عناوين فرعية
-
حركة مجتمع السلم في مؤتمرها الثامن
لم يخالف مؤتمر حركة مجتمع السلم الثامن ما كان متوقعا منه، فقد خيم عليه الهدوء والسكون السياسي، مستجيبا بذلك لحالة الرتابة السياسية التي تطبع المشهد، أو هكذا بدا الأمر في ظل تراجع الفاعلية السياسية في المشهد السياسي بشكل عام..
كان من الأفضل لتلك الأحزاب والحركات السياسية، ومنها حركة مجتمع السلم، أن تجعل من محطاتها السياسية الهامة كمحطة المؤتمر، مناسبة وفرصة سياسية للعمل على تعديل ذلك الاستقطاب السياسي في العملية السياسية نحو النظام السياسي، وتوجيهه نحو المجتمع من جديد..
وهو باعتباره حدث سياسي يهم بالأساس أبناء حركة مجتمع السلم ومناضليها، فإن المؤتمر يعتبر من وجهة نظر أخرى مؤشرا مهما على طبيعة الحياة السياسية ومدى نضجها وتطورها، ذلك أن المؤتمرات السياسية هي بشكل أساسي فضاءات للنقاش والتداول السياسي، في ما يتعلق بالشؤون الخاصة والعامة بالضرورة، وبالتالي يجب عليها أن تعكس ما يجري في الشأن العام بالتعبير عن اهتماماته وقضاياه المختلفة، وليست فقط محطة لتناول الشأن الداخلي وتقييم مختلف الرؤى والاستراتجيات.
وبهذا الخصوص يمكن ملاحظة أن الساحة الحزبية السياسية في الجزائر تشهد انحصارا غريبا لمساحة النقاش السياسي العام في مؤتمراتها وتقدم النقاش السياسي الخاص، وربما يغطي هذا على ذلك، كما تفتقد لممارسات سياسية سليمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالانتقال السياسي للقيادة السياسية فيها، وهو ما يمكن ملاحظته بشكل جلي في مؤتمر حركة مجتمع السلم الثامن، الذي نسعى إلى تحليله في هذا المقال، عبر تناول فرضية عامة، تحاول أن تستجلي جدلية الممارسة السياسية والانتقال القيادي من خلال هذا المؤتمر.
ربما يكون لطبيعة القضايا التنظيمية التي تهم الساحة الحزبية ومنها حركة مجتمع السلم، وقعها في وسم المؤتمرات الحزبية بالطابع التنظيمي، ولكن هذه المسألة تأخذ أبعادا أخرى، تجعل من مختلف التنظيمات السياسية وغيرها تتمحور حول ذواتها التنظيمية..
ولعل من أهم تلك الأبعاد طبيعة العملية السياسية في الساحة الجزائرية، التي يبقى محورها الأساسي هو النظام السياسي وليس المجتمع، فالحياة السياسية هي حياة سلطوية، تقوم على إدارة النفوذ السياسي، الذي يتيح لهذه الأحزاب ولغيرها ممن يهتمون بالشأن السياسي العام، بعض المكتسبات السياسية، وفقا لما تقتضيه العملية السياسية وتحولاتها المختلفة، فيؤدي ذلك بالضرورة إلى أن يكون محور النضال في مجمله والحزبي منه على وجه الخصوص يدور حول هذا المحور، كما يؤدي ذلك إلى تغييب القضايا المجتمعية في بناء السياسيات الحزبية، عن النقاش السياسي العام لتلك الأحزاب، على اعتبار أنها لا تعتبر وفق المنطق السياسي السائد، المؤثر الجوهري في مجمل الحراك السياسي ومخرجاته، ووفي الخلاصة تبقى العلاقة مع المجتمع مسألة تقوم على التجنيد السياسي، كرافد للتأثير النسبي في النظام السياسي محور العملية السياسية كما هو الحال مع مختلف المواعيد الانتخابية.
نجح الأستاذ عبد المجيد مناصرة القيادي المثير للجدل في الحركة، في دفع عجلة التنافس والصراع السياسي بإبداء نيته في الترشح لمنصب القيادة تحت إلحاح الكثير من محبيه ومريديه…
وبهذا الخصوص كان من الأفضل لتلك الأحزاب والحركات السياسية، ومنها حركة مجتمع السلم، أن تجعل من محطاتها السياسية الهامة كمحطة المؤتمر، مناسبة وفرصة سياسية للعمل على تعديل ذلك الاستقطاب السياسي في العملية السياسية نحو النظام السياسي، وتوجيهه نحو المجتمع من جديد، وكان ينبغي أن تكون مساحة النقاش السياسي هي الموجه الأساسي وهي الصورة الإعلامية الأبرز التي ينبغي على المؤتمر تسويقها في الساحة السياسية العامة، فيكون المؤتمر بالتالي محطة لضبط الفاعلية التنظيمية للحزب، ولكنه وبالأساس محطة للتسويق السياسي للحزب ورؤاه واستراتجياته، عبر انفتاحه على تناول وتبني القضايا والاهتمامات المجتمعية العامة.
ولذلك تقع مجمل الأحزاب السياسية في الجزائر ومنها حركة مجتمع السلم، محل هذا التحليل، في خطأ استراتيجي فادح، حينما تغفل عن تحويل مثل هذا الفضاء السياسي والتنظيمي الهام إلى محطة سياسية للانفتاح المجتمعي وللاختراق السياسي أيضا، عبر تمثيل المجتمع وقضاياه المختلفة في المؤتمر وليس بالضرورة إبراز صفة الانتماء الحزبي للمناضلين والمنتسبين، فيتم إبراز صفة الفئات الاجتماعية المختلفة التي يمثلها هؤلاء المناضلين والمنتسبين، من شباب ونساء وطلبة وعمال وفلاحين وموظفين ورجال أعمال وما إلى ذلك من مختلف الفئات الاجتماعية التي كان ينبغي على المؤتمر إبراز تمثيلها، بل والتعبير عن قضاياها المختلفة، كقضايا يدور حولها نقاش كبير في الساحة الاجتماعية، وهو ما يسمح بتوسيع مجال النقاش السياسي إلى الساحة الاجتماعية العامة، وإرسال رسالة سياسية مهمة في اتجاهها، وأنها هي المحور الأساسي في النضال السياسي الحزبي في عمومه، ولكنها الرتابة السياسية المتفشية على كل الأصعدة التي تبرر هذا الاستعصاء السياسي القاتل، في عدم التحول هذا وتغذي ذلك الاستقطاب السياسي الحاد في العملية السياسية.
بهذا المنحى تكون نتائج مؤتمر حركة مجتمع السلم الثامن ذات طبيعة تنظيمية خالصة، ولا يمكن أن ينتظر منها أكثر من ذلك، حيث غلب عليها تناول الشؤون الداخلية، مقارنة بتناول الاهتمامات المجتمعية العامة.
وربما كان للرتابة السياسية وقعها أيضا في هذا الشأن، فلم تستطع الحركة تجاوزها أو تحريك ماءها الساكن، فشكل ذلك تأكيدا على تولية النقاش شطر الشأن الداخلي، مستفيدة مما توفره هذه الرتابة من هدوء سياسي عام، وهو ما أكده بعض المؤتمرين الذين تم استطلاع آرائهم حول مختلف القضايا التي شكلت مجال للنقاش، حيث تم الإجماع على أن المؤتمر كان هادئا من مبتدئه إلى خبره، كما أكد احدهم، وجرى المؤتمر في ظروف هادئة يسودها الاحترام وتبادل الآراء والنقاش البناء كما أكد آخر، أو أنه كان عاديا كما يؤكد أحد المستطلع آرائهم أيضا، فقد نوقشت الأوراق بشكل جيد، دون اختلافات كبيرة تسترعي الانتباه.
وفي الجملة فقد تم التأكيد على أن تقييم العهدة السياسية السابقة كان سابقا للمؤتمر عبر دورات مجلس الشورى الوطني، أو عبر التقارير الدورية التي كان يعدها المكتب الوطني للحركة، بتناول كثير من القضايا المهمة، كاستراتيجية التخصص الوظيفي، وتقديم قراءة للواقع السياسي وموضوع الرؤية السياسية وما تعلق بمسألتي المشاركة والمعارضة وغيره، وهي القضايا التي تم التأكيد بشأنها أنها أشبعت نقاشا وتداولا من خلال الأوراق المنهجية التي تمت صياغتها من قبل لجنة تحضير المؤتمر التي أعدت خمس أوراق أساسية منها ورقة المؤسسات وورقة السياسة العامة وورقة الشباب وورقة الرؤية الاقتصادية، وورقة الرؤية المجتمعية، حيث تم عرض هذه الأوراق على مجلس الشورى الوطني للمصادقة عليها قبل المؤتمر، والتي شكلت هي الأخرى محورا للإثراء القاعدي عبر مختلف الندوات الولائية والبلدية والندوات المتخصصة.
ليس مقبولا أيضا أن تقع الحركة عبر محطتها هذه في الخطأ المعاكس، بحيث يتراجع مستوى الصراع والتنافس السياسي فيها إلى دون المستوى المطلوب، ويتم وسم ذلك بحالة الهدوء والانسجام التي ميزت المؤتمر وما انتهى إليه من تزكية عامة للقيادة السياسية الجديدة…
ليس في ذلك النقاش بأس، من حيث أن هذا ما يجب أن يكون، وإنما ما يسترعي الانتباه أن يكون ذلك النقاش الجزئي والفئوي بديلا على النقاش العام في المؤتمر، وأن يكون المؤتمر محطة للمصادقة على ما تناوله النقاش من قبل، أو إدخال بعض التعديلات الجزئية على تلك الأوراق المنهجية، أو لتزكية ما تم الاتفاق بشأنه من قبل بإحكام، وبهذا الخصوص يمكن أن نسجل خللا سياسيا منهجيا آخر تقع فيه مثل هذه الأحزاب السياسية، التي تجعل من المؤتمر محطة تنظيمية لاستكمال جهود تنظيمية سابقة..
في حين أن تلك الجهود إنما تتم تحت مسؤولية الهيئات القيادية الحزبية القائمة في تلك المرحلة، والتي يفترض أن مسؤوليتها تنتهي مع بداية أشغال المؤتمر، لتوضع هي ومختلف السياسيات التي تبنتها خلال العهدة الماضية، تحت طائلة المساءلة والتقييم من قبل المؤتمرين، هذا إضافة إلى أهمية هذه المحطة من حيث نطاق المسؤولية، إذ يفترض أن سيادة المؤتمر تحرره من كل المسؤوليات السابقة، حيث تنتهي مسؤولية القيادات الإدارية والتنظيمية والسياسية عند عتبة المؤتمر، ويتحرر من كل ضغط أو توجيه يحتمل أن تمارسه من خلال تشكيل مكتب مستقل لإدارة المؤتمر، والذي يبقى خاضعا فقط لنظام داخلي، يتم المصادقة عليه من قبل المؤتمرين، وعند ذلك تتجلى سيادة المؤتمر ويشعر المؤتمرين بسيادتهم في تقييم المسار السابق، ورسم ملامح المسار اللاحق.
وعند هذا الحد وجب التساؤل وباستغراب ألا يعد تمرير بعض السياسات وتجاوز بعض التقييمات بدعوى أنها استفرغت مجمل النقاش في محطات سابقة تقليلا وإنقاصا من الدور السيادي الذي ينبغي أن يحظى به المؤتمر وخضوعا قد لا يكون مقصودا لإرادة غير الإرادة الحرة للمؤتمرين عبر استمرار النفس القيادي السابق في توجيه المؤتمر؟.
وعلى العموم فإنه وفي إطار النقاش الذي هيمنت عليه مختلف القضايا والشؤون الداخلية كما تمت الإشارة إليه سلفا، والذي ميزه أيضا تزكية التقرير الأدبي والمالي بشكل إيجابي، ودون إثارة لقضايا جوهرية بشأنه، فقد فرضت مسألة القيادة السياسية نفسها كأولوية على المؤتمر، وكأهم تحد أصبحت حركة مجتمع السلم تواجهه عبر مؤتمراتها في كل مرة، تحت وقع ما انجر عنها من حركات انشقاقية، أثرت بشكل كبير على مشروعها الإسلامي، وجعلت منه مشروعا مشتتا بين عدد من الكيانات التنظيمية والسياسية، ومن هذه الزاوية يجد تحد القيادة السياسية، كأولوية أساسية مبرره في التصدي لأي انشقاق سياسي محتمل، وربما هذا ما جعل المؤتمرين يغضون الطرف عن أي نقاش سياسي مؤثر، قد يعكس الاختلافات الحدية في الرؤى والأفكار، كما هي طبيعة مختلف التنظيمات السياسية في مختلف المجتمعات، مكتفين في ذلك بإبراز صفة الهدوء الذي ميزت أشغال المؤتمر.
قد يكون هذا الهدوء مصدر فخر بالنسبة لمؤتمري حركة مجتمع السلم، بالنظر لما يحمله ذلك من جوانب سياسية إيجابية عديدة، خاصة أنه قد تم تفويت الفرصة على حدوث أي انزلاق عبر هذه المحطة السياسية الهامة، ولكن ذلك الهدوء قد يشي بجوانب سلبية أيضا، فالهدوء ليس دائما دليلا على الانسجام والتماسك التنظيمي، وبلغة تنظيمية خالصة يمكن القول أن التنظيمات الحيوية تحرص على إبقاء مستوى الصراع والتنافس فيها عند حدود مقبولة، بحيث لا يتحول ذلك إلى عامل معطل لتحقيق أهدافها الجوهرية، وتحرص في الوقت ذاته على الاستفادة من حيوية الصراع والتنافس، في دفع عجلة التنظيم نحو تحقيق تلك الأهداف، وهو ما يؤكد أن وجود الصراع والتنافس عند حدود مقبولة أمر مهم بالنسبة لمختلف التنظيمات، لكن تجاوزه لحدود التوازن قد يؤدي بالتنظيم إلى التشتت والزوال، كما أن انحصاره إلى ما دون المستوى المطلوب قد يؤدي بالتنظيم إلى حالة من عدم الفاعلية والبلادة التنظيمية.
الفريق القيادي قد تبنى استراتيجية تنافسية معاكسة تماما لإستراتجية مناصرة المتأخرة في الظهور، وهي إستراتجية شديدة التستر والكتمان، وجدت سندها الأساسي في ذلك العمل المهم والمستمر على مدار عهدتين كاملتين، والذي نجح فيه مقري بالفعل في تجديد الفريق القيادي في مختلف مستويات الحركة التنظيمية…
وعلى المستوى السياسي وفي واقع حركة مجتمع السلم بالذات، تبدو أن تلك الفرضية التنظيمية السابقة، بالغة التحقق، فعندما طغى الصراع على الهيكل التنظيمي، وعجزت المؤسسات الحزبية عن احتوائه أو توجيهه، بحيث يصب في دفع الفاعلية السياسية للحركة، أدى ذلك إلى انقسام الحركة وتشتت وعائها التنظيمي والسياسي، وليس مقبولا أيضا أن تقع الحركة عبر محطتها هذه في الخطأ المعاكس، بحيث يتراجع مستوى الصراع والتنافس السياسي فيها إلى دون المستوى المطلوب، ويتم وسم ذلك بحالة الهدوء والانسجام التي ميزت المؤتمر وما انتهى إليه من تزكية عامة للقيادة السياسية الجديدة.
وبهذا الشأن يمكن أن نلاحظ أن الأجواء التحضيرية للمؤتمر كانت مشحونة سياسيا إلى حد ما، كحالة طبيعية بل وضرورية تعرفها مختلف المؤتمرات، وذلك حينما نجح الأستاذ عبد المجيد مناصرة القيادي المثير للجدل في الحركة، في دفع عجلة التنافس والصراع السياسي بإبداء نيته في الترشح لمنصب القيادة تحت إلحاح الكثير من محبيه ومريديه كما قال، مخالفا بذلك اللائحة السياسية التي تؤكد على ضرورة إعلان الترشح في المؤتمر وليس قبله، وكان ذلك كفيلا لمناصرة كي يدشن حملته الانتخابية المسبقة بإبراز مظاهر سياسية مهمة جدا في ساحة الصراع والتنافس السياسي الجاد، سوق من خلالها مناصرة لمشروع سياسي متكامل ضمنه في كتاب عنونه بخطوات على الطريق: الحركة نحو التأصيل والتجديد.
كما عبر عن رغبته الجامحة في القيادة عبر سلسلة من الموضوعات التي نشرها عبر حسابه على الفيسبوك ومنها ما صاغها تحت عنوان نقطة نظام: أبرز فيها طموحه السياسي في عنوان لو كنت رئيسا؟، كما تساءل عن حقيقة العملية الانتخابية المتعلقة بالقيادة وهل هي محسومة؟، ولتجاوز حالة الذهول والحيرة والغرابة التي شكلها ترشحه لمنصب القيادة غرد مناصرة متسائلا أيضا: من انأ ومن أنافس؟.
بهذا الطموح كانت استراتيجية مناصرة التنافسية بالغة الوضوح واستباقية أيضا، متوجسة ربما من أي مناورة مناوئة لترشحه، مستفيدا في ذلك من دعم قوي من قبل كثير من رموز الحركة وقيادييها البارزين، الذين لم يألوا جهدا في الانخراط في أتون تلك الحملة التنافسية، عبر عنوان عريض سموه مكافحة التوريث، في إشارة مضمرة إلى سعي رئيس الحركة السابق المنتهية عهدتيه، الدكتور عبد الرزاق مقري للعمل على ضمان انتقال تركته السياسية والتجديدية كما يزعم بعض أنصاره، إلى من يستأمنه على المحافظة عليها وصيانة الجهود التي بذلت من أجلها، في ظل تسريب تأكد بعد ذلك بتقديم المهندس عبد العالي حساني الشريف عضو المكتب الوطني المكلف بالتنظيم والرقمنة لخلافة مقري من أجل صيانة ذلك الإرث المهم.
وكان ذلك كفيلا لتلك القيادات المساندة لمناصرة، كي ترمي القيادة السياسية للحركة بتهم الانحراف عن الخط الذي تأسست فيه الحركة، وغيرها من الإشارات إلى فشو الاستبداد بالرأي وعدم خفض الجناح للإخوان رفقاء الطريق من القيادات المؤسسة للحركة، وما إلى ذلك من خطاب مركز بدا أنه يستبق الزمن لتأجيج المناضلين والأنصار نحو مساندة مناصرة لتولي قيادة الحركة عبر محطة المؤتمر المنتظر.
لو تم تمرير تلك اللائحة التي أسقطها مجلس الشورى الوطني، مستفيدا من تمدد الكتلة السياسية القوية فيه، لأمكن أن تكون المنافسة السياسية المؤطرة بالشفافية والوضوح أهم إنجاز للحركة في مؤتمرها الثامن…
ومقابل ذلك لم يول الفريق القيادي آنذاك أي ردود فعل واضحة وظاهرة، اتجاه هذا الاستفزاز التنافسي الطارئ على المشهد، وما عدا ما سجلته صفحات التواصل الاجتماعي من شجب واستنكار لخطوة مناصرة، من قبل فريق يبدو انه معد بعناية لخوض منافسات إلكترونية شرسة، ماعدا هذا لم يعلق الفريق القيادي إلا بالتذكير أن مسألة الترشح لقيادة الحركة تحكمها لائحة سياسية تؤكد على ترك مسألة الترشح لحين انعقاد المؤتمر..
والواضح من خلال هذا التوجه أن هذا الفريق القيادي قد تبنى استراتيجية تنافسية معاكسة تماما لإستراتجية مناصرة المتأخرة في الظهور، وهي إستراتجية شديدة التستر والكتمان، وجدت سندها الأساسي في ذلك العمل المهم والمستمر على مدار عهدتين كاملتين، والذي نجح فيه مقري بالفعل في تجديد الفريق القيادي في مختلف مستويات الحركة التنظيمية، عبر تغيير فلسفة البناء التنظيمي الهرمية إلى فلسفة شبكية، سمحت ببروز شبكة واسعة من المؤسسات المختلفة، إضافة إلى مؤسسة جيل الترجيح ذات الفاعلية الكبيرة في التأطير والتنظيم، والتي عمل مقري على إنشائها وتطويرها وانتشارها، كي تحظى في نهاية المطاف بالتمثيل الواسع على مختلف المستويات التنظيمية والسياسية، وبالتالي ضمان حضورها الحاسم في المحطات الهامة كمحطة المؤتمر المنتظر.
بهذا الصورة من الوضوح تجلت الإستراتجيتين ضمن منطق سياسي مستجد على مستوى الحركة، تتبادل فيه التنافس كتلتين كبيرتين، كتلة ملتفة حول مناصرة وطموحة القيادي، ولكنها كتلة مترهلة وغير واضحة رغم ظهورها، وكتلة الفريق القيادي الملتف حول مقري، ولكنها كتلة مصمتة وواضحة رغم استتارها، نجحت في التمكين والحسم في اختيار القيادة الجديدة عبر المؤتمر..
وبينما فهمت الكتلة الأخرى متأخرة أن الأمور كانت فعلا محسومة، ولم تكن مجرد تغريدة سعى مناصرة لتفنيدها عبر حملته التنافسية القوية، فقد أثبتت الكتلة الأخرى أنها كتلة مهيكلة بشكل جيد، وأنها كتلة منسجمة في توجهاتها ويصعب اختراقها أو التأثير فيها، لتبرز بذلك سمة أخرى تؤكد على تحول مشهد الصراع والتنافس داخل حركة مجتمع السلم، وانتقاله من تنافس وصراع بين قيادات ورموز سياسية كما شهدته في المراحل السابقة، إلى تنافس وصراع بين كتل عبر بوابة المؤتمر الثامن، اكتفت فيه الكتلة الضعيفة والمترهلة بتقديم توضيح مؤسف، اعتذر فيه مناصرة لأنصاره عن الترشح وعدم تحويل نيته إلى فعل، متمنيا في الوقت ذاته النجاح لفريق القيادة الجديدة للحركة وداعيا جميع أعضاء الحركة للالتفاف حول حركتهم ومشروعها الإسلامي الوطني.
وهو التوجه الذي استجابت له القواعد النضالية، بتجديد الطاعة والولاء للقيادة السياسية الجديدة، ضمن صورة أخلاقية راقية، ولكنها صورة مختلة وغير سليمة، لعدم انسجامها مع المنطق السليم والموضوعي لظاهرة الاختلاف، تؤكد على أن الاختلاف قبل الحسم أمر مشروع ولا حرج فيه، أما بعد الحسم فعلى الجميع أن يلتزم بالنتائج مهما كانت درجة التضرر والأذى، تغليبا للمصلحة العامة وتأليفا للقلوب ومنعا للتفرق المذموم، في حين تمكنت فيه الكتلة القوية من الاستحواذ المستحق- في إدارة الصراع والتنافس- على القيادة في الحركة، في صورة سياسية باهتة، وبدون ملامح تنافسية سياسية واضحة، عنوانها تزكية القيادة السياسية الجديدة للحركة دون وجود منافس سياسي يذكر.
سبق لرئيس الحركة السابق الدكتور عبد الرزاق مقري أن صرح في أحد لقاءات مجلس الشورى الوطني السابق قائلا: “إنه حينما يظهر المرشحون سأكون بشكل طبيعي، لا يستغربه أحد، مع من يُرشح من فريقي القيادي ممن يؤمنون بالرؤية التي بنيناها معا…”..
صورة هذا المشهد السياسي في واقع مؤتمر حركة مجتمع السلم، تبدو تِراجيدية أكثر من اللزوم، إذ من المؤسف أن لا يستقر في وعي هذه الحركة، إلى جانب تفعيل القيم الأخلاقية القوية في الصف الحركي، أهمية المنافسة والصراع، كمحرك للعملية السياسية وفي تجديد الطبقة السياسية والقيادية ونضج الرؤى والسياسات، وهي الحركة التي اكتسبت مراسا سياسيا قويا، عبر نضالها السياسي وتاريخها الحافل بالإنجازات، وبالإخفاقات السياسية أيضا، ليس أقلها ذلك الانشقاق الذي عرفته الحركة في مراحل متتالية، وحينها لم تسعفها أخلاقياتها ولا قيمها الراقية في ضبط بوصلة الصراع المستشري حينها على القيادة.
وهنا يمكن أن نسجل أن موقف مناصرة بمبادرته بالانسحاب قبيل لحظات من التئام مجلس الاختيار، يعتبر مشينا فعلا في حق نفسه، كقيادي بارز سوق لنفسه كبديل وكمنافس قوي، وفي حق الممارسة السياسية السليمة، التي خدشها بهذا الانسحاب المؤسف، ولو أنه واصل ولم ينسحب، لمثل ذلك إضافة نوعية مهمة، تزيد من رصيد التنافسية الإيجابية في حركة مجتمع السلم، ولحافظ على موقع المعارضة الداخلية في الحركة، بما يحفظ حق الاختلاف في المواقف، ويعطي للمنافسة والصراع السياسي معنا.
وقد كان ممكنا جدا أن يكون ذلك الصراع والتنافس الذي جرى بين الكتلتين، مؤطرا في إطار التأسيس لممارسة سياسية سليمة، ضمن آليات قانونية وتنظيمية واضحة، وهي مسالة مهمة وجوهرية، كانت محل تحليل من قبلنا في مقال سابق، وهي ذات المسألة التي كان قد أشار إليها الدكتور عايد عبد الكريم، رئيس اللجنة الوطنية التحضيرية للمؤتمر الثامن، في حواره مع جريدة الشروق، حينما أكد بصدد تأطير عملية المنافسة السياسية المرجوة، أن اللجنة كانت قد اقترحت لائحة للترشح، حيث يعلن من خلالها عن المترشحين المعنيين بمدة لا تقل عن ستة أشهر قبل المؤتمر، ليتاح لهم الوقت الكافي للقيام بحملة انتخابية وسط الهيئة الناخبة.
ولعمري فإنه لو تم تمرير تلك اللائحة التي أسقطها مجلس الشورى الوطني، مستفيدا من تمدد الكتلة السياسية القوية فيه، لأمكن أن تكون المنافسة السياسية المؤطرة بالشفافية والوضوح أهم إنجاز للحركة في مؤتمرها الثامن، وهو إنجاز مستحق في حق حركة مجتمع السلم التي تزعم أنها تقدم في كل مرة نموذجا للممارسة السليمة، ولو أنها قامت بذلك فعلا لأمكن أن تكون نموذجا قابلا للاقتداء في ساحة سياسية حزبية مختلة في ممارستها السياسية الداخلية.
وعلى العموم فقد انتهى المؤتمر إلى ما انتهى إليه، بتغييب المنافسة السليمة والصراع المحمود لصالح تقدم مسار الهيمنة والنفوذ، وهي صورة يخشى فيها أن تحكم الحركة مستقبلا، بمنطق الجهاز المهين، فيكون الحسم في قراراتها وفي رؤاها وسياساتها المختلفة خاضعا لنفوذ القيادات السياسية التي عملت على ترسيخ مشروعها وعملت على تأمين انتقاله بهذا الشكل من الممارسة السياسية المخدوشة، بما قد يغيب مؤسساتها الشورية وهياكلها التنظيمية، أو قد يستخدمها بشكل وظيفي لتمرير ما يراه مناسبا من سياسات، خدمة لمشروعها الواعد وتأمينه من أي انحراف..
وهو توقع يجد صداه مما وقع فعلا لكثير من الحركات والتنظيمات السياسية القوية، خاصة تلك التي تحكمها مرجعية إيديولوجية مهيمنة، والتي انتهى بها المطاف إلى أن تصبح مجرد أجهزة تنظيمية ضخمة خاضعة في تسييرها وتوجيهها لإرادة النافذين الأقوياء فيها.
الفريق القيادي الجديد، ليس معنيا فحسب بالمحافظة على الإرث السياسي لمشروع مقري، وإنما يشكل قطب الرحى الأساسي لذلك المشروع، ولم يكن ذلك بالأمر الخفي..
وإذا ما تجاوزنا هذه الصورة المؤسفة وتأملنا في حقيقة القيادة السياسية الجديدة، لأمكن أن نلاحظ غلبة الطابع التنظيمي والهيكلي عليها، فزيادة على التوسع في إحاطة رئيس الحركة بنواب ثلاث، بشكل قد يحد من قدرته على الممارسة القيادية في ظل هذا الطابع الجماعي فيها، فإن المشارب التنظيمية لهذه القيادة في المرحلة السابقة، تؤكد أن إرادة تأمين انتقال القيادة السياسية كانت حاضرة وبقوة وقد أعد لذلك بإحكام..
فرئيس الحركة الجديد عبد العالي حساني الشريف كان مسؤولا تنظيميا بامتياز، منذ قدومه للمكتب الوطني للحركة ومكلفا بالتنظيم والرقمنة، في حين أن نائبه ناصر حمدادوش كان مسؤولا إعلاميا ولكن بالأساس كان مسؤولا عن المؤسسات، وهي الرافد القوي في ذلك التكتل القيادي المستجد المشار إليه سلفا، أما أحمد صادوق فزيادة على رئاسته للمجموعة البرلمانية للحركة فهو رئيس أكاديمية جيل الترجيح أحد الأذرع القوية في التكتل القيادي المستجد، في حين يأخذ عبد الكريم دحمان مسحته التنظيمية من رئاسته للمكتب الولائي للعاصمة ومن إشرافه المبكر على اللجان القطاعية أحد الأوجه التجديدية لذلك التكتل.
وكل هؤلاء القادة -عدا عبد الكريم دحمان المخضرم- هي من الوجوه القيادية التي اكتشفها الدكتور مقري وأطر من خلالها مشروعه التجديدي في الحركة، بما يؤكد في الجملة أن الفريق القيادي الجديد، ليس معنيا فحسب بالمحافظة على الإرث السياسي لمشروع مقري، وإنما يشكل قطب الرحى الأساسي لذلك المشروع، ولم يكن ذلك بالأمر الخفي..
فقد سبق لرئيس الحركة السابق الدكتور عبد الرزاق مقري أن صرح في أحد لقاءات مجلس الشورى الوطني السابق قائلا: “إنه حينما يظهر المرشحون سأكون بشكل طبيعي، لا يستغربه أحد، مع من يُرشح من فريقي القيادي (وهم على وفرة معتبرة) ممن يؤمنون بالرؤية التي بنيناها معا، ويعتز بالمنجزات التي حققناها معا، وله القدرة والرغبة في إكمال مسيرة الخير(التي دعمها المؤتمرون) وفي التطوير والتحسين وله الاستعداد للتضحية من اجل ذلك”، وقد كان له ما أراد عبر هندسة هذا الانتقال القيادي الآمن.
وعلى الرغم من كل هذه الملاحظات العامة، فإن ملامح القيادة الجديدة، تشير إلى تحول جوهري في طبيعة القيادة في حركة مجتمع السلم، إذ لأول مرة يتولى زمام القيادة فيها، رجل من خارج الصف القيادي المؤسس، وهو المهندس عبد العالي حساني الشريف، الذي لم يكن على خطوط التماس المباشر للفريق القيادي الذي عمل مع مؤسس الحركة الشيخ محفوظ نحناح (رحمه الله)، وهو الفريق الذي أدار رحى عمليات الانشقاق المتتالية في مرحلة ما بعد الشيخ المؤسس، وبهذا التحول العميق تبدو القيادة الجديدة متحررة من كل مسؤولية منجرة عن ذلك الانشقاق، اللهم ما تعلق بواجب السعي لرأب الصدع من جديد.
إذا ما استطاعت هذه القيادة الجديدة أن تتحرر من ثقل تبعات المرحلة السابقة، وأن لا تخضع لمنطق الجهاز ومنطق الهيمنة والنفوذ المستجد في واقع الحركة وفي إدارة شؤونها، فإن الإنجازات المتوقعة منها ستكون كبيرة…
كما أن طبيعة هذه القيادة الجديدة ليست من طبيعة تقليدية مألوفة في تولي شأن الحركات السياسية الإسلامية، والتي كانت ولا تزال في الكثير منها تعتبر قيادات دعوية ذائعة الصيت، بينما القيادة الجديدة في الحركة تعتبر قيادة تكنوقراطية بامتياز بالنظر للكفاءة العالية التي أبداها في إدارة كثير من الملفات على مستوى الحركة، وأيضا وهو الأساس بالنظر لخلفيته العلمية كمهندس، بما يؤهله لهندسة وإدارة العمل الحركي وتحدياته المختلفة والاستجابة للرهانات المعقودة باقتدار.
وإذا ما استطاعت هذه القيادة الجديدة أن تتحرر من ثقل تبعات المرحلة السابقة، وأن لا تخضع لمنطق الجهاز ومنطق الهيمنة والنفوذ المستجد في واقع الحركة وفي إدارة شؤونها، فإن الإنجازات المتوقعة منها ستكون كبيرة، وسيمثل ذلك تحد كبير أمام القيادة الجديدة، ورهان تقتضيه الممارسة السياسية السليمة، عبر جملة من الاستجابات لعل أهمها:
أولا: تفكيك منطق الجهاز الذي بدأ يسري في الحركة، والتحرر من هيمنته ونفوذه واستعادة الروح النضالية العامة لأبناء الحركة ومحبيها، باعتبار أن الأصل في الحركة أنها حركة مناضلين، بل وحركة شعبية بالأساس، وليست حركة نخبوية، قد يؤدي نفوذ أحد أطرفها إلى التحكم في مختلف دواليب الحركة تنظيميا، وتوجيهها ورسم مساراتها وسياساتها، مهما كان صدق من يقف وراء ذلك من عدمه، فالحركات والتنظيمات الجادة إنما تحكمها قواعد وآليات ممارسة سياسية وتنظيمية قارة وشفافة، يستوي أمامها الجميع بعيدا عن أي نفوذ منظم ومهيكل.
ثانيا: الاستفادة من الرؤية التجديدية المهمة التي أسس لها الدكتور مقري، خلال عهدتيه السابقتين، مع تصحيح الإختلالات التربوية والتنظيمية التي عرفتها وتحريرها من المسحة الصراعية التي شابتها، وإعادة احتوائها بالكلية ضمن المنطق الذي قامت عليه الجماعة –أصل هذه الحركة ومنطلقها- بأبعادها التربوية والتنظيمية والسياسية، فمن المعيب في حق القيادة الجديدة، أن تكون تلك الرؤية مجرد إرث يقع عليها واجب المحافظة عليه، دون الانتباه إلى عوامل القصور فيه، أو دون تطويره بإضفاء لمسة منسجمة مع طبيعة المرحلة القيادية الجديدة والرهانات التي تقع عليها.
طبيعة هذه القيادة الجديدة ليست من طبيعة تقليدية مألوفة في تولي شأن الحركات السياسية الإسلامية، والتي كانت ولا تزال في الكثير منها تعتبر قيادات دعوية ذائعة الصيت، بينما القيادة الجديدة في الحركة تعتبر قيادة تكنوقراطية بامتياز…
ثالثا: ممارسة الانفتاح بمفهومه الواسع تجاه المجتمع، بمد جسور التواصل نحو مختلف الفئات المجتمعية وتبني قضاياها وانشغالاتها، وإبراز ذلك على مستوى الأداء السياسي للقيادة للتخلص من النخبوية الطافحة على سطح الحركة، وممارسة الانفتاح بمفهوم الضيق تجاه الداخل النضالي والقيادي، والتي أدت المرحلة السابقة بملابساتها البنائية الجديدة وروحها الصراعية إلى تهميشه أو تعطيله وإعادة احتوائه والاستفادة من قدراته ومن دوره النضالي والقيادي في المجتمع وفي الحركة أيضا.
رابعا: استعادة المرجعية الأساسية للحركة، والتي اعتبرت في أغلب المحطات السابقة خطا احمرا لا ينبغي المساس به، والتي تم تغييب تناولها أو إثارة النقاش بشأنها خلال العهدة السابقة، حتى بدا الأمر وكأن الحركة بتوجهها الجديد تحاول أن تأسس لمرجعية جديدة أو تبرز مرجعية موازية لما هو قائم، وقد يكون السبيل إلى ذلك وبشكل أساسي، تحريك ملف وحدة الحركة باعتباره رهان غير قابل للتنازل أو التعطيل، فوحدة الحركة هي تعبير عن وحدة المرجعية، واستعادة الوحدة هي استعادة لتلك المرجعية، ورهان مثل هذا يبدو رهانا مستحقا في حق القيادة الجديدة المتحررة من كل تبعات المرحلة السابقة، وما انجر عنها من فقدان لهذا البعد المهم في تأكيد هوية الحركة وتجسيد مشروعها النضالي.
ربما بذلك تستطيع حركة مجتمع السلم في ظل القيادة السياسية الجديدة، أن تستعيد روحها النضالية العالية المعروفة عنها، من خلال تجديد ميثاق الممارسة السياسة السليمة فيها، وتجاوز عقدة الانتقال القيادي التي صارت تحكمها في كل مرة.
@ طالع أيضا: مؤتمر حركة مجتمع السلم الثامن: أيّ رهان؟
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 8550
من الواجب اسداء الشكر للأستاذ سألني على التناول الجاد و المنهجي لمحطة مؤتمر الحركة و اجتهاده في إعادة تجميع القطع اللازمة لذلك، و هذا يمثل بحد ذاته نضجا اكاديميا نحن بأمس الحاجة إليه
و مع ذلك فإن الأستاذ قد اسقط سهوا ربما بعض القطع، و وضع بعض القطع الأخرى في غير موضعها
فبخصوص التوجه المجتمعي، فإن هذا الأمر كان حاضرا و بقوة إن على مستوى الأوراق أو النقاشات، و لم تغمره اطلاقا القضايا الداخلية على أهميتها، فكانت هناك ورقة الرؤية الاقتصادية التي تضم تفاصيلها أهم الاهتمامات التنموية، و كانت هناك ورقة الرؤية السياسية المتضمنة معالم مشروع المجتمع، و حتى ملف التخصص الوظيفي لم يكن إلا انخراطا تاما في الشأن المجتمعي، لا من الجانب التصوري فحسب و لكن أيضا من جانب الخطط و البرامج
و الملاحظة الثانية تتعلق بمستويات النقاش قبل المؤتمر و خلاله، و هنا يجب التوضيح أن النقاش العميق التي ساد خلال ندوات تحضير المؤتمر لم يكن مانعا البتة من أن يستمر خلال ايام المؤتمر، بل كان ثريا جدا، فقط ربما ما لوحظ هو عدم وجود اختلافات كبرى حول التوجهات الأساسية التي حصل حولها توافق كبير، و ساعد على ذلك الهدوء الذي عرفه المؤتمر
مع تجديد الشكر على المساهمة.