بينما تصاعدت حدة التحذيرات الجزائرية الغاضبة، التي حملت عبارات “الويل” والثبور، جراء تزايد استفزازات المخزن ضد الجزائر ووحدتها الترابية، خاصة بعد تجاوز تلك الاستفزازات كل الخطوط الحمر، ووصولها إلى حد الإعلان الصريح عن الأطماع التوسعية في الأرض الجزائرية المسقية بدماء الشهداء، شرعت دوائر مخزنية وصهيونية في الحديث عن احتمالية “ضربة عسكرية جزائرية” للمغرب، والحديث عن الدور الإيراني في تأجيج المواجهة المقبلة في المنطقة عبر تزويدها للجزائر والبوليساريو بالدرونات الحربية.
وشكل الرد الجزائري الصاعق على استفزازات المخزن بخصوص أطماعه الترابية، بعد تصريحات مديرة الوثائق الملكية، بهيجة سيمو، حول أحقية المخزن في جزء كبير من الصحراء الجزائرية، وكذا خروج مجلة “ماروك إيبدو” بعدها بخارطة وهمية للمغرب ملونة بالأحمر تضم مناطق تندوف وبشار وأدرار وغيرها، صدمة كبيرة في الأوساط المخزنية التي لم تكن تتوقع هذا الرد الحاسم الذي رفعت من خلاله الجزائر خيار “الرد العسكري” الواضح على تلك الخزعبلات، ورفضت بالتالي الدخول في أي نقاش بيزنطي مع المخازنية حول قدسية كل شبر من الأرض الجزائرية.
واتضحت معالم الرد الجزائري بملامحه العسكرية، من خلال رد وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، التي هددت بكل صراحة ووضوح بـ”الويل لمن تمتد يده لذرة تراب مسقية بدماء الشهداء”، بما يعني أن الرد الجزائري سيكون “عسكريا” وليس دبلوماسيا أو غيره في حال أقدم المخزن على أي حماقة تمس بالحدود الحالية التي تم ترسيمها نهائيا وتسجيلها في الهيئات الدولية..
وقد أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي من موقعه الرسمي العالي، هذا المعنى أيضا بكل وضوح، عندما أكد أن الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني “على جاهزية تامة للردع وحماية حدودنا”، وذلك في الوقت الذي كانت وحدات من الجيش الوطني الشعبي تقوم بمناورات عسكرية بالذخيرة الحية في المنطقة العسكرية الرابعة.
صمت مخزني
وما لوحظ في أعقاب صدور التهديدات الجزائرية ذات الطابع العسكري باستعمال القوة للتصدي لمثل هذه الخزعبلات المخزنية الخاصة بالتراب الجزئري، هو هذا الصمت الرهيب الذي انكفأ حياله المخزن ومؤسساته الرسمية وعدم قدرته على الرد على ما جاء في وكالة الأنباء الجزائرية وما جاء على لسان الرجل الثاني في الدولة الجزائرية إبراهيم بوغالي، حول استعداد الجيش الجزائري للردع.
وأمام هذا الجبن الرسمي المخزني، وعدم قدرته على الرد المباشر خارج دائرة تحريك البيادق الصغيرة، وخارج دائرة أقلام التلوين، بقيت تلك الخزعبلات المرتبطة بالحدود الحقة للمملكة المهلكة، حبيسة مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المرتزقة من المؤثرين واليوتوبرز الفاشلين من أمثال المرتزق منار السليمي الذي لم يجد ما يقوله حيال هذه الصرامة الجزائرية الواضحة سوى أنه قام بتفسيرها تفسيرا كوميديا عندما اعتبر الموقف الجزائري “نقص في الشخصية”.
والواضح أن المخزن أدرك أن قوة الردع الجزائرية لا يمكن أن تواجه، وبذلك قرر أن يصمت حتى لا يتم فضحه أمام شعبه، ذلك أن النظام المخزني لم يقم بتحريك ملف “الصحراء الشرقية”، إلا باعتبارها دعاية فارغة لتضليل الرأي العام المغربي، وإبعاده عن الفضائح الحقيقية التي تقع فيها المملكة من بيغاسوس إلى موركو غيت، بالإضافة الى غلاء المعيشة والتضخم وتهريب الموال وغياب الملك.
هلع مخزني من ضربة عسكرية جزائرية
وحيال هذا التلويح الجزائري بالرد العسكري الحاسم ضد أي محاولة مخزنية على التراب الجزائري، وتأكيدات الجزائر برمتها دولة وشعبا، أنها لن تنجرّ إلى نقاشات فارغة حول قضايا حسمتها دماء الشهداء في مواجهة ألعاب الصغار بأقلام التلوين، أدرك الإعلام المخزني خطورة الوضع، وأن خطته لإثارة قضية “الصحراء الشرقية” في محاولة للجم الجزائر عن دعمها لاستقلال الصحراء الغربية، قد فشلت، وأن استفزازاته للجزائر من أجل تعرضه لضربة عسكرية جزائرية ربما قد بدأت تتحقق.
وما يشير إلى هذا التوجه القاضي بدفع الجزائر لتوجيه ضربة عسكرية للمغرب، تنفيذا لخطة الهصاينة حلفاء المخزن بإشعال منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا خدمة لأجنداتهم المعروفة، إقدام بعض المواقع والدوائر المخزنية على الحديث عن تسريبات استخبارية مزعومة حول ضربة عسكرية جزائرية وشيكة ضد المغرب، والترويج لتلك الأخبار بطريقة غريبة.
وتقول التسريبات المزعومة من أبواق المخزن، أن الجزائر تستعد لتوجيه ضربة عسكرية للمغرب لكن ليس داخل الأراضي المغربية، وإنما داخل المنطقة العازلة بالصحراء الغربية، عبر تسليح البوليساريو بأسلحة حديثة، وتقديم الدعم للعملية المرتقبة بحوالي مائة جندي عسكري مدرب على أعلى مستوى بغرض تثبيت قوات البوليساريو في المنطقة العازلة والسيطرة عليها، قبل تحريك الدبلوماسية وتوقيع اتفاقية سلام جديدة بين البوليساريو والمغرب.
“إسرائيل” تريد الحرب
وتشير كل الدلائل المتوفرة، أن دولة الكيان الصهيوني، عبر سيطرتها داخل أجهزة الحكم المخزنية، هي من تقف وراء خطة إشعال الحرب بين الجزائر والمغرب، من خلال الترويج لمثل تلك التسريبات الوهمية من جهة، وإقحام الدور الإيراني بشكل ممنهج في معادلة الحرب المقبلة بين الجزائر والمغرب.
وضمن هذا الإطار، خرج علينا المستشرق اليهودي إيهود يعاري، من خلال القناة الـ12 الإسرائيلية، بحكاية شروع إيران بحسب مصادر مختلفةٍ في كلٍّ من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، بحسب زعمه، في نقل كميات كبيرة من المسيرات الهجومية من نوع “شاهد” التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا إلى الجزائر، وأن جزءا من تلك المسيرات سيصل إلى قوات البوليساريو الموجودة بتندوف.
ويدعي المحلل اليهودي، كما هي الرؤية الصهيونية لطبيعة الحرب مستقبلا، أن الخطة الإيرانية تقتضي بتحويل البوليساريو إلى قوة ميليشيات مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وحماس في غزة، وأن قيام البوليساريو باستخدام الدرونات الإيرانية ضد القوات المغربية قد يؤدي إلى تغير المشهد في شمال إفريقيا واندلاع حرب كبرى بين الجزائر والمغرب.
ولا تقف القوى الصهيونية وحدها، داعما لفكرة اندلاع حرب في المنقطة بين الجزائر والمغرب، بل إن قوى دولية أخرى كثيرة ربما تكون مستفيدة من تلك الحرب، ومن ذلك الدعوات التي باتت تطلق حاليا من بعض الجهات البحثية والأكاديمية الأوروبية والأمريكية، على غرار معهد إحداثيات الحكامة والاقتصاد التطبيقي الإسباني الذي دعا مؤخرا الدول الغربية إلى تعزيز الشراكة السياسية والاقتصادية مع المغرب، لمواجهة ما يسمونه التحالف الجزائري الروسي الإيراني في منطقة الساحل الإفريقي، وسعي الجزائر لتسهيل إقامة قواعد عسكرية روسية في منطقة الساحل الإفريقي بحسب ادعاءاتهم.
ولم يتخلف معهد إحداثيات الحكامة والاقتصاد التطبيقي عن تكرار الخزعبلات الصهيونية نفسها، حول تلقي الجزائر إمدادات كبيرة من الدرونات الإيرانية وتخصيص جزء مهم منها لقوات البوليساريو، التي ستكون بحسب تلك المزاعم دائما إحدى الأدوات الجزائرية الإيرانية في المنطقة.
وتعد هذه المزاعم الصهيونية والغربية هي نفسها التي ترددها اليوم وعلى نطاق واسع الأبواق الإعلامية المخزنية، التي تتحدث عن الخطر الإيراني الذي يهدد وحدتهم الترابية بمساعدة من الجزائر وباستخدام للبوليساريو، الأمر الذي سيزيد من احتمالية نشوب الحرب في المنطقة، إلى جانب توفر باقي أسبابها الأخرى، المتمثلة أساسا في جلب جيش الكيان الصهيوني للمنطقة، ودعم المخزن للنزعة الانفصالية الإرهابية في منطقة القبائل الجزائرية، وأخيرا الأطماع الترابية الفجة التي كشف عنها المخزن في الأرض الجزائرية.
الحرب بديل عن الحرب
أمام هذه التطورات، يمكننا الآن أن نتساءل إذا ما كانت القطيعة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب في 2021 قد كانت هي البديل الوحيد، كما أكد الرئيس تبون، عن الحرب، فهل أصبحت الحرب اليوم هي البديل الوحيد عن الحرب؟.
الأوضاع تسوء أكثر والتوترات الباردة تتجه باطراد نحو التصعيد و”السخونة”، وبوتيرة غير مسبوقة، بسبب الاستفزازات المستمرة من طرف المخزن وانصياعه للتوجيهات الصهيونية له لإشعال نار الحرب التي أصبحت اليوم قاب قوسين أو أدنى خاصة بعد أن وصل الأمر إلى حد التلويح باقتطاع أجزاء واسعة من الأرض الجزائرية، عبر استحضار الحقوق التاريخية.
وعليه، وبالنظر إلى تحول المنطقة إلى برميل بارود كبير، مع رفع الجيش الجزائري ميزانيته السنوية إلى 22 مليار دولار، ورفع الجيش المخزني الميزانية نفسها إلى حدود 17 مليار دولار، سيكون لأي حادث عرضي بسيط في الحدود مستقبلا، من قبيل حادثة قتل ثلاثة جزائريين في بداية نوفمبر 2021 بقصف للدرونات المغربية قد يقوم به جيش المخزن، أو تفتعله دولة الكيان عبر أدواتها داخل الجيش المخزني نفسه الذي سيطرت عليه، بمثابة انفجار كبير سيدفع المخزن ثمنه باهظا، حين لا تكون الضربة العسكرية الجزائرية المرتقبة في الرباط، مجرد مزايدات إعلامية ودعائية، بل ستكون واقعا يشهده المخازنية بأعينهم قبل أن يشهده العالم كله.
@ المصدر: الإخبارية
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.