بمناسبة الجدل الدائر حول الجهات التي لها تأثير في القرار السيادي على الثورة الجزائرية، ارتأيت أن أقدم هذه المساهمة بعد بحث طويل في شهادات عدد من القادة والمجاهدين والمؤرخين، حيث أن هناك من يدعي أن قرارات قيادة الثورة في الخارج كانت مستقلة تماما عن أي تأثير خارجي، ومنهم الأستاذ "عثمان سعدي" إطار في الوفد الخارجي لجبهة التحرير بالقاهرة، غير أن التاريخ يثبت عكس ذلك، حيث أن المخابرات الفرنسية علمت بالتحضير للثورة قبل اندلاعها..
وعلى إثر ذلك قام “جاك شوفالي” رئيس بلدية العاصمة قبل الثورة، باعتباره كان ضابطا ساميا في المخابرات، وعالما في الاجتماع، يتحدث العربية والقبائلية، وهو ما سهل مهمة اختراق اللجنة المركزية لحزب الشعب الجزائري، ونجح في استمالة بعض من أعضاء اللجنة المركزية وشراء ذممهم بشقق في العاصمة، من أجل عرقلة الدخول في العمل المسلح، حسبما ذكره المؤرخ “محمد العربي زبيري”.
وبالرجوع إلى كتابات المجاهد والمؤرخ “رابح بلعيد” حول نفس القضية، حيث ذكر تحرك اللجنة المركزية وعلى رأسها “لحول الحسين” لإفشال مسعى مصالي الحاج في تحضير الثورة عبر مؤتمر “هورنو”، وقال المؤرخ أن “لحول الحسين” وبعض من أعضاء اللجنة المركزية كانوا تحت تأثير “جاك شوفالي”، وحسب شهادة المجاهد “ارزقي باسطا” الذي قال “كان المركزيون يقولون بأن اندلاع الثورة خطأ فادح حاليا، ولقد كانت لدينا منظمة من 2000 عنصر وقد تحطمت، ونحن كذا وكذا، والمصاليون كانوا مع تفجير الثورة وبدؤوا التحضير كذلك بعد الانتهاء من هذا الاجتماع”..
ويعتبر “جاك شوفالي” من منظري الاستعمار الجديد، حيث بعد علم “مصالي الحاج” بما يحاك حوله من دسائس من طرف “شوفالي” قال قولته المشهورة “احذروا جاك شوفالي فانه رجل خطير.. إنه يمثل الاستعمار الجديد”.
وفد “الحاج مصالي” بمجرد خروجه من الاجتماع وبينما هو في طريقه إلى المطار لإبلاغ “مصالي” في منفاه، بنص الاتفاق تعرض الوفد للاعتقال والتعذيب من طرف مخابرات “عبد الناصر”..
نفس الدور الذي قام به “جاك شوفالي” في اختراق اللجنة المركزية لحزب الشعب، لعبه الرئيس المصري “جمال عبد الناصر” حسبما جاء في عدة شهادات لمجاهدين شهدوا على تلك المرحلة، حيث قال المجاهد والسفير السابق والإطار في الوفد الخارجي لجبهة التحرير بالقاهرة “محمد برغام” في مذكرته أن “عبد الناصر” كان يسعى إلى أن يكون زعيما للقومية العربية، وهو الذي لا يملك أي رصيد تاريخي، ووجد “مصالي الحاج” زعيما عالميا، اعتقادا منه أن “مصالي ” سيحجب عليه مشروعه القومي للبون الشاسع في السمعة وقوة التأثير بين ضابط مغمور بدأ يشق طريقه وقامة عالية من قمم العروبة والإسلام والنضال التحرري الذي صاحب عملاق الشرق وأمير البيان “شكيب أرسلان”، الذي قال عن “مصالي” في مذكرته “لو كان شباب العالم الإسلامي مثل الشاب الجزائري مصالي الحاج لتحرر الإسلام منذ زمن بعيد”، لذا فلابد أن يعمل “عبد الناصر” لإخراج “مصالي الحاج” من المشهد حتى يخلو الجو للزعيم الصاعد والقادم من الثكنة إلى الساحة السياسية.
وقد أشار أيضا الدكتور المصري “توفيق الشاوي” في مذكرته (خمسون سنة من النضال) كل التفاصيل عن دور عبد الناصر والمخابرات المصرية، مضيفا بأنه كان متابعا لأدق تفاصيل الثورة الجزائرية، ومن بينها المساعي الخيرية التصالحية التي تكللت بالنجاح في جمع شمل أبناء حزب الشعب الجزائري حول الثورة، وكيف بعث الزعيم الوطني “مصالي الحاج” وفدا عنه إلى القاهرة يتكون من (الشاذلي المكي، وأحمد مزغنة) وغيرهما لملاقاة مكتب جبهة التحرير الوطني المتكون من (أحمد بن بلة، حسين آيت أحمد، محمد خيضر) وقد توج ذلك باتفاق وببيان مشترك لتوحيد الجميع تحت راية واحدة للقيام بالعمل الثوري، ولكن حدثت مفاجأة! هي أن وفد “الحاج مصالي” بمجرد خروجه من الاجتماع وبينما هو في طريقه إلى المطار لإبلاغ “مصالي” في منفاه، بنص الاتفاق تعرض الوفد للاعتقال والتعذيب من طرف مخابرات “عبد الناصر”، حسب المذكرة نفسها، ورغم أن المعتقلين كانا يحملان صفة رعايا فرنسيين وفق القانون، لم تتدخل فرنسا لدى “عبد الناصر” لإطلاق سراحهما، باعتباره عملا يمس السيادة الفرنسية، وهو ما يدل على أن فرنسا وعبد الناصر يعملان معا وفق مصالحهما.
أحكمت مصر “جمال عبد الناصر” قبضتها على الجزائر سنة 1962 حتى وصل الأمر إلى استحداث لجنة مراقبة إعلامية على الجرائد الجزائرية يشرف عليها مصري مهمته مراقبة مقالات الصحفيين الجزائريين!
وهو ما جاء في المذكرة “أنه كان هناك تنسيقا إستخباراتيا مصريا فرنسيا بعد مجيء “ديغول” إلى السلطة، لإيجاد توافق بين “عبد الناصر” و”ديغول” على مستقبل القضية الجزائرية لخدمة مصالحهما على حساب مستقبل الشعب الجزائري، فقد نقل “توفيق الشاوي” الذي تربطه علاقات وطيدة بقيادة الثورة “المخطوفين” وبالأخص مع “أحمد بن بلة” و”محمد خيضر” وكيف نسقت المخابرات المصرية مع المخابرات الفرنسية، وهو نفس ما جاء في وثيقة مسربة من الأرشيف نشرتها مؤخرا جريدة “الخبر”.
ولم يتوان توفيق الشاوي عن نقل الأحداث بدقة حتى كيف دخل جيش الحدود على العاصمة فقد كان ضمن القافلة مصاحبا “لأحمد بن بلة” و”محمد خيضر” وقد أحكمت مصر “جمال عبد الناصر” قبضتها على الجزائر سنة 1962 حتى وصل الأمر إلى استحداث لجنة مراقبة إعلامية على الجرائد الجزائرية يشرف عليها مصري مهمته مراقبة مقالات الصحفيين الجزائريين!
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 6300
اخشى ما اخشاه ان يصب هذا التعليق في خانة اعداء الانتماء العربي للجزائر.وضرب العلاقة الاستراتيجية بين بلدين عربيين كبيرين مصر والجزائر.اما عن تصوير عبد الناصر بديغول فلن يخدم تاريخنا ابدا
تعليق 6301
سيفرح الشعوبيون والاقليميون القطريون واعداء العروبية بهذا فلنحدر
تعليق 6306
يا أستاذنا الفاضل مصطفى نويصر بصفتكم كمؤرخ وأستاذ جامعي ما كتبته في مقالي هي حقائق تارخية لها مصادر، والتاريخ كما تعلمون هو علم يبتعد عن العاطفة، ثم من قال أن جمال عبد الناصر يمثل الانتماء العروبي بحق، وهل قبل مجيئ جمال عبد الناصر لم نكن عربا؟
نحن نفتخر بانتمائنا العروبي وندافع عنه ولا نحتاج لجمال عبد الناصر وأمثاله الذين يتاجرون بانتمائنا العروبي لأغراض سياسية .
تعليق 6464
شكرا على مقالكم القيم استاذ بشير بن عيسى ارجو فقط ان تزودنا اذا امكن بتاريخ نشر الوثيقة التي ذكرتموها في مقالكم عبر جريدة الخبر حتى نراجعها و ايضا المصدر الاول الذي استشهدت به و هو للمؤرخ محمد العربي الزبيري فمن فضلكم نريد اسم الكتاب و الصفحة و في الاخير تقبلو منا خالص الاحترام و التقدير