أكاد أجزم أننا لا نملك نخبة مشرفة يمكن أن نعول عليها غدا في تحصين التراب من عبث العابثين..
وأكاد أجزم أن الذين أكلوا لحم البروفيسور محمد الأمين بلغيث لم يتابعوا تصريحه الذي استغرق 26 دقيقة..
وأكاد أجزم أن القلة القليلة التي تابعت الفيديو احتكمت إلى جملتين مبتورتين عن السياق.
هذه النخبة التي تدعي أنها ضحية محاكم التفتيش هي التي حلت محل هذه المحاكم بالدعوة إلى تجريم المؤرخ وسجنه للتغطية على تجاوزاتها أو تكريسها بالقوة بحثا عن الخبز المر، كما لا يحدث في تقاليد النخب الحقيقية التي لا تتنازل عن كرامتها خدمة للوبيات والمركزيات..
نخبة عملت على إقصاء فئات كبيرة باسم الديمقراطية وقيم الجمهورية التي لا تؤمن بها، كما لا تؤمن بالدستور إلا عندما يصب في مصلحتها.
ومع ذلك تحتقر هذه النخبة المتعالية كل من يخالف توجهاتها “الفكرية”، وهي تقمع الجميع وتحل محل الجميع تأسيسا على منطقها الوافد، وعلى قناعاتها التي تحمل العصا لتقويض متكٱت البلد باسم تنوير على المقاس، تنوير المكاتب والمؤسسات الضاغطة وترقية العصبيات.
ما هي مرجعياتك أيتها النخبة التائهة؟ أن تقارن البروفيسور بلغيث ببرنار ليفي، وتعتبره أستاذا أجيرا في التاريخ، وقزما وتاجر أيديولوجيات وساذجا، فذاك أمر لا يشرف الإنسان أن ينتمي إليها أو الحديث عنها خيرا أو شرا لأنها مجرد وباء وجب تجاوزه إلى الأهم.
نخبة يسارية ويمينية، كادحة وبورجوازية، شيوعية ورأسمالية، ثورية ومنبطحة، تنويرية وظلامية، طيبة وعدوانية، نخبة تمارس الرقابة على الجميع وتدعي أنها مقهورة.
@ طالع أيضا: لويزة ضالّة ومضلّة..!
هذه النخبة هي التي عملت على تشويه رموزنا التاريخية التي أضاءت حياتنا، وهي التي تعبث بدين الناس ومقوماتهم وثقافتهم نهارا جهارا.
نخبة عملت على إقصاء فئات كبيرة باسم الديمقراطية وقيم الجمهورية التي لا تؤمن بها، كما لا تؤمن بالدستور إلا عندما يصب في مصلحتها.
نخبة مع الدستور وضد الدستور، مع الجيش وضد الجيش، مع الشعب وضد الشعب، رجل هنا ورجل هناك في العواصم الغربية.
الخوف الحقيقي ليس من الأنظمة والدهماء، بل من هذه النخبة التي لا تستطيع مواجهة الحجة بالحجة وتعتبر الٱخرين قطيعا، ناسية أنها قطيع من منظور الٱخر، وجماعة من التيوس.
الخوف من هذه النخب التي تمتهن السلب والنهب وتبتز مؤسسات الدولة، تلك التي تعتبر الغراب حمامة، ثم تطالب بحبسك إن أنت قلت إن الماء ماء وليس ديكا أو عنزة.
محاكم التفتيش هذه هي التي تصنع خصومها بطرق غبية، ثم تعتبر الخصوم أعداء وجب التخلص منهم. لذلك كانت سعيدة بسجن الدكتور بلغيث، وهذا أمر مرعب ومقزز.
السيد رئيس الجمهورية المحترم: هؤلاء هم أعداؤك وأعداء الأمة وكبريت الفتن، وهم الذين سجنوا الدكتور بلغيث، وسيعملون على سجن غيره من الشرفاء لأنهم يسعون إلى سجن الوطن برمته، عربا وأمازيغ.
@ طالع أيضا: هل يستحق حوار “بلغيث” كل هذه الضجة؟
من منكم يستطيع الرد عليه براي مؤسس يضيء ما نجهله نحن القراء، دون اللجوء إلى الابتزاز والقمع خدمة للكيانات والأشخاص؟
من منكم يستطيع قراءة تصريحه قراءة علمية وعقلانية ودحض رؤيته بحكمة العارف، بعيدا عن الاسثمارات الأيديولوجية؟
بئس النخبة التي تقف مع القوي تلبية لمطالب كرشها، بئس المثقفون، وبئس الجامعيون الذين غلبتهم الجيوب والأمعاء فاحتموا بالصمت بانتظار أن يقفزوا على أول فرصة.
السيد رئيس الجمهورية المحترم: هؤلاء هم أعداؤك وأعداء الأمة وكبريت الفتن، وهم الذين سجنوا الدكتور بلغيث، وسيعملون على سجن غيره من الشرفاء لأنهم يسعون إلى سجن الوطن برمته، عربا وأمازيغ.
الوطن الواقف يزعجهم كثيرا، وهم يريدونه قبائل وطوائف.
المجد للبلد، والمجد للشهداء، ولأجدادنا الذين لم تفسدهم الثقافات والملل والنحل والشهادات والعصبيات لأنهم كانوا جزائريين أحرارا في أرض جامعة، وكفى.
إن الأمية التي توحد الأمة أفضل من العلم الذي يدمر نسيجها، وأفضل من الانتماءات الحزبية التي تجعلها شذر مذر.
أما بلغيث فمكانه الجامعة لأن السجن للصوص، وللذين يريدون أن يكون الوطن قاعا صفصفا.
أخيرا أيها القارئ: قلة الأدب ممنوعة في صفحتي، مهما كانت، ومهما كنت..
@ طالع أيضا: الداب والبردعة…!!!
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.