلمية، حيث يحرص كل الحرص على تحليل الوضع والتركيز على موضوع العهدة الخامسة والحيوية الشعبية التي هزّت الوطن والبيئة المحاذية إضافة إلى البيئتين الإقليمية والعالمية، كما يحرص على تفادي التقعر والتكلف والالتفاف حول الفكرة
– البساطة، بحيث يخاطب جميع المواطنين بمختلف مستويات وتخصصاتهم وتعدد مواقعهم ووظائفهم
– الإيجابية والوعي العملي، لأن كاتبه جزائري يسعى، فضلا عن حسن قراءة الظاهرة محل التحليل، إلى اتخاذ الموقف الإيجابي المطلوب واقتراح الحلول الملائمة وشحذ الهمم لتفادي سيناريو الكارثة، فرب كلمة هدمت مجتمعات ودمرت دولا وأخرى رفعت من شأن أمم ووضعت شعوبا كاملة على سكة التقدم والرقي وبناء أنموذجها الحضاري، وفجرت طاقاتها في بناء سعادتها والمساهمة في صرح الحضارة الإنسانية
– الجرأة، التي تعوّد كاتب هذه السطور، ومنذ نعومة أظافره، أن يتحلّى بها مفرّطا في المناصب والمكاسب والوظائف السامية، مكتفيا بقول كلمة الحق وساعيا إلى بذل الجهد في سبيل الخير مهما كانت العواقب…

الرئيس المترشح: عهدتان وتقييم عام

لقد تم تداول اسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، سنة 1993 لتولي منصب الرئاسة، لكنه لم يبلغ سدّة الحكم إلا سنة 1999، بترشيح المؤسسة العسكرية والمخابرات له والحصول على تأييد دولي والتفاف حزبي حول شخصه، وقد قدم حقق إنجازات مهمة في عهدتيه الأولى والثانية، على رأسها:
* الوئام المدني الذي رُقّي إلى مصالحة وطنية (على ما فيهما من نقائص ومعايب)
* القيام بنشاط مكثف على المستويين: الداخلي، لكسب الدعم الشعبي، والخارجي لتقديم صورة مختلفة عن الجزائر الجديدة، واستقطاب الاستثمار…الخ
* استغلال البحبوحة المالية جراء ارتفاع أسعار النفط، في تسديد الديون وإطلاق مشاريع وورشات بناء، بالإضافة إلى تشكيل لجان إصلاح في قطاعات متعددة، كانت ولا تزال محل جدل، وسنبدي رأينا فيها لكن ليس في هذا المقال، لكيلا نخرج عن الموضوع الرئيس وهو العهدة الخامسة أساسا
بيد أن الرئيس شرع قبل نهاية عهدته الثانية في اتخاذ إجراءات من أجل ضمان عهدة دائمة، فصرح بانزعاجه ورفضه التام لوجود رأسين على الجهاز التنفيذي، كما أبدى نيته في تعديل دستور 1996 لأنه يقيد الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بعهدتين اثنتين ويمنع الترشح لعهدة ثالثة، وهو ما حدث فعلا سنة 2008، حيث فتحت التعديلات أبواب الترشح، وتم له ذلك سنة 2009 (عهدة ثالثة) وسنة 2014 (عهدة رابعة) … كل ذلك قبل إجراء تعديلات، سنة 2016، التي سميت بالعميقة والفاتحة لعهد جديد، أين تم تقييد الترشح بعهدتين فقط مثلما كان عليه الحال في دستور 1996…
عندما نقيّم أداء الرئيس المترشح على أساس معايير الشرعية، المشروعية والفعالية السياسية بالإضافة إلى المزاج الشعبي العام الذي يعني درجة القبول والرضا، فإننا، كما تحدثنا في مناسبات عديدة، نعيد التركيز على العناصر التالية:
* بغض النظر عن المشكلات الحقيقية والظواهر السلبية التي رافقت مساره بصفته رئيسا للجزائر، والتي سنتحدث عنها لاحقا، إن شاء الله، فإن مساره كان تصاعديا في العهدتين الدستوريتين: الأولى والثانية، بلغ قمته سنة 2009، أين وصل إلى ذروة شعبيته وأصبح لديه رصيد مهم إلى درجة أنه لو اكتفى بعهدتين اثنتين، لكان قد حقق برأينا:
1- مصداقية عالية وشعبية غير مسبوقة
2- خروجا من الحكم بخزينة مملوءة (احتياطي الصرف) وديون مسددة
– صورة مشرقة عن شخصية ديمقراطية، تحترم الدستور والسيادة الشعبية، وترسخ دعائم التداول السلمي على السلطة
– ترشحا جادا للحصول على جائزة نوبل للسلام، بالإضافة إلى الاعتبار الإفريقي (أحد حكماء إفريقيا) …الخ
كل هذا، مضافا إليه راحة نفسية وجسمية ورضا وظيفي ومكانة مرموقة وبشكل دائم في نفوس عدد معتبر من الجزائريين…. لكن: هل هذا ما تم بالفعل؟ ما الذي حدث بالضبط؟
لقد عقدنا، في إحدى المناسبات العلمية مقارنة بين العرف المحترم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا من أبرز أسباب قوتها، والدستور المنتهك في الجزائر، وهو قطعا من أسباب ضعف وطننا الحبيب… ففي خطاب الوداع الذي أضحى تقليدا كبيرا التزم به كل الرؤساء من بعده، أعلن “جورج واشنطن”، أول رئيس أمريكي، سنة 1797 عن تنحيه عن سدة الحكم واكتفائه بعهدتين من أربع سنوات (1789-1797) وعن نيته في إفساح المجال لزملائه من الآباء المؤسسين ليساهموا بدورهم في قيادة الدولة، على الرغم من عدم وجود أي مادة في دستور 1787 (وهو أقدم دستور مكتوب لا يزال ساري المفعول) ولا أي قانون يمنعه من الترشح، فأصبح موقفه المشرف تقليدا سياسيا التزم به كل الرؤساء الأمريكيين من بعده، على الرغم من انتفاء المانع القانوني، إلا في حالة الرئيس “فرانكلين روزفلت” ولظروف الحرب العالمية الثانية، وبعدها، تم تقييد الترشح بعهدتين اثنتين في تعديل دستوري لم يُنتهك ولا مرة واحدة… وللقارئ الكريم أن يلاحظ معي أن تمسك الرؤساء الأمريكيين، والغربيين عموما، بالسلطة وامتيازاتها كونهم بشرا، لم يمنعهم من التنازل عنها سلميا دون استعمال مؤسسات الدولة وإمكاناتها، وقوات الردع والقمع لديها، ضد مرشحين آخرين حقيقيين أو محتملين، والبقاء في السلطة مدى الحياة، وذلك يعود إلى أسباب عديدة، أهمها برأينا ومثلما أوضحناه في دراستنا المذكورة، علاوة على توفر آليات فعالة ووجود قوة مضادة (Un contrepoids) على وقع المقولة الدقيقة التي رددها “مونتسكيو” : (السلطة توقف السلطة Le pouvoir arrête le pouvoir)… قلنا يعود أساسا إلى “مستوى تحضر النخب وتوفر عنصر ثقافة الدولة” الذي نفتقده، مع الأسف، في الحالة الجزائرية أين يُنتهك الدستور من أجل شخص واحد مرات عديدة، وهو أمر سيء جدا ويزعزع ثقة المواطنين في حكامهم الذين يقدمون لهم أنموذجا سيئا وتنشئة سياسية غير ملائمة، بيد أن الأخطر كان سنة 2006 (و قد عرضنا ذلك وفقا لتحليل علمي سنة 2015) عندما انتُزعت صلاحيات رئيس الحكومة وألحقت عديد المصالح برئاسة الجمهورية أو بوزارة الداخلية، حتى قبل عرض التعديلات الدستورية بعدها بعامين كاملين؛ أي سنة 2008، على البرلمان للمصادقة، ولا داعي للتفصيل في هذا المقال الذي يركز على الديناميكية الشعبية الراهنة…

جوهر الموضوع: العهدة الخامسة

استكمالا لما سبق تناوله ومن أجل الانتقال السلس من سنة 2009، ذروة نشاط وشرعية وفعالية أداء الرئيس (حتى مع اختلافنا مع خياراته وممارسات أشخاص من فريقه) وذروة الرضا الشعبي الذي جعل من شخص الرئيس سنة 2011، مصدرا للاستقرار وحاجزا بين الشباب والانتفاضة تأثرا بما حدث في تونس وهي أقرب إلى الجزائر، ثم بعدها مصر ودول عربية أخرى، بالإضافة طبعا إلى ذكرى العشرية الحمراء (لقد صبغوا لنا حياتنا: عشريات حمراء وسوداء في انتظار الوردية والبيضاء والخضراء التي سنصنعها نحن بأيدينا أو لن تكون) ثم بعدها عسكرة الحراك السلمي في ليبيا وسوريا واليمن والصور الفظيعة التي تنقلها يوميا وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي التي تُخزّن كلها في الولايات المتحدة الأمريكية… حيث كان شخص الرئيس من أهم نقاط القوة والارتكاز للنظام القائم، في تلك الفترة، لكن الذي حدث لم يكن في الحسبان؛ فقد قدّر الله أن يمرض الرئيس ويلزم المستشفى الأجنبي لمدة طويلة ليظهر بعدها مقعدا لا يتمكن من مخاطبة شعبه فضلا عن تمثيله في المحافل الدولية… ورغم الجدل، فإنه ترشح سنة 2014 لعهدة رابعة أكملها بصعوبة وقد سببت صورته المؤلمة، شفاه الله، حالة من الإحباط الشديد للشباب ولعموم المواطنين، ولقد بكيت بحرقة عندما شاهدت سخرية الفرنسيين من رمز الجزائر الدستوري وهو يبدو تائها بعينين زائغتين وغائبا عن الوعي، في الصورة التي نشرها وروّج لها الوزير الأول الفرنسي المخادع “مانويل فالس” وبدأت شعبية الرئيس بالأفول وساد اعتقاد محبط بأن وراءه عصبة تستغل مرضه وتحكم، لا دستوريا، باسمه وصورته…

أولا: العهدة الخامسة، الدستور والصورة (The image/l’image)
إن رئيس الجمهورية بعد أدائه اليمين الدستورية، ملزم ليس فقط باحترامه للدستور وقوانين الجمهورية؛ بل بفرض هذا الاحترام على جميع المواطنين والمقيمين بالتراب الوطني، مهما كانت مكانتهم ودرجة مسؤوليتهم والمناصب التي يشغلونها والدولة التي يمثلون مصالحها…، ولكن العهدة الخامسة، حتى وإن أطلق عليها مدير الحملة أو المجلس الدستوري، أو أي أحد من الناس ومن أحزاب ما يسمى بالموالاة، عهدة ثانية أو غيرها من التسميات الفارغة، فإنها تظل خامسة وبالتالي فهي برأينا المتواضع: لا دستورية؛ بحيث تنص المادة 88 من الدستور الحالي الذي وقعه الرئيس المترشح نفسه، على ما يلي: “مدّة المهمّة الرّئاسيّة خمس (5) سنوات‮.‬ يمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية مرّة واحدة‮.‬”
كما تنص المادة 102 على أنه ” إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع‮.‬
يُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهوريّة بأغلبيّة ثلثي ‮(2/3) ‬أعضائه، ويكلّف بتولّي رئاسة الدّولة بالنّيابة مدّة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوما رئيس مجلس الأمّة الّذي يمارس صلاحيّاته مع مراعاة أحكام المادّة‮ ‬104‮ ‬من الدّستور‮.‬
وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين (45) يوما، يُعلَن الشّغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السّابقتين وطبقا لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادّة‮.‬
في حالة استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا ويُثبِت الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة‮.‬
وتُبلّغ فورا شهادة التّصريح بالشّغور النّهائيّ إلى البرلمان الّذي يجتمع وجوبا‮.‬
يتولّى رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة لمدّة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظّم خلالها ‮ ‬انتخابات رئاسيّة‮.‬
ولا يَحِقّ لرئيس الدّولة المعيّن بهذه الطّريقة أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة‮.‬
وإذا اقترنت استقالة رئيس الجمهوريّة أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمّة لأيّ سبب كان، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، ويثبت بالإجماع الشّغور النّهائيّ لرئاسة الجمهوريّة وحصول المانع لرئيس مجلس الأمّة. ‬ وفي هذه الحالة، يتولّى رئيس المجلس الدّستوريّ مهام رئيس الدّولة‮.‬ يضطلع رئيس الدولة المعين حسب الشروط المبينة أعلاه بمهمة رئيس الدولة طبقا للشّروط المحدّدة في الفقرات السّابقة وفي المادّة ‬ 104 من الدّستور. ‬ولا يمكنه أن يترشّح لرئاسة الجمهوريّة‮.‬”
وعليه، فإن العهدة الخامسة تعتبر انتهاكا صارخا لدستور وقّعه الرئيس المترشح شخصيا، علما بأن هذا الأخير يضمن ولاء رئيس المجلس الدستوري وجميع أعضائه وعدم قدرة أي منهم على اتخاذ خطوة واحدة في هذا الاتجاه، ولو كانت تخدم المصلحة العليا للوطن…
ملحوظة: كتب المقال قبل 03 مارس وتعطل نشره، وبعد إيداع ملف الرئيس المترشح من طرف مدير حملته السيد “عبد العني زعلان” الذي خلف المدير السابق عبد المالك سلال، وإفادة التلفزيون الرسمي بأنه مثّل المترشح الغائب لأسباب صحية، استنادا إلى المادة 139 من قانون الانتخابات، سجلنا انتهاكا آخر للدستور ولقانون الانتخابات، وقد صرح رئيس هيئة مراقبة الانتخابات بضرورة تواجد المترشح وإيداعه لملف الترشح بنفسه، قائلا: “لا اجتهاد مع النص” .. إ
مع شهادة رئيس هيئة نصبها الرئيس لا داعي للخوض في التفاصيل القانونية، ونكتفي بالرجوع إلى المادة 84 من الدستور ليعرف الجميع مدى انتهاك الدستور لمدة طويلة، حيث تنص على ما يلي:
المادة 84 : ‬يُجسّد رئيس الجمهوريّة، رئيس الدّولة، وحدة الأمّة‮.‬
وهو حامي الدّستور‮.‬
ويُجسّد الدّولةَ داخل البلاد وخارجها‮.‬
له أن يخاطب الأمّة مباشرة‮.‬

ثانيا: العهدة الخامسة والديناميكية الشعبية
بغض النظر عن أسباب الحراك السلمي، الحضاري والراقي، وعن المحركين الأخفياء من الدولة العميقة، سواء كانوا من رجال الظل الذين تألموا من صورة بلادهم في الخارج أو غيرتهم على مقدرات شعبهم، أو كانوا من المتضررين الذين فقدوا مناصبهم أو من تحالفات العصب وربما لامتدادات معينة بحكم التململ الدولي مثلما ظهر في العامين الأخيرين، وبغض النظر عما إذا كانت الأجهزة أو جزء منها يتفاوض على العودة إلى الحكم أو إعادة التموقع أو الحصول على مكاسب معينة… فإن الحيوية الشعبية الحالية حالة حقيقية لوعي رفيع يعبّر عن مكبوتات وتراكمات، فجّرتها صورة الرئيس المنهك وعدم قدرته على تمثيل الجزائر في المحافل الدولية مكتفيا بإرسال مفوضين عنه، على رأسهم الوزير الأول ورئيس مجلس الأمة الذي مثّل شيخوخة النظام القائم (مثلما حدث مع الاتحاد السوفيتي قبيل التفكك) في مؤتمر للشباب بشرم الشيخ المصرية مما زاد الطين بلّة، ورسّخ صورة الانفصام الموجود بين النخبة الحاكمة والمجتمع الشاب، ولا يخفى على القارئ الكريم ما للفايسبوك واليوتيوب من تأثير في حوالي عشرين مليون جزائري من مختلف الأعمار والمستويات والمشارب، وسرعة انتقال المعلومة والتعليق عليها، ولذلك شارك في المسيرات والمظاهرات أطياف متنوعة ومن شرائح متعددة: شبابا وكهولا وشيوخا، مثقفين وصحفيين وموجهي رأي، بل حتى أولئك الذين يشتغلون في المؤسسات العمومية، طلبة وأساتذة وأطباء وصحفيين ومحامين وبطالين، نساء ورجالا، في مختلف الولايات، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وفي الخارج: بفرنسا، كندا، بلجيكا…الخ.
طبعا، القضية أعمق وتتطلب إصلاحا حقيقيا غير مراوغ وعميقا غير سطحي، لكن نقطة الضعف هي نفسها نقطة القوة سنة 2011، في سياق ما كان الغرب يطلق عليه، بعد الثورات الملونة، “الربيع العربي”… نقطة الضعف هذه، هي نفسها ويا للمفارقة، وجود السيد عبد العزيز بوتفليقة، شفاه الله وعافاه، في سدّة الحكم بشكل لا دستوري، وخصوصا تلك الصورة البائسة لرمز من رموز الجزائر وهو رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وتلك السخرية التي يتلقاها الشباب على صفحات التواصل الاجتماعي من شعوب تعاني الدكتاتوريات ولكن لها رؤساء وملوك وأمراء نشيطون، يلقون الخطب السياسية ويحضرون المحافل الدولية…الخ. فحتى إن كان وضع تلك الشعوب أسوأ من وضعنا، لكن الصورة ظلت تهز وجدان الجزائريين والشباب خاصة هزا عنيفا…
لقد بدأ التململ، مبكرا، في ملاعب كرة القدم من طرف أنصار الفرق التي دللها الرئيس والنخبة الحاكمة على حساب الأساتذة الباحثين والأطباء والمهندسين والصحفيين والمعلمين…الخ وأنفق عليها النظام القائم أموالا فلكية لامتصاص غضب الشباب، خصوصا الفرق الكبيرة ذات الأنصار الكثر، تجنبا لغضبهم وشغبهم، مثل الشناوة والسنافر ..الخ، لكنّ السحر انقلب على الساحر وأصبحت الملاعب معاقل لرفض العهدة الخامسة ومنابر للتعبير عن السخط الشعبي العام ومنطلقا لما نشاهده اليوم من تحرك واع وحضاري لإبراز وجهة النظر التي كانت صامتة وغير معبر عنها لا في الانتخابات ولا في التجمعات الشعبية…

ثالثا: العامل الخارجي
لقد كان الرئيس المترشح محل إجماع القوى الكبرى المؤثرة والتي تمتلك مصالح ضخمة في الجزائر وعلى رأسها المستعمر السابق واللوبي الموالي له، والولايات المتحدة الأمريكية التي صرح الرئيس في ندوة “كرون مونتانا” بسويسرا بأنه مستعد للذهاب معها إلى غاية مشروع مارشال، علما بأنه أقام بدول الخليج الموالية للقوة العظمى والتي يؤدي بعضها، مع الأسف الشديد، دورا سلبيا في سياق الدمقرطة مقابل العسكرة في المنطقة رغم محبة الشعب الجزائري وانفتاح الدولة الجزائرية على الشراكة الاستراتيجية معها، لكن الأمر يبدو مختلفا في الوقت الحالي، وما تصريحات مدير المخابرات الفرنسية السابق “برنار باجولي” النارية ضد الرئيس وجيله ببعيدة.. لكن ما يهمنا في هذا الإطار هو فقط محاولة لفهم المواقف الدولية باعتدال وبما يخدم أهداف المقال، وقد نقوم بتحليل أعمق وأدق، إن وفق الله وكان في العمر بقية…

رابعا: المواقف والسيناريوهات
يمكننا إيجاز مختلف المواقف وتقديم السيناريوهات المحتملة، على النحو التالي:
* موقف المساندين للعهدة الخامسة: يتساءل عموم المواطنين عن الأسباب التي تدفع الأشخاص والأحزاب ومؤسسات الدولة إلى مساندة ترشح الرئيس الحالي على الرغم من الحالة الصحية التي قد تتدهور أكثر بسبب التقدم في السن وثقل المسؤولية، إذ لا يتوقع عاقل بأنه سيعود شابا نشيطا يبذل جهودا غير عادية كما كان عليه الحال في العهدتين الأولى والثانية، ومعروف أنه منذ خطابه التاريخي من ولاية سطيف سنة 2012 والذي قال فيه “طاب جنانّنا وعاش من عرف قدره”؛ يعني برأينا، عاش من عرف حدوده ومنتهى طاقته، لم يخاطب شعبه ولو لمرة واحدة، الأمر الذي رفع حدة الشكوك وزاد تدفق منسوب الإحباط العام…
يمكننا إيجاز فئات المساندين وأسباب المساندة المطلقة، إلى درجة الإدلاء بتصريحات اعتُبرت مستفزة وغير ملائمة، كقولهم مثلا: نصوت عليه ولو كان ميتا في قبره…الخ في النقاط التالية:
1- فئة الأوفياء: نفترض وجود مجموعة من الأوفياء لشخص الرئيس من الذي يعرفونه جيدا ويقدّرون جهوده، وقد يعتبرون موقفهم رجولة وشهامة، لكننا، إذ نحيي شهامتهم ووفاءهم، نختلف معهم في الأولوية التي ينبغي أن توضع في الوفاء للوطن لا للشخص رغم محبة الشخص واحترام ما يكون قد قدّمه للشعب والدولة
2- فئة الإنتهازيين المنتفعين: يمكننا الحديث عن أولئك الذين، في دفاعهم المستميت عن ترشح الرئيس، إنما يدافعون عن مصالحهم وتموقعهم في المشهد الاقتصادي، الإعلامي والسياسي وعن الأموال الطائلة التي جنوها، حيث انتقلوا من العدم وفي وقت قصير جدا، إلى ميليارديرات يتفاوضون، رغم قلة بضاعتهم المعرفية وضحالة تكوينهم، مع أعتى القوى وأجدر المفاوضين في العالم، دون التغاضي عن مستوى معيشتهم في ما يشبه جنات البوهيميين « Bohimian Groves » بأمريكا وأوروبا…
3- فئة المسؤولين الذين ارتبطت مناصبهم مصيريا بشخص الرئيس وتواجده على رأس الدولة، وهم يخشون التغيير حفاظا على هذه المناصب…الخ
4- تأتي أخيرا، لا آخرا، الطبقة المشكّلة لصغار المنتفعين والمنضبطين، الطموحين، من الوعاء الانتخابي التقليدي وهي فئة، تتأثر وتنصاع لصانع القرار تقليديا، ولا تؤثر إلا بمقدار الأصوات التي توضع في الصناديق لرفع نسبة المشاركة ودعم مرشح السلطة، فهي بالتالي مجرد أرقام تُحسب في التجمعات وفي الأصوات المعبر عنها في الانتخابات، ولكن دورها يبقى مهما، خصوصا على مستوى المشاركة في الانتخابات وعلى صعيد الإعلام والدعاية…
لكن أين نضع مؤسسة بحجم وقدرات وإمكانات وتأثير المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية؟
طبعا، نفهم موقفها من خلال عنصرين حاسمين، تضاف إلى عناصر أخرى مهمة:
أ- المشاعر الممتزجة بين الخوف على الوطن وواجب حمايته، وحماية الشعب والتفاعل الإيجابي مع مطالبه والتعاطف مع حب المجتمع لبلده ومستقبل دولته ورقيه وتقدمه، كونهم مواطنين يتأثرون بمجتمعهم ويؤثرون فيه، كون المؤسسة العسكرية ذات طابع شعبي
ب- واجب الطاعة والانضباط وتنفيذ الأوامر، فهم محكومون برؤسائهم، منفذون لأوامرهم التي قد تتناقض مع قيمهم وتتناقض مع قناعاتهم وسمة الشهامة لديهم، حيث قد تصل إلى إطلاق النار على المتظاهرين (نسأل الله أن يحفظ وطننا وشعبنا من هكذا أوامر ومن كل سلوك يبررها) وشهادتنا الصادقة أن الأجهزة الأمنية تتصرف، إلى غاية كتابة هذه السطور، بحكمة وحنكة أفسدت حسابات أعداء الوطن..
من بين العوامل المؤثرة في موقف الأجهزة الأمنية، نجد صورة الرئيس…
داخليا: حيث أصبح صنما تُقدم الهدايا إلى صورته حتى في صلاة العيد داخل المسجد وهذا محبط للشعب، مثير لسخرية الأجانب؛
خارجيا: أين أصبحت صورة الرئيس الجزائري محل سخرية وشماتة الأعداء والأصدقاء جميعا وهذا مؤلم للغاية، ولا داعي للتذكير بأن أفراد الأمن والاستخبارات جزائريون يصيبهم ما يصيب شعبهم يتألمون لألمه ويأملون في غد مشرق مثلما يأمل، وهذا ما قد يساعدنا على تفسير الحراك وحسن تنظيمه…
في المقابل، أي من جهة الرئيس المترشح وفريقه، نلاحظ بطءا وثقلا في التفاعل والاستيعاب، حيث يصرون على الطرق التقليدية البالية، مثل اختيار الوجوه المنافسة من طيف تمثيلي شكلا للتسويق الخارجي وجمع التوقيعات لها وضمان مصادقة المجلس الدستوري… الخ

الصهيونية العالمية والخوف المبرر على الجزائر الحبيبة

إن المظاهرات التي تطالب الرئيس بالعدول عن ترشحه المخالف للدستور، بسبب النص الصريح والحالة الصحية، كما سلف وأكّدنا بكل موضوعية ودون أي حقد على شخص الرئيس شفاه الله (طبعا حسب تعبير الوزير الأول) تتسم بسمة حضارية راقية جدا وهي سلمية تماما، على الرغم من بعض المحاولات المشبوهة بإحداث انزلاقات أمنية وعسكرة القضية، حتى يتم استعمال القوة المفرطة ضد الشعب الأعزل المسالم، وتبرير التدخل الأجنبي لا قدّر الله، لكن دراسة المآلات وحماية الديمقراطية الجزائرية الناشئة عن طريق الدعوة إلى التحلي بالحكمة ورفع مستوى الوعي لدى الجميع: مواطنين منتفضين وصناع قرار معرّضين للضغط، واجب وطني وإنساني…
من أجل ذلك، فإننا ننبه إلى ضرورة التحلي باليقظة التامة، فنحن لا نعيش في كوكب بعيد ومعزول، بل في أرض الجزائر الطاهرة، وهي لفرط أهميتها الإستراتيجية، تكثر حولها الأطماع وتسعى إلى استغلالها وتحريفها، أطراف موتورة، جرحتها كبرياء الجزائريين وأرعبتها شهامتهم، ويرعبها أكثر إحتمال النهوض والإقلاع وتحقيق تنمية شاملة ومستديمة، تخرجها نهائيا من التخلف والتبعية والضعف، ولا ننسى الوضع الدولي في سوريا واليمن وفنزويلا، ولننتبه إلى البيئة المحاذية، أين نجد قوات فرنسية في الساحل جنوبا، وقوات أمريكية في تونس شرقا، وخطرا يأتي من انهيار الدولة في ليبيا: حادثة تيقنتورين مثلا…الخ.
يجدر بنا أن نشير بهذا الصدد إلى مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا www.dayan.org، الذي أُسس سنة 1959 على اسم وزير الدفاع الصهيوني الأسبق “موشي ديان”، حين أصدر الصهيوني، رئيس جهاز الموساد “رؤوفين شيلواح” تعليمات بإنشاء مركز لدراسة الوطن العربي، وتم ربطه ظاهريا بجمعية الاستشراق الصهيونية، ثم بجامعة تل أبيب، وتركزت أبحاثه وأدبياته على إعداد المشاريع البحثية الأساسية، التي غلب عليها الطابع المعلوماتي، ثم التحليل الاستخباري والأمني… لقد ساهم هذا المركز بشكل فعال وخطير، بمساعدة أطراف خاصة وحكومية، من داخل الكيان الصهيوني ومن خارجه، في تقسيم العراق والسودان، وأولوية أولوياته حاليا: الجزائر.
نجد عملاء وتحركات ودعاية وتمويلا ونشاطا مكثفا لهذا المركز، بالإضافة إلى تحركات قوى معادية أخرى، في مناطق عديدة بالوطن، ومنه تلك الخلية التي ضُبطت بغرداية، كما أنه، بدعم من حكومة الكيان الصهيوني ومن مراكز صهيونية بالولايات المتحدة،، يدعم ويؤطر حركة الماك التي يرأسها المغني السابق “فرحات مهني” والذي يقدّم في وسائل إعلام معادية للجزائر بصفته رئيس الحكومة المؤقتة لمنطقة القبايل …الخ. إن أبرز وأخبث أهداف المركز: تقسيم الجزائر وإضعافها وكذا العمل على إيقاد نار الحرب الأهلية فيها.. تشير التقارير الصحفية إلى بعض الأسماء الصهيونية المكلفة بتحريف مسار المظاهرات السلمية وصب الزيت على النار واستغلال الأحداث في تكسير الجزائر، مثل « Eddy Cohen » و« Julien Dray » وقبلهما « Bernard Henry Levy » المدعو اختصارا « BHL » والذي كان متحمسا لأداء دوره التخريبي والدعائي القذر، وكذا بعض الأسماء العربية، وإلى جهاز الموساد وأجهزة حليفة، بعضها عربي، لتكرار سيناريو سوريا فيما يطلق عليه، استخباراتيا، عملية « Timber Sycamore » وهي عملية أشرف عليها، سنة 2011، جهاز المخابرات المركزية الأمريكية بتقسيمه للأدوار على الموساد وبعض الأدوات المحلية، ولا حاجة بالتذكير بما حدث ولا يزال يحدث بسوريا الشقيقة رغم استمرار الطابع السلمي للمظاهرات في بداية الحراك الشعبي ولأشهر عديدة…

العهدة الخامسة: السيناريوهات والخروج الآمن

لقد أربكت الديناميكية الشعبية المفاجئة، المنظمة والمتنامية، جميع الفاعلين المعروفين، ومنهم السلطة الحالية، وعليه فإن المتوقع:
* من جهة السلطة: إصرار سلطوي على ترشيح الرئيس مهما كانت العواقب، فقد أودع الرئيس المترشح ملفه، وهو غائب عن الجزائر ولم يظهر بصورته ولا بصوته، الأمر الذي اعتبره الجزائريون استفزازا مقصودا وغير مبرر؛ بل احتقارا لتطلعات الأغلبية، حتى وإن كان محتوى الرسالة التي قرأها مدير حملته، جديرا بالمناقشة رغم تأخره زمنيا وغياب الضمانات والآليات والثقة الشعبية في الوعود السلطوية والرئاسية، فلو طرح دون ضغط شعبي قبل عام واحد وكان المقصود بعدم ترشح الرئيس الانتخابات الحالبة لأصبح إصلاحا عميقا ولنال قبول الطبقة السياسية برمتها ولحاز رضا الشعب واستحسانه…
لكن، كيف ستتعامل السلطة مع استمرار المظاهرات السلمية الرافضة وانتشارها واشتراك النخب وجميع الأطياف الشعبية فيها؟ هل ستلجأ إلى إبراز مدى قدرة المساندين على التعبئة وبالتالي تظهر مدى شعبية الرئيس وبأن المتظاهرين الرافضين يمثلون الأقلية التي تعلن عن موقفها بكل حرية وشفافية، بما ينطوي عليه هذا السلوك من احتكاك بالقوى الشعبية الرافضة للعهدة الخامسة؟ هل ستلجأ إلى العنف، إن حدثت أفعال غير سلمية، سواء عبرت عن أخطاء طارئة أو عن افتعال مقصود ومبرمج من داخل السلطة نفسها أو من عملاء يعملون لصالح طرف أجنبي معاد؟… يبدو غير صائب، رهان السلطة على عامل الزمن والاستنزاف التدريجي للمتظاهرين، مثلما حصل في حراك الريف المغربي أو حركة السترات الصفراء بفرنسا المتناقصة خصوصا إذا كانت المظاهرات بالجزائر تشبهها في قضية التحرك والتعبئة الأسبوعية (أيام الجمعة بالجزائر وأيام السبت بفرنسا)… لماذا نعتبر هذا الإدراك خاطئا؟ لأن حركة الرافضين للعهدة الخامسة شعبية وليست فئوية، وطنية وليست جهوية، كما أنها أشبه بكرة الثلج حيث قد تتحول بمجرد تثبيت ترشيح الرئيس الحالي من طرف المجلس الدستوري في أجل أقصاه 13 مارس الجاري، إلى عصيان مدني، قد لا تتمكن حتى الأطراف التي استطاعت إشعالها وتنظمها التحكم فيها بتدخل أطراف معادية من خارج الوطن وامتداداتها في الداخل من اللوبيهات ….
* من جهة الديناميكية الشعبية: سواء كانت مؤطرة بقوى منظمة غير معلنة، أو كانت عفوية تماما وغير منظمة، وسواء تفاوضت القوى الفاعلة، المؤثرة فيها والمؤطرة لها مع السلطة لتحقيق مكاسب بما يسمح لها بإعادة التموقع على الخريطة السياسة الوطنية للمرحلة القادمة أو من أجل إنقاذ صورة الوطن ورمزها الدستوري، فإن الأحداث تترى وتتتابع بوتيرة سريعة جدا، كما أن المظاهرات تنتشر أفقيا وعموديا، كمّا ونوعا، بما يسمح للملاحظ بأن يرى عدم انحسارها جغرافيا ولا عدديا، والمتصاعدة مطلبيا، وعلى هذا الأساس قد تتحول من مجرد رفض شبابي وشعبي للعهدة الخامسة ولبعض الوجوه المعروفة والمكروهة من خزّان السلطة من المرشحين المحتملين، إلى ثورة عارمة أو عصيان مدني قد يؤدي إلى عواقب لا ينتظرها بفرح إلا أعداء الجزائر، أعداء الإنسانية (نلاحظ بأن بعض الاشخاص الممقوتين شعبيا زادوا من شعبية الرئيس المترشح سنة 2004، لكن شخصيات محل بغض أكبر من الشعب وبالتفافها حوله هذه المرة، زادت من نفور الشباب واستنفار الشعب كله ضد شخص الرئيس)…

النخبة المثقفة: الهم الوطني والفعل الحضاري

يتساءل كثير من المواطنين عن دور النخبة في إنقاذ الجزائر والحيلولة دون وقوع البلد في أحد السيناريوهات السيئة، وبما أن كاتب هذه السطور، حامل لهموم وطنه وأمته، ومناضل حر في خدمة شعبه، وهو أكاديمي يدرس بالجامعة الجزائرية ويسعى إلى التعليم والبحث وتكوين نخب ممتازة قيادية، وإلى التوعية والكشف عن حقائق الأمور والتبصر والاستشراف وعلى هذا الأساس، القيام بالواجب الوطني وإرضاء الضمير الحي، فإنه يقدم توصيات، ويوجه نداء صادقا إلى كل من السلطة الحالية والنخب الوطنية وكل من له بصر وبصيرة وغيرة وطنية ونخوة وحكمة وعقل وتبصر…
أولا: نداء الحكمة إلى السلطات العامة الجزائرية وأصحاب القرار
وفاء لأمانة الشهداء الأبرار وإكمالا لرسالة المجاهدين الأخيار، وعلى الرغم من رغبتنا جميعا في استقرار عمل المؤسسات الدستورية، فإن المطلوب هو تأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة عام واحد وإعادة النظر في خيار ترشح الرئيس لأنه مخالف للدستور، محبط للشعب ونقطة ضعف للدولة الجزائرية.
سيوفر هذا الإجراء فرصة ممتازة وووقتا ثمينا لمناقشة ترسيخ دعائم ديمقراطية وطنية حقيقية تستجيب لمطالب الشعب بالحرية والكرامة، وتفجر طاقات الأمة بما يدفع الجزائر الحبيبة إلى مواكبة الركب الحضاري العالمي وفي وقت قياسي، ولدينا أمثلة كثيرة من دول كنا إلى وقت قريب، أفضل منها، كما أن ميكانيزمات التنفيذ سهلة بجمع كل الطاقات الحية من أبناء الوطن، من داخل الجزائر الحبيبة ومن خارجها…
فإن أصرت السلطة على إجراء الإنتخابات في موعدها دون مراعاة الانتفاضة المتعالية، فإن الخطر سيكون أكبر، ولا بأس أن يظل الرئيس، كحل وسط، في موقعه إلى غاية عقد ندوة وطنية جامعة تختلف جذريا عن ندوة الوفاق الوطني سنة 1993، أو إلى حين انتخاب رئيس جديد، مع عدم ترشحه بطبيعة الحال.
ثانيا: إلى النخب: المثقفة، المالية، الإعلامية، البيروقراطية، السياسية والأمنية
خوفا على الجزائر الغالية والشعب الجزائري العزيز، وبغض النظر عن اختلافاتنا، عن إيديولوجياتنا وانتماءاتنا وجهاتنا وألواننا وقناعاتنا… فإننا مدعوون إلى اتخاذ موقف تاريخي واع ومسؤول، سيسجله التاريخ بأحرف من ذهب، ولنعمل بجد وبسرعة على تأسيس جبهة موحدة لليقظة ومنع أي تحريف لمسار المظاهرات السلمية الحضارية وحرمان الأعداء، من أي جهة أتوا، من تحقيق أهدافهم الخبيثة بتحويل هذه الفرصة التاريخية للتقدم وبناء ديمقراطية تعددية راقية، إلى تهديد خطير لوجود الشعب والدولة…

الجزائر في مفترق طرق: بين الفرصة والتهديد

إن التحرك الشعبي الواعي والحضاري فتح للجزائر فرصة تشبه إلى حد بعيد فرصة ما بعد 05 أكتوبر 1988، عندما كانت أعين الشعوب كلها ترنو إلى التجربة الديمقراطية الفتية وتتابعها بإعجاب وتقدير، قبل أن تُجهض ويحل محلها دمار هائل خرب طاقات الأمة وشتت جهودها ودفعها إلى التخلف الذي لا نزال نعاني كثيرا من تبعاته.. إنها فرصة الانفتاح وترسيخ الديمقراطية، أين تتصالح الدولة التي بناها الأبطال من أبناء الشعب الجزائري، شهداء ومجاهدين، مع شبابها وكفاءاتها الهائلة، لنلحق بركب الحضارة والتقدم، وفي الوقت نفسه، إن لم نكن في مستوى تطلعات الشباب ستنفتح أبواب جهنم التي ينفذ منها شياطين السياسة ودهاقنة الاستراتيجية من أعداء بعيدين وآخرين مقربين، من داخل الوطن ومن خارجه… فلنفوت الفرصة عليهم جميعا ولنوحد الجهود ولنبذل قصارى جهدنا في سبيل لم الشمل والقيام بتغيير ناضج لأن الوقت قد حان…
واجبنا الوطني:
تأتي الاقتراحات والتوصيات التي يخلص إليها هذا المقال، في سياق جدية التهديد وارتفاع نسبة الخطر، كما إنها تفتح المجال لنقاش حقيقي ومنفتح حول الحلول والبدائل والتأسيس لفعل منظم جامع يكون الهدف من ورائه: الخروج بالجزائر إلى بر الأمان في هذا الظرف العصيب، وذلك على النحو التالي:
أولا: التأسيس لتيار يحافظ على المطلب الجوهري المتمثل في رفض العهدة الخامسة المخالفة للدستور والجارحة لكرامة الشعب الجزائري، مع اليقظة الشديدة والتوعية المستمرة لجميع أطياف المجتمع وشرائحه، من أجل تفادي أي انزلاق واحتواء الأخطاء التي قد ترتكب ومنع أي طرف محرض، أو متطرف أو مدسوس من استغلالها؛
ثانيا: التواصل مع الأطراف الفاعلة في السلطة من أجل الاستجابة لمطلب تأجيل الانتخابات، فإن أصرت السلطة على إجرائها في موعدها احتراما للشكليات ولاستقرار شكلي هش، وهو برأينا خيار سيء، فإن الضمانات القوية التي ينبغي للسلطة توفيرها، قد لا تقنع الجموع الغاضبة، وقد لاحظنا توسع رقعة الاحتجاج مثلما أوضحنا، خصوصا بعد إيداع ملف ترشح الرئيس… يمكننا بهذا الصدد، إرسال رسالة من عدة نسخ موقعة من طرف الملايين، إلى جميع الفاعلين، لإعادة النظر في ترشح الرئيس ولتأجيل الانتخابات لمدة عام واحد، وهو نفسه اقتراح الرئيس، بصيغة أفضل، لكن دون إدخال البلاد في دوامة من العنف قد تدمر دولة الشهداء لا سمح الله، ودون تضييع المزيد من الوقت والجهد والموارد؛
ثالثا: تأسيس مجموعة من الحكماء، تضم شخصيات وطنية نزيهة من الداخل والخارج، ومن الخبراء والكفاءات، من جميع الاتجاهات والفئات للقيام بدورها التاريخي في التحسيس المستمر والتأثير في جميع الفاعلين من أجل إنجاح الحراك الشعبي باعتباره ظاهرة صحية وتعبيرا ديمقراطيا، بأخف الأضرار، بل بلا أضرار، والدعوة إلى التفاف الجميع حول هدف واحد: مصلحة الجزائر.
نرجو من جميع المواطنين المحبين لوطنهم وهم كثر وهم أفضل من كاتب هذا المقال، أن يتفاعلوا إيجابا مع هذا النداء الذي لا نبغي به سوى هدف واحد واضح ودقيق:
أن نجعل من الديناميكية الشعبية فرصة ذهبية يستغلها شعبنا للإقلاع الحضاري، ونتفادى أي تشنج وانزلاق قد يؤدي بنا، شعبا ومؤسسات إلى سيناريو الكارثة والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بدل أن تلعن الظلام، أوقد شمعة..

المواطن: نبيل ديب
كلية العلوم السياسية
جامعة قسنطينة3

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

5 تعليقات

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

  • تعليق 6878

    mermoune abdelghani

    شكرا أستاذ وبارك الله فيك على هذا التوضيح

    • 0
    • تعليق 6880

      نبيل ديب

      العفو أخي الفاضل، هذا واجب وطني و علمي مقدس

      • 0
  • تعليق 6886

    محمد أمين الشريف

    الشعب لم ينتخب يوما بوتفليقة الذي جيئ به لاداء أجندة معينة. ثم توالى التزوير كما يعلمه كل الجزائريين… و كفاك مغالطة… لم تكن لبوتفليقة اي شعبية مطلقا… فالقاعات المملوءة أثناء مسلسلات خطابات كانت للمنتفعين و لاصحاب الكاسكروط كاشير.
    لقد قالها الرئيس كافي و يعلمها كل الجزائريين بأن بوتفليقة لص بكل مدلولات الكلمة… وقد جاؤوا به ليستعملوه… و هو كذلك قام بالانتقام من رفقائه الذين خذلوه…. فانتقم من شعب كامل بأن دمر كل مقدرته و عمل مع من معه من الخونة بتحطيم اخلاق المجتمع و تحطيم الأسرة و المدرسة و الصحة و الجامعة… لق عمل باجتهاد لتحريب البلاد…… على كل الفاسدين مغادرة البلاد…. اتركوا هذا الشعب ليعيش بحرية….
    اما انت يااستاذ ذيب يؤسفني بأن اقول لك بأن مقالك غير نزيه ويذكر لبوتفليقة ماليس له…….. أموال الشعب التي سرقت تكفي لبناء قارة ولا إن تجعل هذا الشعب لا بجد مستشفى لائق للعلاج او سكن محترم في سن الزواج او طريق سليم يتنقل عليه أو قطار سريع… او. او…. لو طلبت من رائع في مازوت ان يسير أموال الدولة لقام به افضل مما فعل اللصوص….
    انت استاذ و لم تحصل على سكنك هذا إلا بعد عمر طويييل… سنة ٢٠١٨…. هل هذا معقول…. حتى هذا السكن المعزول لا مدارس لا محلات لا مسجد لا يصلح للسكن الا للمضطر…. و الواقع يصدق هذا الكلام فلن تجد اكثر من 20٪ من الساكنين الفعليين. اظف إلى ذلك الشروط غير قابل للتنازل مع ان اغلب السكنات تحتاج إلى أشغال تكلف ازيد من 100 مليون سنتين لتجعله لائقة…. على الاقل عقد كراء حقيقي بين الساكن و أملاك الدولة غير موجو ود… ليبقى الاستاذ الذي أنفق اطاله ليصلك بيته تحت رحمة مدير الجامعة

    • -1
    • تعليق 6908

      نبيل ديب

      محمد أمين الشريف، تحية لك… لقد تحريت الدقة و الموضوعية قدر المستطاع، و سأظل نزيها إلى أن ألقى الله.. فقط، طبيعة الموضوع دفعتني إلى التركيز على نقاط بعينها. و لعلمك، أخي الكريم، لقد جمعت كما هائلا من المعطيات التي تدين بوتفليقة و حكمه و لها سياقها و سأنشرها بموضوعية و في إطار التحليل العلمي الخالص، و أتوقع من بقايا أنصاره بأن يتهمونني بالتحامل عليه و هذا شأن كل معتدل في الطرح مهما كان نزيها.. أما عن النقاط الصحيحة التي ذكرتهافي تعليقك، فأنا أشاطرك الرأي رغم اختلاف زاوية النظر و شمولية الطرح، و أذكّرك بالحكمة القائلة: “إذا أردت أن تُطاع، فسل ما يُستطاع” و بناء عليه، فسيكون من دواعي سروري أن أقرأ تعليقاتك على ما سأنشره بعد هذا المقال إن شاء الله…

      • 0
  • تعليق 6887

    المهدي المنتظر

    اقحام العوام في امور السياسة ارى انه ليس من السياسة الشرعية
    فليترك كل امر لاهله النبي صلى الله عليه وسلم ترك الامر من بعده للعشرة المبشرين بالجنة

    • 0

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.