الصحافة تحولت إلى مجال عمل غير آمن وظيفيا واجتماعيا واقتصاديا في الجزائر..
التحول لنظام يعتمد القائمة المفتوحة، أعطى الأمل لكثير من الصحفيين على إمكانية فوزهم اعتمادا على جماهيريتهم
ليس من المستبعد أن يتحول الصحفيون بدورهم لأدوات سياسية يخضعون لمنطق التيار الغالب
على الصحفيين مصارحة المواطنين وعدم توجيه خطاب انتخابي مثالي ديماغوجي للمواطنين
في هذه العدد من ركن "مواجهات" إعلامية نستضيف البروفيسور اليامين بودهان أستاذ الإعلام بجامعة سطيف 2، للحديث عن ظاهرة ترشح الإعلاميين للانتخابات التشريعية المقرر يوم 12 جوان، وعن الضوابط المهنية والتحديات السياسية التي تحيط بانتقال الصحافيين الجزائريين من قاعات التحرير إلى البرلمان.. تابعوا..
الأرقام تتحدث عن عدد كبير من الصحافيين ترشحوا للانتخابات التشريعية المقررة يوم 12 جوان المقبل.. ما هي أهم أسباب هذه الظاهرة برأيك؟
البروفيسور اليامين بودهان: فعلا، ترشح عدد كبير من الصحافيين في الانتخابات التشريعية الحالية مقارنة بكل الانتخابات الماضية، ما يدفع للتساؤل حول دلالات توجه الصحافيين المشتغلين سواء في الإعلام العمومي أو الخاص للترشح بهذا الكم.
غالبا ما كانت هذه المراتب محجوزة لأصحاب النفوذ والمال سواء ضمن قوائم الأحزاب السياسية أو القوائم الحرة، فلم تكن تتاح الفرص للصحفيين للفوز إلا نادرا.
وأعتقد وفق قراءاتي الشخصية للظاهرة ومن خلال تتبعي لما تعلق بعلاقة الصحفيين بالسلطة في الجزائر، من خلال ما تابعته أو أنجزته من أبحاث في مجال الاتصال السياسي في الجزائر، فيمكن تفسير الأمر من خلال عدد من المؤشرات التي كانت دافعا لتصدر الصحفيين للمشهد الانتخابي حاليا، كتغير النظام الانتخابي والتحول لنظام يعتمد القائمة المفتوحة، الأمر الذي أعطى الأمل لكثير من الصحفيين على إمكانية فوزهم اعتمادا على جماهيريتهم وحضورهم في الفضاء العام الإعلامي والرقمي، عكس الانتخابات السابقة التي كانت تعتمد نظام انتخابي انتقائي يعطي الأفضلية للمرتبين في رؤوس القوائم، وغالبا ما كانت هذه المراتب محجوزة لأصحاب النفوذ والمال سواء ضمن قوائم الأحزاب السياسية أو القوائم الحرة، فلم تكن تتاح الفرص للصحفيين للفوز إلا نادرا.
المؤشر الآخر الذي كان وراء ترشح الصحفيين بهذا الكم هو التغير الحاصل في المجال الإعلامي نفسه في الجزائر، فتزايد حجم الضغوطات الممارس على النشاط الصحفي مع اشتداد الأزمات التي تلاحق المؤسسات الإعلامية كتراجع مبيعات الصحف وغلق بعض الصحف والقنوات التلفزيونية، وتسريح عدد من الصحفيين، وتراجع مستويات حريات التعبير، أدى بالصحافة لأن تتحول لمجال عمل غير آمن وظيفيا واجتماعيا واقتصاديا في الجزائر..
كل ذلك دفع بعدد من الصحفيين للبحث عن بدائل آمنة لمستقبلهم، سواء بإنشاء مؤسسات ناشئة أو التحول لوظائف بديلة في مؤسسات عمومية كمسؤولي الاتصال، أو التوجه للجانب الأكاديمي والاشتغال بالجامعة، أو استغلال فرصة الترشح للتشريعيات والدخول للبرلمان كخيار أفضل، وبالتالي الاستفادة من امتيازات مريحة وراتب جيد، والتخلص في المقابل من ضغوطات العمل الصحفي، ومن مختلف الإكراهات التي ترافق النشاط الصحفي في الجزائر.
كل ذلك دفع بعدد من الصحفيين للبحث عن بدائل آمنة لمستقبلهم، سواء بإنشاء مؤسسات ناشئة أو التحول لوظائف بديلة في مؤسسات عمومية كمسؤولي الاتصال، أو التوجه للجانب الأكاديمي والاشتغال بالجامعة، أو استغلال فرصة الترشح للتشريعيات والدخول للبرلمان كخيار أفضل..
من وجهة النظر الأكاديمية، هل يكفي التكوين الإعلامي والخبرة المهنية للصحافيين ليخوضوا تجربة الحياة السياسية؟
التكوين الإعلامي والخبرة المهنية مكسب هام للصحفيين لمتابعة الشأن السياسي بعمق، لكن في اعتقادي لا يكفي لممارسة الحياة السياسية بفعالية، فممارسة الحياة السياسية تتطلب نضالا ودفاعا عن أفكار وإيديولوجيات سياسية معينة، والاستماتة في الدفاع عن هذه الأفكار في الواقع، والاهتمام بالشأن العمومي الذي يعني المواطن عن قرب، سواء ما تعلق بالجانب الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي أو غبره، هذا ما يجب أن يكون، ولو أن الأمر مجرد تفكير يوتوبي في الجزائر أبعد ما يكون عن الواقع.
ففي اعتقادي تم تمييع العمل السياسي وأصبحت أغلب الأحزاب السياسية مؤسسات دون روح، والممارسون للحياة السياسية تحولوا لأدوات بيروقراطية في يد السلطة، غير ثابتين من حيث المبادئ، يتحولون سياسيا، وليس من المستبعد أن يتحول الصحفيين بدورهم لأدوات سياسية يخضعون لمنطق التيار الغالب، ويكونون تجارب مستنسخة عن السياسيين المتجولين السابقين، الذين ينتقلون من حزب لحزب، وتكون اهتمامات المواطن والشأن العام آخر اهتماماتهم.
يفترض أن قرب الصحفيين من مشاكل المواطنين، يجعلهم أكثر فهما وإحساسا بمعاناة المواطنين، والأقدر على نقل اهتماماتهم للسلطات العمومية، والسعي لحلها أو الاستجابة لها، لكن..
وجهة نظر تقول أن العمل الميداني للصحافيين واقترابهم من مشاكل المواطنين وعلاقاتهم المتشعبة مع مختلف المسؤولين والسياسيين، هي كلها عوامل تُسهّل من مهمتهم في حال فوزهم بمقعد في البرلمان، باعتبارهم الأقرب إلى الواقع ومشاكله من غيرهم.. ما رأيك في هذا الطرح؟
فعلا، يفترض أن قرب الصحفيين من مشاكل المواطنين، يجعلهم أكثر فهما وإحساسا بمعاناة المواطنين، والأقدر على نقل اهتماماتهم للسلطات العمومية، والسعي لحلها أو الاستجابة لها، لكن إذا حافظوا بعد فوزهم على نفس المسافة من المواطنين ولم يقطعوا حبل التواصل معهم، فقد تغري الامتيازات والحوافز التي يتحصل عليها الصحفيون النواب فتجعلهم يتناسون مسؤولياتهم اتجاه المجتمع، وواقع قربهم من المشاكل الاجتماعية للمواطنين، فتحدث القطيعة بينهم وبين من انتخبهم، وقد أثبتت ذلك التجارب الانتخابية السابقة.
وجهة نظر أخرى تقول أن الإعلامي إذا قرر مغادرة قاعة التحرير أو ميدان الصحافة، نحو أي مؤسسة سياسية أخرى، فهو يكون قد تخلى رسميا عن مهنته الأصلية، كونه تخلى عن مبدأ “الحياد المهني” المطلوب منه كصحافي يجب أن يكون على مسافة واحدة مع جميع الأطراف؟
ممارسة العمل الصحفي تعلم الصحفي مبادئ كثيرة كالموضوعية، الحياد الصحفي، ممارسة النقد، النظرة التحليلية للأمور، وهي مبادئ تكون شخصيته كصحفي متمرس له شخصية كارزمية، معارضة في الغالب، لا تقبل الانقياد والخضوع..
لذلك يفترض أن يحافظ على نفس المبادئ حين يتوجه لممارسة مهامه التشريعية كنائب في البرلمان يستمر في ممارسة النقد والحياد في مناقشة المشاريع المقترحة مثلا، ويقاوم بقوة لما يتطلب الأمر معارضة تمرير مشاريع قوانين تمس مقومات الهوية الوطنية مثلا، أو تحد من القدرة الشرائية للمواطن..
فلا يجب عليه التزام الصمت أو الوقوف موقف الخوف أو الجبن، كل ذلك يتعارض مع مبادئه كصحفي، يجب فعلا أن يبقى على مسافة واحدة من الأشخاص، لكن لما يتعلق الأمر بموقف حق، يجب أن يقف مع الحق فقط.
ممارسة العمل الصحفي تعلم الصحفي مبادئ كثيرة كالموضوعية، الحياد الصحفي، ممارسة النقد، النظرة التحليلية للأمور، وهي مبادئ تكون شخصيته كصحفي متمرس له شخصية كارزمية، معارضة في الغالب، لا تقبل الانقياد والخضوع..
هل ينطبق هذا الطرح حتى على الصحافيين المترشحين ضمن قوائم مستقلة وليس ضمن قوائم حزبية، حيث يقول بعضهم أن الترشح في قوائم مستقلة يعفيهم من أي التزام سياسي أو ثبات في التوجه والموقف مع الأحزاب السياسية؟
لا أعتقد أن الترشح مع القوائم المستقلة يعفي الصحفيين من الثبات في المواقف والمبادئ، ربما الالتزام السياسي نعم، لأنهم ليسوا مناضلين في أحزاب سياسية معينة، وبالتالي لا تلزمهم أية مواقف أحزاب أثناء النقاشات السياسية أو أثناء التصويت على تبني قوانين معينة، لكن الالتزام بالمواقف مطلوب من الصحفيين، ولا يجب أن يمارسوا التجوال السياسي، فهذا بيع شرف في اعتقادي وانقلاب على من انتخبوهم في البداية.
أكيد المتغيرات السياسية والوضع السياسي الراهن يدفعهم لتكييف مواقفهم حسب المتغيرات الجديدة، لكن لتعزيزها نحو الأحسن وليس للانقلاب عليها، بسبب مصلحة أو مزية معينة.
ما هي نصيحتك التي توجهها للإعلاميين الجزائريين الذي قرروا خوض هذا المعترك الانتخابي، ماذا عليهم قوله وفعله خلال الحملة الانتخابية، وأيضا ماذا قد يقع عليهم من مسؤوليات سياسية وأخلاقية و”مهنية” لو نجحوا في هذه الانتخابات؟
تقع على الصحفيين مسؤوليات اجتماعية وأخلاقية نحو المواطن والمجتمع، نعلم أن الوضع الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه الجزائر في الفترة الحالية معقد جدا، ومن الصعب إحداث تغيير في المنظومة السياسية خاصة.
لذا على الصحفيين مصارحة المواطنين وعدم توجيه خطاب انتخابي مثالي للمواطنين، فالمواطن سئم من الخطاب الديماغوجي الذي يسوق للأحلام والوعود التي لن تتحقق.
لذا على الصحفيين أن يقدموا خطابات واقعية تشرح الوضع كما هو، بعيدا عن التضليل، وإذا ما نجحوا في الانتخابات أتمنى أن يحافظوا على قليل من حسهم الصحفي، ويمارسوا عهدتهم النيابية ببعض النقد والمعارضة والوصول للمواطن ونقل مشاكله كما كانوا يفعلون سابقا.
إذا ما نجحوا في الانتخابات أتمنى أن يحافظوا على قليل من حسهم الصحفي، ويمارسوا عهدتهم النيابية ببعض النقد والمعارضة والوصول للمواطن ونقل مشاكله كما كانوا يفعلون سابقا.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.