الفتوحات الغربية والأمريكية لبلاد العرب من الخليج، حيث الخراج النفطي يسكب ويشرب بلا قتال ولا نزال، إلى المحيط، حيث مسلسل الإطاحة والإحاطة بثروات السقاية بشتى الطرق والفرق ''الشعبية'' المتنافرة، انتهت (أي الفتوحات) إلى تجلي أهداف ووسائل الغزو بعدما تعرت ملامح المارد النفطي بليبـيا، ولم يعد هناك داع لكي يتستر حلف الناتو وأمريكا بورقة المدنيين لكي يبررا أن المرحلة الأخيـرة من لعبة ''الديمقراطية مقابل النـفط'' قد وصلت إلى محطة التعري والمجون العلني الذي صنف الأوطان العربية في مرتبة المدجنة التي نزعوا عنها حتى شرف أن تصنع معركة تعبر بها عن ''وقوقتها'' كنوع من أنواع الاحتجاج قبل النحر، وذلك حينما أضحى احتلال أي بقعة عربية من طرف كبار العالم لا يستهلك إلا شلة من المسـتشارين العسكريين وعدد من ''طائرات'' بلا طيـار تفي بغرض الغزو الهادئ و''النوم'' العادي في غرف نومـنا وبين ظهرانينا متى شاءت لهم أهدافهم...
بريطانيا العظمى تقرر إرسال مجموعة من المستشارين العسـكريين لتدريب و”توضـيب” ثوار (؟؟) ليبيا الذين فشلوا في ميدان ”الكر والفر” أمام قوات قذافي معتوه مازال يصول ويجول، وأمريكا أوباما التي سحبت في الأيام السابقة قواتها الجوية من سماء القصف الليبي بعد خلاف بين الحلفاء حول توزيع الريع تعود لساحة المعركة، لكن بصيغة وصبغة لا تحتاج إلى طيارين بقدر ما تحتاج إلى طائرات متحكم في قصفها ونسفها عن بعد.. والنتيجة في تطور و”تهور” الأحداث بأرض عمر المختار، أن الغرب بشقه الأمريكي أبلغ أمة الثورات أن استعمار أي قطر عربي، مهما كان موقعه وموضعه التاريخي، لم يعد يحتاج إلى جيوش وإلى حاملات طائرات ودبابات وخطط عسكرية بعيدة ”الردى”، وإنما يكفي طائرة دون طيار، وشلة بعدد أصابع اليد من مسـتشارين عسكريين مكلفين بمهمة تدريب وتكوين لصالح ثوار برروا تقهقـرهم أمام قوات القذافي باستعانة هذا الأخير بالمرتزقة، ليحلل ذات الثوار استعانتهم بمرتزقة بريطانـيا مقابل ما قال عنه عبد الجليل أو ”الذليل” الليـبي منا النفط ومنكم القصف وبيننا أمور متشابهة..
دبلجة الخرائط العربية وإعادة صياغة حدودها وفق ما تقتضيه ضرورة سقاية ووصاية النفط العربي، لم تنتج لنا اختلالا في جغرافية الأوطان فقط، ولكنها أخلت حتى بالمفاهيم الأساسية لما كنا نعرفه عن مسلمات كانت مرتبطة بمعاني الثورة والاحتلال وغيرها من شعارات ومعانٍ تبدلت أوصافها كما تبهدلت ”أوطاننا”، لأن العولمة مسخت كافة المعايير والقيم المتعارف عليها، لتتغير المصطلحات ويصبح الغزو البري لليبيا استشارة عسكرية، فيما يصبح التدخل الأجنبي بقوة القصف والنسف مهمة إنسانية لا علاقة لها باحتلال وانحلال وصل منتهى خبله وتميعه بعدما أفرزت لنا ثورات ”آخر زمن” عجزا حتى في تجريد وتحديد من الثائر ومن ” البائر” بليبا وتونس وبمصر العظـيمة بقهر من كان رئيسها وهو في عز ”فراش” المرض والعجز والتهاوي المطلق لمفاهيم تم التلاعب بها أمميا وفق ما أقره وضع دول بلا سيادة وطائرات بلا طيار تطوع بها أوباما أمريكا لمساندة ثوار (؟؟) تكفي ثورتهم المقدسة (؟؟) طائرة وطيار آلي متحكم فيه عن ”غد” وعن بعد حتى تنتهي بلدان وأنظمة وتولد من رحم الثورة صفقات معولمة، لم يعد هناك من حرج لكي تتحرر من أي غطاء خفي حتى تبرر احتلالها للعقل قبل الوطن العربي بعدما نزلت بريطـانيا ببر ليـبيا لكي تدرب ”الـثوار” كيف يستشهدون بالنـيابة عن جنود مملكة صاحبة الجلالة الذين دخلوها مستـشارين لا محاربين..
ما الفرق بين مرتزقة القذافي الذين كشفت صحيفة ”صنداي تايمز” البريطانية أنهم يحاربون تحت تأثير ”الفياغرا” الجنسية التي يتزودون بها من سيف الإسلام (؟؟) وبين ”مرتزقة” بريطانيا وأمريكا الذين استعان بهم الثوار مقابل المنشطات ”النفطـية” المعروضة في سوق ”القصف مقابل النفط”؟ وهل ما هو حلال على الثوار حرام على القذافي؟ كلاهما مجنون وكلاهما مبتذل وكلاهما مسوق جيد لبضاعة التلاعب بتاريخ ومستقبل ليبيا المأزومة في بوار ثوراها قبل بوار كتابها و”كذابها” الأخضر، بعدما اختلط الحابل بالنابل ولم نعد نفرق بين الشهيد وبين ”اللقيط” في ساحة حربها وحلبها من طرف مرتزقة الحروب، فجميعهم تجار ووحدها أرض عمر المختار تعيش زمن البيع بالتقسيط والتنشيط الجنسي أو النفطي لساحة قتال لا شهيد فيها إلا من ثبت في تحليل دمه أنه لم يتناول عقارا فياغريا أو عقارا نفطيا..وضع ليبيا انتهى إلى الفوضى…
فوضى عارمة قبل أن تخل بأمن ووجود البلاد، أخلت بقيم ومفاهيم كانت من المسلمات فإذا بحرب العشيرة تلغي كل ما كان ثابتا من مبادئ غير قابلة للمقايضة بعد أن أصبحت الاستعانة بالتدخل الأجنبي العسكري نوعا من أنواع الثورة، كما تحول الإنزال البري لعسكر مملكة صاحبة الجلالة إلى جه من أوجه الاستشارة الثورية المستحبة. والسؤال العميق في معادلة تبادل الأدوار الثورية بين طرفي النزاع، أين الثورة ومن الثور في ساحة ليبيا؟ فقد انتهى زمن التخفي وراء الشعارات ولم يعد خافيا على أبسط وأصغر ساذج أن فوضى ليـبيا لا ثائر ولا ثأر فيها إلا ثأر النفط ومن يستحوذ على أكثر الآبار فيه ليقايض به مددا من مرتزقة لا يهم إن كانوا من ”سود” إفريقيا أو من ”بيض” أوروبا وأمريكا…
وحده أوباما أمريكا الذي رفض أن يؤجر أرواح جنوده ويدفع بهم إلى المستنقع، فاهتدى إلى فكرة طائرة بلا طيار، يعني سيارة بلا سائق، وبغض النظر عن إستراتيجية الطائرة الإلكترونية التي يراد لها أن تفصل في موضوع ”قذافي” لم تفصل فيه طائرات قصف قاد قصفها أكثر من شهر من النسف، طيارون حقيقيون، إلا أن الثابت في رسالة ”طائرة بلا طيار” أن أوباما أبلغنا رسالة مفادها أن الأوطان العربية نزع عنها حتى شرف ”الاحتلال” بعد معركة، فيكفي ”فايس بوك” وعبد ”ذليل” أمريكيا ثم طائرة بلا طيار.. وبعدها أهلا بكم في ليبـيا كما يشرفنا حضوركم في محكمة القاهرة لمتابعة مشهد الثورة التي تدفع نزيل الغرفة رقم 309 بمستشفى شرم الشـيخ إلى ذرف دموع القـهر لأن عدالة الثورة أحسنت عن جدارة و”استرقاق” إهانة عزيز قوم ذلّ.. وأقصد بالنزيل حسني مبارك الذي صورّت صحيفة الفجر المصرية موقف إذلاله في خبر معنون بالمهمة المستحيلة لنقل مبارك من شرم الشيخ، وملخص القصة أنه في الساعة الثالثة من يوم الاثنين الماضي توجه خمسة مسؤولين أربعة منهم من مكتب النائب العام المصري، فيما خامسهم لواء في الجيش، إلى جناح الرئيس السابق في مستشفى شرم الشيخ وكانت مهمة هذه المجموعة نقل مبارك إلى المركز الطبي العالمي، لكن ما إن دخلوا عليه حتى أصابته حالة من التشنج العصبي مصحوبة ببكاء شديد صحبه تشبث بالسرير تخلتله عبارة عاجزة وحزينة من رجل كان الأقوى في مصر لكنه صرخ من القهر كطفل رضيع: ”إنتو حتحبسوني”.
oussamawahid@yahoo.fr
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.