باتت حياة الناس متعلقة بما يتم نشره وتداوله على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وارتبطت مشاعرهم تماما بشائعات عارية من الصحة، ولا تعتمد على مراجع دينية ومقاييس عقلانية ومعايير دقيقة مما خلق حالة من الهلع والذعر في النفوس تؤثر سلبا على الأفراد والمجتمعات أيضا.
فمن نظرية المؤامرة والزلازل المفتعلة وتصريحات بعض الأشخاص الذين يظهرون بين فترات مختلفة على مختلف هذه الوسائل الحديثة انتشرت أفكار غريبة وأخبار زائفة تسعى لخلط أحداث الحياة الواقعية.
يمكن ملاحظة تزايد نسبة عمليات البحث حول مشروع الشعاع الأزرق، سلاح هارب HAARP، وانتشار الحديث عن سيدة مصرية تدعى الدكتورة مايا صبحي والتي خرجت بتصريحات عام 2013م عن حرب فيروسات لمنع الحج والصلاة الجماعية في المساجد..
وتكلمت عن الزلازل والطاقة السلبية ومخططات الماسونية وغيرها من المواضيع التي جعلت فئة كبيرة من الناس تنساق وراء تصريحاتها، ولا أحد لحد الساعة يعرف حقيقة هذه المرأة المثيرة للجدل والتي ظهرت من العدم ثم اختفت، لتظل تسجيلاتها تظهر في كل مرة لتؤكد أن الأمر دُبر بليل من أجل زرع القلق وتشويش الأفكار.
يجب التنبه لهذا المخطط الدنيء بالحرب النفسية والثقافية على العقول لزعزعة الايمان وضرب العقيدة الصحيحة، فمهما توالت الكوارث الطبيعية وتزايدت الأزمات على الإنسان أن يفكر بإيجابية، ويحلل ما حوله بما لا يعارض الإيمان ويستنير بالعلم.
فمثلا الزلزال ظاهرة طبيعية تتمثل في ارتجاج الأرض بشكل مفاجئ نتيجة نشاط الصفائح التكتونية، حيث تتحرك ببطء لمدة طويلة، وعندما تتعثر حوافها يزداد الضغط فتزيد سرعتها وينجم عن ذلك اهتزازات وتصدعات على مستوى القشرة الأرضية.
هناك زلزال رئيسي وهو الذي تكون شدته كبيرة إذ تسبقه هزات أولية وتكون أقل درجة، ثم تعقبه هزات ارتداديه أخف منه قوة.
وعادة ما يخلف الزلزال دمارا هائلا، وخسائر بشرية ومادية جسيمة، ولكن هذا الحدث ليس ظاهرة كونية طبيعية فحسب، إذ أن كل ما يجري في الكون لا يحدث صدفة أو عبثا..
فقد قال تعالى: “أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ” (المؤمنون: 115)، فما يدور من أحداث ويطرأ من تغيرات كله من تدبير الخالق، فهو الحاكم الفعلي للعالم وشؤون الخلق..
وإن كان الظاهر أن الظواهر مرتبطة بأسباب طبيعية فإن لها دلالات على النعم والعقوبات، حسب أحوال العباد إما جزاء بالإنعام والإحسان، أو بالعقوبة والبلاء كما دلت على ذلك نصوص كثيرة من القرآن الكريم.
إن التفسيرات الطبيعية كتغير المناخ بارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها وحركة الصفائح التكتونية، ودوران الكرة الأرضية مسببات لحدوث الزلزال أو حتى لو كان بالفعل اصطناعي بمزاعم أنه نتاج سلاح جديد لبرنامج هارب “HAARP” الأميركي، تتغافل عن الحقيقة الأعمق التي لا ينكرها إلا ملحد جاهل بالقدرة والإرادة الإلهية هي أن اهتزاز الأرض ما هو إلا نتيجة انتشار الفساد وارتكاب المعاصي والذنوب، وتطاول الناس على المقدسات، وهضم الحقوق وكثرة المظالم.
فما يدبره أعداء الإنسانية ويزرعونه من فتن ويحيكونه في الخفاء يعلمه الله ولا يحدث إلا بمشيئته، ولو كانت لهم قدرة فلماذا لا يمنعون الموت عن أنفسهم، هذا لا يعني التواكل وتركهم يفعلون ما أرادوا بل يجب التصدي لهم بالإيمان والعلم والعمل غير أن تدبيرهم لن ينجح ما لم يأذن الخالق بذلك فكل الخلق طوع أمره وما شاء كان وما لم يشأ لن يكون.
فلا تتعارض النظريات العلمية مع الفطرة الإيمانية أبدا، لأن الدين الصحيح والعلم النافع يسيران على نهج واحد.
قال تعالى: “وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”.. (الرعد: 4).
ويأتي بعدها التخويف من موجة الجفاف، ونتغافل عن أن السماء إذا شحت، وعزّ المطر، وقست الأرض فلا بد أن ذلك انعكاس لشح النفوس وقسوة القلوب..
فداء الجفاف والقحط من الذنوب والمعاصي، ودواؤه التوبة والاستغفار والعمل بصدق وإخلاص، وقد قال الله تعالى: “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا” (سورة نوح/ الآية:10).
فكل ظاهرة طبيعية ليست مجردة وتعتمد على وسائل مادية لدراستها وتحليلها فقط، بل لها بعد آخر فسره طريق الوحي الغيبي بوضوح لأنه أدق ومنزه عن الخطأ، وفيه ما يحمل مواعظ وعبر للمؤمنين، وزجرا للمذنبين لعلهم ينتهون عن معاصيهم..
فمن ينكر ما يحدث في العالم من تجاوزات ومخالفة للفطرة، عمت مظاهر الفساد وبكل أنواعه غزت البيوت، والشوارع،والأسواق، رشاوى، غش، مجون، فلم تعد المنكرات حكرا على أماكن مشبوهة، وإن لم يقصدها المرء فهي تقصده وتلج بابه وإن أغلقه تدخل عبر نافدة الأنترنت.
بل يتضح جليا تمادي البعض وتباهيهم بما يتجرؤون عليه من معاصي ويتفاخرون بالمجاهرة، وأبسط مثال على ذلك الفيديوهات المنتشرة على نطاق واسع وتدعو لكل خلق وضيع وتصرف ماجن.. هذا نشر للإلحاد، وتلك دعوة لنصرة المثلية، أو ذاك ترويج للإباحية على أنها عصرنة وتحرر حتى في عقر ديار البلدان الإسلامية التي يعد ذلك محرما في شرعتها فضلا عن كونها مجتمعات محافظة تعتبر كل تجاوز عيبا وعارا.
أن يضرب زلزال بقوة 7.8 درجات وأكثر أمر على الإنسان التدبر فيه، ومحاولة العمل على تجنبه بالرجوع لله والاستعادة به من غضبه، فلا ملجأ لنا منه إلا إليه، كما أن البلاء قد يكون عاما فيصيب حتى من لم يشارك في الإفساد إلا أنه رضي أو سكت عنه.
للاستقامة فوائد عديدة على الفرد ومجتمعه سواء اجتماعيا اقتصاديا سياسيا… إلخ، فاستكمال فضائل النفس والسلوك الحسن هو صلاح للوسط الذي نعيش فيه وتحقيق للامتياز علما وعملا ونجاحا دينيا ودنيويا فهل سنخسر شيئا إن استقمنا؟ ولكننا سنخسر الكثير خلاف ذلك إن لم يكن خسران كل شيء، ويمكن الاعتبار ممن وفقه الله لحسن الخاتمة ومات تحت الردم وهو يردد الشهادة.
لعل البشر لم ينتبهوا أو يهتموا لما حمله وباء كورونا من إنذارات فلحقته الزلازل تباعا، وتخوفهم من اقتراب يوم القيامة ونظرية المؤامرة والماسونية وغيرها من المخاوف له حل واحد هو تقوية الإيمان والاعتماد على الله تعالى والرضا بقضائه واتباع نهج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فقد نبه وأوصى وعرض كل ما سيكون، فلماذا هذا الدجل واتباع الأكاذيب والتلفيقات من هنا وهناك، من أراد الخلاص حقا، عليه الإكثار من الاستغفار والدعاء الصادق والتضرع والتصدق والعمل بإخلاص للبناء والتعمير السليم بما ينفع لعل الله يبعد عنا البلاء.
@ طالع أيضا: “سونيتكس”.. من اغتال “عملاق الصناعات النسيجية” في الجزائر؟
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.