لم يعد مستغرباً ما يفعله النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي اتجاه قطاع عزة المحاصر، من تشديد قبضته الأمنية الحديدية على معبر رفح الحدودي، الذي يعتبر المتنفس الوحيد للغزاويين الذين يعيشون حصاراً برياً وجوياً وبحرياً خانقاً منذ سنوات، وذلك بعد أن أصبحت القضية الفلسطينية تشكل عبأً سياسياً واقتصادياً وأمنياً للكثير من الحكام العرب، الذين فضلوا الارتماء في أحضان الكيان الصهيوني، بدل نصرة قضية شعب مظلوم ومضطهد، يعيش تحت وطأة احتلال استيطاني عنصري مجرم.
فالقاهرة التي قدمت وعوداً وتطمينات لقيادات الفصائل الفلسطينية في غزة، ومنها قيادات حركة حماس التي تسيطر على القطاع، بأنه في حال استجابت هذه الفصائل للطالب المصرية المتمثلة في التهدئة مع العدو الصهيوني، والتوقف بالتالي عن قصف المدن والمغتصبات الصهيونية بعد عملية سيف القدس الأخيرة التي جاءت رداً على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للمسجد الأقصى المبارك، واعتداءاتها المتكررة على الأحياء والقرى المقدسية ومنها حي الشيخ جراح.
فإنها ستقوم بتقديم حوالي 500مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة، الذي هدم القصف الاسرائيلي الوحشي أكثر من 1335منشاة سكنية فيه بشكل كامل، بالإضافة لأكثر من 12ألف و886 منزلاً أصيبوا بأضرار جزئية أو متوسطة. حسبما أورده المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، وهو ما أكده أحد قيادات حركة حماس للجزيرة، والذي انتقد بشدة سياسات مصر اتجاه القطاع، وقال: بأن مصر تتلكأ في تنفيذ وعودها اتجاه غزة، ولم تلتزم حتى اللحظة بما تعهدت به للحركة وللفصائل الفلسطينية، في ما يتعلق بإعادة الأعمار، وأضاف بأن مصر تواصل التنغيص على المسافرين الفلسطينيين إلى قطاع عزة، واتهمها بمنع الآلاف من الغزاويين من مغادرته، بدون تقديم مبررات تذكر لسياستها تلك. كما ذكر موقع الجزيرة بتاريخ 6ديسمبر/كانون الأول 2021م، في مقال بعنوان (انتقد بشدّة دور مصر تجاه غزة، قيادي في حماس للجزيرة: ندرس خيارات التصعيد مع إسرائيل).
التصريحات التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام نقلاً عن القيادي الحمساوي، أثرت سلباً على صورة النظام المصري الذي يعاني أصلاً من حصار أمريكي وغربي، حيث يرفض جو بايدن لقاء السيسي، بالرغم من أنه اضطر وتحت ضغط إسرائيلي لمكالمته هاتفياً، من أجل دفعه للضغط على حركة حماس لإيقاف الحرب مع إسرائيل…
فالزيارة التاريخية التي قام بها رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل الذي كان مدير مكتب السيسي سابقاً لغزة، في عز معركة سيف القدس، حيث استقبل بحفاوة من طرف قيادات الفصائل الفلسطينية هناك، وامتلأت جدران القطاع بصور السيسي، وتزامن ذلك مع وصول قافلة من المساعدات الغذائية والاغاثية للقطاع، عبر معبر رفح الحدودي، وهي تحمل صور السيسي كذلك، حاول النظام المصري من خلالها التأكيد على أنه من يمتلك مفاتيح الحل والعقد في القطاع، وتعهد عباس كامل وقتها بأنه سيعمل لإقناع الجانب الاسرائيلي بتخفيف الحصار على غزة، وبأن شركات المقاولة التابعة للدولة، وحتى تلك التي يمتلكها القطاع الخاص في مصر، ستشرف على عمليات إعادة إعمار القطاع المنهك والمحاصر، والذي دمر القصف الاسرائيلي أجزاء واسعة من بناه التحتية.
ولكن سرعان ما تراجعت مصر عن وعودها تلك، بمجرد إعلان حركة حماس ومختلف فصائل العمل الوطني في غزة، وقف عمليات القصف الصاروخي، والسماح للمستوطنين بالخروج من الملاجئ، وعودتهم بالتالي لممارسة حياتهم الطبيعية.
فالتصريحات التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام نقلاً عن القيادي الحمساوي، أثرت سلباً على صورة النظام المصري الذي يعاني أصلاً من حصار أمريكي وغربي، حيث يرفض جو بايدن لقاء السيسي، بالرغم من أنه اضطر وتحت ضغط إسرائيلي لمكالمته هاتفياً، من أجل دفعه للضغط على حركة حماس لإيقاف الحرب مع إسرائيل، إبان عملية سيف القدس، وهي المكاملة التي احتفى بها الإعلام الرسمي المصري لعدة أيام، إلاّ أنه بمجرد انتهاء الحرب عاد الرئيس الأمريكي لموقفه المعتاد من نظام السيسي، الذي يحاول بشتى الطرق أن ينال رضا بايدن، خصوصاً بعد البيان الرسمي الذي وقعه 38سيناتور أمريكي، ومنهم السيناتور ديك داربن، طالبوا من خلاله السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن حوالي 60 ألف معتقل. حسبما أوردته منظمات حقوقية مصرية مستقلة.
بالإضافة للتهديد الأمريكي بقطع المعونات العسكرية والمالية السنوية، التي كانت تحصل عليها مصر منذ توقيعها لاتفاق كامب ديفيد مع الصهاينة،والتي تناهز 1.2مليار دولار، بالإضافة لرفض أعضاء من الكونغرس بيع السّلاح لنظام السيسي مجدداً، بعد اتهامه بانتهاء حقوق الإنسان والحريات الشخصية، وشراء مصر لكميات من الأسلحة من كوريا الجنوبية، دون استشارة العم سام.
ولإثبات جدية مصر في إعادة إعمار القطاع، أعلنت القاهرة إطلاق المرحلة الثانية من عملية إعمار غزة، والتي أكدت من خلالها على التزامها بتعهداتها أمام الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي، فالقيادة المصرية تدرك تماماً أهمية القطاع في الحفاظ على أمن مصر القومي واستقرارهاالحدودي، وبالتالي فهي ترد بشكل عملي على كل الدعاوى المشككة في نوايا القيادة المصرية، اتجاه الأشقاء الفلسطينيين وخاصة في قطاع عزة، كم ذكر موقع بوابة الأهرام، بتاريخ 5جانفي/يناير 2021م، في مقال بعنوان (مع بدء المرحلة الثانية من إعادة إعمار غزة، مصر تؤكد الوفاء بوعودها اتجاه الأشقاء الفلسطينيين).
ولكن بالرغم من كل تلك الوعود والتطمينات، ولكن هناك اتجاه في قطاع عزة، بات يرى في هذه التصريحات المصرية والوعود، التي لا تختلف عن سابقاتها في شيء مجرد محاولة لذر الرماد في العيون، حيث يعتقد هؤلاء بأن هدف مصر هو توفير الأمن الدائم لإسرائيل، وللمستوطنين داخل الضفة الغربية ومستوطنات غلاف غزة، وتحاول القيادة المصرية دائماً ايهام القيادة السّياسية لحماس في القطاع، بأن القاهرة تقف في صف المقاومة الفلسطينية، بالرغم من التقارب الشديد في العديد من الملفات الإقليمية والدولية بين القاهرة وتل أبيب.
فالزيارات التي قام بها المسؤولين الصهاينة للقاهرة، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينت. وقبله وزير الخارجية ماءير لابيد، تشير إلى أن التنسيق السّياسي والأمني بات مكشوفاً وعال المستوى بين الجانبين المصري والإسرائيلي. بينت الذي يعتبر أول رئيس وزراء صهيوني يزور مصر منذ 10سنوات، والهدف المعلن للزيارة كان إعادة أحياء مباحث السّلام، وضمان الهدنة طويلة الأمد في قطاع عزة، والعمل على إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية.
ولكن الهدف الغير المعلن كان هو التخطيط لخنق المقاومة الفلسطينية والتضييق عليها، وزيادة حجم التعاون المصري الاسرائيلي وخاصة في المجال العسكري والأمني، وهو التعاون الذي كان موجوداً أصلاً ومنذ سنوات، وهذا ما كشف عنه السيسي لبرنامج 60دقيقة الأمريكي، من أن الجيش المصري يعمل بالتنسيق مع إسرائيل في سيناء شمال شرق البلاد، ضدّ من وصفهم بالإرهابيين، واصفاً التعاون بأنه الأقرب على الإطلاق بين البلدين، كما ذكر موقع فرانس 24.بتاريخ 13 سبتمبر/أيلول 2021م في مقال بعنوان (بينت يلتقي السيسي في أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي لمصر منذ أكثر من عشر سنوات).
وبالتالي فالنظام المصري لن يسمح لحركة حماس أو غيرها من الفصائل الفلسطينية، بالأضرار بعلاقته الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني، والتي هي الضامن حسب اعتقاد السيسي لبقائهفي الحكم، وعدم قيام أمريكا باستبداله، أو فرض عقوبات اقتصادية شاملة ضدّ نظامه كما فعلت مع النظام الإيراني، حيث أن نفوذ اللوبي الصهيوني داخل دواليب الحكم في واشنطن سيحول دون حدوث ذلك الأمر، ولأن القيادة المصرية تدرك بأنها تتحكم في شريان الحياة الوحيد لسكان القطاع، فإن حركة حماس مضطرة بالتالي لمسايرة النظام المصري مؤقتاً في المرحلة الراهنة، خصوصاً وأن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين مؤخراً تؤكد بأن هناك مواجهة عسكرية قريباً بين حماس وإسرائيل، حيث تناقلت وسائل الإعلام العبرية تصريحات رئيس أركان الجيش الاسرائيلي الجنرال جاك سوليفان، والتي أكد من خلالها على أن هناك احتمالاً قوياً لمواجهة عسكرية جديدة قريباً في قطاع غزة. والتي لن تكتفي إسرائيل هاته المرة بالقصف الجوي بل ستعمل على إعادة احتلال كافة قطاع غزة. وتدمير منصات إطلاق الصواريخ، لكي تضمن بأن تكون لها اليد الأولى في أية مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين، واجبارهم على تنفيذ كل بنود صفقة القرن التي هدفها إفراغ القضية الفلسطينية من مضمونها، وفرض سياسة الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.