بالأمس، خصصت قناةٌ تلفزيونية ساعةً كاملة للحديث عن "أخطاء حكم"، وقبلها، فتحت قناةٌ أخرى برنامجًا تحليليًا مستمرًا لنقاش القضية نفسها، مستعرضةً تفاصيلها كما لو كنا أمام حدثٍ جللٍ لا يحتمل التأجيل..
ولكن، ماذا تغيّر بعد هذه التحاليل والانفعالات عقب مباراة للكرة؟ هل تحسّن حال الكرة؟ أم أن الأمور زادت احتقانًا؟
كيف نرتقي بالممارسة الرياضية؟ كيف نعلّم أبناءنا أن الرياضة، قبل أن تكون فوزًا أو خسارة، هي تهذيبٌ واحترام، والكرة في جوهرها مجرد لعبة لا غير؟ كيف نستعيد ما ضاع من قيم وسلوك واحترام وتقدير وأخلاق؟
@ طالع أيضا: كرة القدم تزداد مللا.. أتعرفون لماذا؟!
كان الأجدر بتلك القنوات الإعلامية، التي تملك كل هذا التأثير، أن تُخصص وقتها أو جزءً منه لما هو أسمى:
كيف نرتقي بالممارسة الرياضية؟ كيف نعلّم أبناءنا أن الرياضة، قبل أن تكون فوزًا أو خسارة، هي تهذيبٌ واحترام، والكرة في جوهرها مجرد لعبة لا غير؟ كيف نستعيد ما ضاع من قيم وسلوك واحترام وتقدير وأخلاق؟
هذه البلاتوهات تتغذى على الجدل ولا تعكس الواقع كما هو، بل تصنع واقعًا يتماشى مع رؤيتها التجارية.
تُضخم لقطةً، وتهمش أخرى، تركز على حادثة وتغض الطرف عن سواها. تمنح الانطباع بأن هناك فرقًا محمية وأخرى تُترك بلا صوت..
لكن حذار… الفرق الجماهيرية التي تحظى بالأضواء ليست محمية كما قد يُظن، بل هي محاصَرة، تتعرض لضغوط أكبر، وتتعب أكثر داخل وخارج ملاعبها.
يتعامل المنافسون معها بشراسة، فيما يفرغ الجمهور في هذه الفرق كل نقمته على الإعلام وعلى تهميشه.
وعندما تختزل البطولة في مجموعة من الفرق، ويتم دفع البقية إلى الهامش، ينشأ شعور عام بالمظلومية بين جماهير كل الفرق الأخرى أن الملعب مائل في شاشات البث. فيحاولون إعادة موازنته من خلال الرد في المدرجات وهنا يتأجج العنف.
إن الضغط الإعلامي الممنهج والموجه، والتهويل المستمر، والتعامل مع كرة القدم كما لو كانت شأنًا سياديًا ومصير أمة، يطرح سؤالًا حقيقيًا:
إلى أين سيمضي بنا هذا الخطاب؟ وما مآلات هذا الانفلات في ظل غياب كامل لسلطة السمعي البصري؟
هي ليست مصير أمة. فالفوز في مباراة لن يصعد بالاقتصاد الوطني، والهزيمة فيها لن تغير من الوضع المعيشي للمواطن.
@ طالع أيضا: “صادي” سيكون كابوسًا لهم في “الكاف”..؟!
لقد ترددتُ كثيرًا قبل أن أكتب هذه الكلمات، ولكنني اليوم قررت أن أعبّر عن موقفي.
أنا ابن هذا الميدان، أعرفه جيدًا وأتوجه إلى زملائي في الإعلام المرئي ناصحًا، علّني أنبّههم لما قد يغيب عن أذهانهم: ما يُزرع في عقول الجماهير عبر هذه البرامج، سواء كان عن وعي أو دون وعي، لا يزيد النفوس إلا تأجيجًا .
لقد كنتُ مثلهم، أظن أن كرة القدم هي أمر جلل، قبل أن أكتشف مع مرور الوقت والنضج أنها ليست سوى رياضة. خلقت من أجل المتعة والتعارف والتنافس الشريف.
هي ليست مصير أمة. فالفوز في مباراة لن يصعد بالاقتصاد الوطني، والهزيمة فيها لن تغير من الوضع المعيشي للمواطن.
عودوا إلى رشدكم، عودوا إلى المنطق والعقل والموضوعية واتركوا المبالغة والتعصب والتشجيع جانبًا.
واللهم إني بلغت.
@ طالع أيضا: أنانية لاعبي الكرة.. أنا أو لا أحد!
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.