منذ سنوات طويلة لم تعرف الجزائر ومدنها موجة إحتجاجات بهذا الحجم الذي دشنت بها العام الحادي عشر بعد الألفين بإستثناء تلك الصراعات والمناوشات التي كانت تصاحب مقابلات ومواجهات كرة القدم التي في الغالب كانت تنطفيء شرارتها قبل إشتعال فتيلها ويغادر الجميع الشوارع والأحياء باتجاه منازلهم..
لكن ماحدث في الأيام الماضية جعلنا نطرح العديد من التساؤلات عن من حرك هذه الإحتجاجات الشعبية والشعبوية وهل هناك فعلا أطراف في سقف السلطة أرادت أن تطفئ على هذا الشعب النور وتدخله في ظلمات التكسير والتخريب مرة أخرى وتحقنه بإبر العصيان ورشق قوات الأمن ومكافحة الشغب .
-إن الحقيقة التي يجب أن نقف عليها هي أن سوء الإهتمام الإحتماعي و غياب العناية الحكومية بهموم المواطن البسيط هي التي تقف وراء هذا التفرقع الشعبي بعدما وجد الزوالي في باب الواد والحراش والحمري وغيرها من أحياء الجزائر نفسه وفي ظرف أيام قليلة من دخول العام المخيب إجتماعيا في بدايته مجبرا على إخراج كل مكبوتا ته حتى ينقذ نفسه من الإنفجار الصحي الذي قد يصيبه ويدخله في دوامة الأمراض المزمنة واضعا إعتقادا وثيقا بأنه سوف لن يستمر في الحياة طويلا طالما وأنه سيصبح مخيرا بين شراء الدواء لعلاج نفسه من الموفيسة التي أصابته أو شراء قارورة زيت وبعض الغرامات من السكر والعدس والحمص التي تقوته وتقوت عائلته الفقيرة التي لم تعد تقدر على مواكبة لهيب الأسعار والثمار بمدخول متواضع يجعلها تفرط في الكثير من الضروريات بعدما تيقنت بأن أبواب الرغبة في العيش قد أغلقت في وجهها و لا يحق لها الإعتراض أو إكثار الكلام .
-إن التحليلات التي سمعتها وشاهدتها في القنوات العربية والأجنبية التي غطت عملية الاحتجاج وعبر عنها مختصين وأساتذة وسياسيين حملت كلها تفسيرات متناقضة فيما بينها فهناك من ربطها بإختفاء الرأي المعارض من طرف الطبقة السياسية التي أكلت معظمها الغلة ولا يجب لها أن تسب الملة لأن الكلام في مثل هذه المواضع أصبح ممنوعا حتى لا يوضع في قائمة المغضوب عليهم ، ومنهم أيضا من يرى بأنها موجة غضب فوضوية أرادت من خلالها تلك العائلات والأسر التي هدمت منازلها الفوضوية في الشهر الماضي أن تعيد الإعتبار لنفسها من خلال تحسيس السلطات بأنها فعلا عاقبتها أبشع عقاب عندما قامت بتحطيم مساكنها القصديرية ومنهم من يرى بأن الشباب الجزائري المحتج في هذه الأيام أصابته العدوى التونسية بعد الأحداث الأخيرة التي تمر عليها الدولة الجارة .
-لكننا مهما سعينا وسعى أهل الإختصاص لتفكيك شفرة الموجة الإحتجاجية سنجد بدون شك بأن ذلك قد يكون صعبا لإرتباط ذلك الغضب الجماهيري بأمور عديدة أفرزتها السياسات الخاطئة والإجراءات الجديدة التي حملها قانون المالية وبقية القوانين المكملة له التي لم تأخذ في الحسبان الخضوع الخيالي للسوق التجارية وسوق الاستيراد للمواد الواسعة الاستهلاك للامتصاص الضريبي الذي أدخل شعبان في رمضان منذ سنوات طويلة وأعطى لنا محرما بعدم الإمتثال على حساب الخسارة من قبل جل الرؤوس الكبيرة في عالم الصنع الغذائي والتجارة بالجزائر الذين أصبحوا يتحكمون في قوانين اللعبة ويفرضون منطقهم على هيئات الدولة التي تركت سفنها تغرق ولم تنتبه لذلك إلا بعد أن “هاجت الحالة “وأصبح إنقاذ السفينة يتطلب تقديم تنازلات لقراصنة السكر والزيت وأرغم هذا الهيجان مسئولينا على إخراج زكاة التخريب والتحطيم الذي طال مقرات مؤسسات الدولة والخواص من الرسوم والأتاوي الضريبية على تلك المواد التي خيل لهم بأنهم قاموا بتحصيلها .
(*) صحافي جزائري
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.