زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

هذه قصة الرئيس الشاذلي مع الشيخ الغزالي

هذه قصة الرئيس الشاذلي مع الشيخ الغزالي ح.م

يواصل الكاتب الصحافي والإعلامي عبد العزيز بوباكير تناول العديد من المحطات التاريخية الهامة في حياة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، باعتبار أن الشخص هو كاتب مذكراته الشخصية وبالتالي من أقرب الناس المطلعين على حياة وأسرار الرئيس الشاذلي رحمه الله.

وروى بوباكير في منشور جديد ومطول عبر صفحته الشخصية على فيسبوك قصة الرئيس الشاذلي بن جديد مع الداعية الراحل الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، الذي عاش عدة سنوات بالجزائر بدعوة من الرئيس الراحل، الذي قال “أستطيع أن أزعم بأني أول من فكّر في بناء منظومة تعليمية إسلامية عالية في الجزائر. فبعد إلغاء معاهد التعليم الأصلي، كان لا بدّ من إعداد جيل جديد من الشباب متفقّه في الدين، مُدرك لمقاصد الشريعة، ومتفتح في آن واحد على حقائق العصر وعلى ضرورة تخليص الإسلام من شوائب الدجل والشعوذة، التي التصقت به طيلة عصور من الانحطاط المظلمة”.

وإليكم القصة كاملة كما يرويها الإعلامي عبد العزيز بوباكير

هذه قصة الرئيس الشاذلي مع الشيخ الغزالي

بقلم: عبد العزيز بوباكير

رحل عن هذه الدنيا الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، في السادس من أكتوبر 2012، وفي نفوس محبّيه حسرة، وفي صدور خصومه غصّة. رحل في صمت من دون توديع، لكن من دون أوهام. فالرجل طلّق السياسة والسياسيين، بعدما اقتنع أن السياسة مهلكة، وأن السياسيين مفسدة. وأشهد من خلال معاشرتي للرجل مدّة ستّ سنوات، أنه كان يرفض أيّ لقاء مع أيّ مسؤول، ما عدا أصدقاءه من المجاهدين. رحل وخصومه، الذين كانوا يشتمونه في السر والعلن، يترحمون على روحه في المقبرة، إما نفاقا، وإما سعيا لمنصب، وإما أملا في العودة إلى دفء موهوم لكرسي الحكم.
رحل وهو يودّعهم ويشيّعهم في المقبرة، وليسوا هم من ودّعوه أو شيّعوه، وكأني به يقول لهم: “هي لكم هذه المهلكة، وهي لكم هذه المفسدة التي تدعى السياسة”. رحل في عزّة نفس وكبرياء وإباء، لا يحقد على أحد، ولا يفكر في تصفية حسابات مع أحد، ولا يأمل من أحد أيّ رجاء. رحل وفي حُشاشة قلبه كلمة واحدة هي “الجزائر” في نجاحاتها وإخفاقاتها، في تألقها وفي كبواتها.
وأنا هنا لا أريد الخوض في أسرار الرجل، التي رحل جزء كبير منها معه إلى قبره، إنما أريد فقط أن أقدّم شهادته في رجل مرّ من هذا البلد وأحبّه وتحسّر له وبكاه. إنه الإمام محمد الغزالي. يقول الشاذلي بن جديد:
“أستطيع أن أزعم بأني أول من فكّر في بناء منظومة تعليمية إسلامية عالية في الجزائر. فبعد إلغاء معاهد التعليم الأصلي، كان لا بدّ من إعداد جيل جديد من الشباب متفقّه في الدين، مُدرك لمقاصد الشريعة، ومتفتح في آن واحد على حقائق العصر وعلى ضرورة تخليص الإسلام من شوائب الدجل والشعوذة، التي التصقت به طيلة عصور من الانحطاط المظلمة”. وما زاد في قناعة الشاذلي بضرورة الإقدام على هذه الخطوة هو ما كانت تشهده البلاد من صعود للتيارات الأصولية، وتحوّل الجامعة إلى بؤرة صراع حقيقي بين التيار اليساري والبربري وبين الإسلاميين بمختلف تلويناته. وهو ما كان يهدّد، في رأي الرئيس الراحل، بتوظيف الإسلام في غير ما جاء به، وما دعا إليه.

كانت الفكرة مجازفة حقيقية، خصوصا وأن الجزائر كانت تفتقر إلى كوكبة من علماء الدين والفقهاء الكبار، من أمثال عبد الحميد بن باديس. وقرّر الرئيس، من الناحية الرمزية، إقامة جامعة إسلامية بمدينة قسنطينة، وتسميّتها ببطل من الغرب هو الأمير عبد القادر. وأولى الموضوع جلّ اهتمامه، بمتابعة إنجازه ميدانيا، أو بالسؤال عن تقدّم الأشغال في مجلس الوزراء. وبالفعل، تمّ تدشين هذا الصرح المعماري سنة 1984، ووقع اختيار الشاذلي، باقتراح من الشيخ عبد الرحمن شيبان، وبعد مشاورات مع الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي ومولود قاسم، على العلاّمة الشيخ محمد الغزالي، للإشراف على إدارة هذه الجامعة.
كان الشاذلي في لقاءاته العديدة بالإمام الغزالي يتحدّث طويلا معه عن قصّة داوود عليه السلام، وكان الغزالي يحدّثه عن معاني تلك القصة، وكيف أن الله أتى داوود من فضله، وجمع له بين الملك والحكمة والنبوّة، بين خير الدنيا وجزاء الآخرة. وظل الشاذلي طيلة حكمه يردّد قوله تعالى: “يا داوود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله إن الذين يضلّون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب”.
يضيف الشاذلي بكل رزانته وطيبته: “الشيخ محمد الغزالي أشهر من أن يعرّف. فهو عالم متبحّر في علوم الدين والدنيا، اتصف طيلة حياته الدعوية بالوسطية والتوفيق بين الحقائق السماوية والدنيوية”. وكان الفقيد يتابع أحاديثه الرمضانية في التليفزيون باهتمام ومتعة، وحقا فهذه الأحاديث كانت فرصة لا تعوّض بالنسبة للجزائريين ليفتحوا أعينهم على المفاهيم الصحيحة في الإسلام. ولم يتدخل الغزالي، ولو مرّة، في شأن داخلي، وحتى قضايا الإفتاء كان يحيل، كما قيل لي، من يسأله فيها إلى الشيخ أحمد حماني. وكان يقول: “هو أدرى مني بالفقه المالكي”.
أحرج الشيخ الغزالي أكثر من جهة. فلا الجماعة، التي أسسّت فيما بعد الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت راضية عن أفكاره الإصلاحية المستنيرة، ولا بعض أتباع جمعية العلماء المسلمين، كانوا يقبلون بعض أطروحاته.
ولمّا اشتد عليه المرض استأذن الغزالي، بكل تواضع من الشاذلي مغادرة الجزائر. فطلب منه هذا الأخير أن يقترح عليه عالما آخر يخلفه في منصبه، فأشار عليه بالشيخ يوسف القرضاوي. وقال له إنه ضامن فيه، وفي علمه ونزاهته واستقامته. ويعترف الشاذلي أنه أحرج الغزالي، وهو يسأله عن راتبه وعن بعض الجوانب المادية. وكان ردّه: “رجاء سيادة الرئيس لا أحبّ أن أطرح معكم هذا الجانب”. كان رجلا، كما قال الشاذلي، فاضلا تقيّا زاهدا في الحياة، وكان أيضا يحب النكتة والفكاهة، خفيف الظل والروح، ككلّ المصريين.

كان الشاذلي يسأل عنه وعن أحواله باستمرار، وأوصى به خيرا كل ولاّة قسنطينة في تلك الفترة، وحرص على الاعتناء به، وبما يليق بمقامه الرفيع من احترام وتقدير، وبمكانته كعالم جليل. وظل الغزالي على اتصال بالرئيس بعد مغادرته إلى مصر، يسأل عنه وعن صحّته كلّ المسؤولين الجزائريين، الذين يلتقي بهم في القاهرة. وأنا، يقول الشاذلي: “إلى اليوم استغرب من أولئك الذين يتهمونه، رحمه الله، بأنه مهدّ الطريق للأصولية في الجزائر”.
وقد تألم الغزالي وبكى، وهو يسمع علي كافي، رئيس المجلس الأعلى للدولة، يقول عنه في القاهرة: “إنه هو من مهّد الطريق إلى الأصولية في الجزائر”. لقد هذّب الغزالي، في رأي الشاذلي، تصوّرات الجزائريين للإسلام، وكان دائما يدعوهم إلى الوسطية والاعتدال، والسعي إلى النظر إلى الإسلام في ما يحيط به من تحديات وصراعات. هذه شهادة الرئيس الشاذلي بن جديد، عن الإمام محمد الغزالي، وهذه شهادتي أنا أنقلها، من دون عاطفة، إلى القارئ، كما سمعتها منه.
.

المصدر من هنا

ads-300-250

1 تعليق

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

  • تعليق 6331

    د الخولى سالم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاك الله خيرا اخى على شهادتك والله ادمعت عيونى وانا اقراء هذه الشهادة لرجال عظام احبوا اوطانهم ودينهم واخلصوا فوفقهم الله ورحلوا عنا لكنهم تركوا تاريخا حافلا حفظ الله الجزائر ارضا وشعبا واغدق عليها من نعمه

    • 0

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.