كان الصحفي القدير بالتلفزيون الجزائري أحمد فاضلي أطال الله في عمره، أحد مرافقي الرئيس هواري بومدين في أول زيارة له لمصر سنة 1967 حينما ألقى خطابه الشهير وهدد إسرائيل من منبر مجلس الأمة المصري..
وفِي نقله للمباحثات الثنائية بين بومدين وعبد الناصر ثم خطاب بومدين في مجلس الأمة على أمواج التلفزيون الجزائري، إنزلق لسان أحمد فاضلي وقال كلمة تقطع عليها الرقاب في إعلام الحزب الواحد!!، قال: “والآن يدخل مجلس الأمة المصري الرئيس الزعيم جمال عبد الناصر مرفوقا بأخيه الرئيس أحمد بن بلة”!!! عوض أن يقول مرفوقا بالرئيس هواري بومدين.. وبث هذا الكلام ليسمعه كل الشعب الجزائري، ولم يتفطن فاضلي لخطئه الجسيم إلا بعد أن وقعت الفأس في الرأس، وتحول حينما جسده الى مجرد شبح من شدة الرعب الذي سكنه والذي لا تقل عقوبته في تلك الأجواء المشحونة عن السجن المؤبد..
إنقلبت الجزائر رأسا على عقب وما هي إلا ساعات حتى وصل تلكس من مديرية التلفزيون الجزائري إلى البعثة الجزائرية في القاهرة يتضمن إنهاء مهام الصحفي أحمد فاضلي وإحالته على لجنة التحقيق وإلزامه فورا بالعودة الى أرض الوطن.
كان أحمد فاضلي حينها معزولا في إحدى غرف الإقامة منذ ارتكابه تلك الزلة القاتلة، لكن عندما سلم له هذا التلكس أصبح جثة بلا روح، كل ذلك ولا أحد يعرف ردة فعل الرئيس بومدين من هذه الفعلة الشنيعة خاصة وأن الأمر يتعلق بالرئيس بن بلة الذي كان حينها مسجونا وممنوع الحديث عنه حتى همسا!!
ما إن حدق فيه بومدين حتى عرفه وعرف أنه في وضع يرثى له بعد الذي وقع.. قال الرئيس “واش سي أحمد وقيل ما عجبتكش.. تبهدل فيا قدام المصريين”!! رد أحمد فاضلي: حاشا سيدي الرئيس الله غالب..
حاول فاضلي الاتصال مباشرة بالرئيس بومدين حتى يشرح له الموقف الذي لا يحتاج أصلا الى شرح، لكن الحاشية المحيطة بالرئيس منعته وكانت تنظر اليه مثل البعير الأجرب الذي لا ينبغي الإقتراب منه أو الحديث معه.
فكر أحمد فاضلي مطولا ثم إهتدى الى فكرة هي أقرب إلى المجازفة حينذاك، حيث تنكر وأخفى ملامحه عن الوفد الجزائري ثم انسحب حيث إقامة الرئيس بومدين، وتودد إلى مصالح الاستقبالات والبروتوكول الخاص بالرئيس بومدين وحدثهم بلهجة مصرية متقنة.. “أنا صحفي مصري عاوز أعمل حوار مع الرئيس هو وعدني مبارح بحوار للجريدة ألي بشتغل فيها وأنا جيت في المعاد المحدد”!! استغرب الحرس الخاص بالرئيس أنهم ليس لديهم علم بهذا الموعد لكن وتحت إلحاحه دخلوا على الرئيس في جناحه وأخبروه أن صحفيا مصريا، يريد مقابلته فما كان من الرئيس بومدين إلا أن وافق وأمرهم بإدخاله!!
دخل أحمد فاضلي على الرئيس جناحه الرئاسي وركبتاه ترتعشان رعبا، وما إن حدق فيه بومدين حتى عرفه وعرف أنه في وضع يرثى له بعد الذي وقع.. قال الرئيس “واش سي أحمد وقيل ما عجبتكش.. تبهدل فيا قدام المصريين”!! رد أحمد فاضلي: “حاشا سيدي الرئيس الله غالب قبل سنتين كنت أرافق الرئيس بن بلة هنا في نفس الموقف وهو يلقي كلمة أمام مجلس الأمة المصري، فتذكرت استقبال المصريين له بالنفس الطريقة التي استقبلوك بها، وانزلق لساني بما سمعت”..
عاد أحمد فاضلي إلى الجزائر مبتهجا وسط فورة مسؤوليه ومرؤوسيه الذين أرادوا أن يكونوا ملوكا أكثر من الملك لذبح صحفي زلت به لسانه وكادت تقطع رقبته!
انطفأ غضب بومدين لصراحة الرجل وقال له خلاص سي أحمد روح تخدم على روحك!! رد فاضلي: “وش نخدم سيدي الرئيس جاءني تلكس من الجزائر يتضمن وقفي عن العمل وإحالتي على التحقيق وأنا لا يهمني الآن الا عفوك سيدي الرئيس”! رد بومدين: “قتلك روح تخدم سي أحمد واحد ما يمسك”!!
وعاد أحمد فاضلي إلى الجزائر مبتهجا وسط فورة مسؤوليه ومرؤوسيه الذين أرادوا أن يكونوا ملوكا أكثر من الملك لذبح صحفي زلت به لسانه وكادت تقطع رقبته!
كل عام وأنتم بخير
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.