في رمضان عام 2020 عند طبيب مختص في أمراض القلب والشرايين بمدينة قسنطينة، جمعني حديث برجل وقور ومحترم، كنت على يقين من هندامه وشكله وقصة شعره أن قصته مختلفة عن قصصنا.
حين طال الانتظار تعرفنا على بعض، وخضنا في شؤون الدنيا وأحوالها وتقلباتها، فحدثني بقصته قائلا:
كنت محاسبا بسيطا؛ لكن الأرض لم تكد تسعني لفرط سعادتي مع زوجتي؛ إلى أن فقدتها، سرطان متأخر أتى عليها، بعد سنوات طويلة تقبلت رحيلها وتزوجت؛ فابتليت بزوجة سليطة اللسان أنانية، غضوبة، مزاجية أتعبتني ونغصت حياتي.
ومع ذلك فإن الرزق صبّ علي صبا بعد أن غيرت عملي، ودخلت مجال المقاولات شريكا بالخمس ثم بالنصف ثم بدأت العمل في مؤسستتي التي صارت مجمعا، لقد جنيت ما لم أكن أحلم به أبدا.
لم أكن أحسب المال فلا وقت لي لذلك، بل كنت أضعه في الميزان لكي أعرف إن كان ما حصلت عليه من البنوك يوافق ما أدين به أم لا، لكنني لم أكن سعيدا أبدا… كان هناك ما ينغص دومًا ما ينغص حياتي، أمراض وصراخ مستمر في البيت وحوادث مرور وخسارات وقلق وابتلاءات وأكياس أدوية ممتلئة.
كان شقيقي موظفا عندي، لكنه كان يلبس أفضل مني، سيارته الصغيرة تلمع بينما لا أملك وقتا لغسل واحدة من سياراتي، بيته هادئ، وفي بيتي كان سابع جار يسمع صراخنا.
⛔️ “أدنى درجات الرزق: هو المال، وأعلى درجات الرزق : هو الصحة والستر و العافية وحب الناس والقبول في الأرض، وقرة العين في الزوجة والأولاد ، وتمام الرزق : هو نعمة الإيمان بالله تعالى وطمأنية النفس ورضى الله ودخول الجنة”…
@ طالع أيضا: كيف تقتل وسائل التواصل الاجتماعي مشاعرنا وإحساسنا بالواقع!
لقد كان الستر رفيقه في صحته وأبنائه، لم يكن بحاجة إلى حبة دواء لتُفتح شهيته ولا إلى حبتين لينام، كنت أحسده على ذلك إلى أن سمعت الشيخ الشعراوي صدفة في “يوتيب” كأنما يتحدث عني وعنه، وهو يتحدث عن “الرزق بالسلب”.
وهو أن يرزقك الله 1000 ولكنها تُسلب منك بالأمراض والمعاصي والابتلاءات، فتنفق كثيرا على زوجة ابتلت بها وتدفع أموالا طائلة للأطباء وتدفع الرشاوى وتشتري الهدايا للفاسدين فيتبخر منك المال ولا تفرح بما يبقى منه، ويرزق غيرك بـ 10 فقط ولكنه لا يعرف الأطباء ولا النكد ولا القلق ويسعد بالقليل.
لقد حصلت على المال لكنه أخذ مني راحة بالي وطمأنيني وصحتي، فيما كانت شهوتي للمزيد تتضاعف وتدفعني دفعا لاستعمال كل الطرق بما في ذلك دفع الرشاوى تحت الطاولة للحصول على المشاريع.
غابت البركة عن البيت، فطلقت زوجتي، وأصبت بجلطة كادت تقضي عليّ، وأنا معلول في عافتي، بلا رفقة بعد أن تفرق الأحباب.
لقد أدركت بعد هذا العمر أننا أخطأنا حين اعتقدنا أن المال هو الرزق، زوجتي المرحومة كانت رزقا، ابنتي التي تقومني الآن وتحضر غدائي وعشائي قبل أن تذهب إلى عملها رزق، والقرب من الله رزق، والإيمان رزق، وحسن تربية الأبناء رزق..
فأمانة إبني الذي هو موكلي في مؤسستي رزق بعد أن خدعني من وثقت فيهم، والبقاء مع نفسي رزق، والانتباه (أخيرا) إلى هذه الأمور قبل فوات الأوان رزق، والتولي عن الحرام ومعرفة طريق الحق قبل فوات الأوان رزق.
دائما ما أتذكر هذا الرجل، وكيف استفاق وكف عن الركض وراء الحياة، أذكر أنه كان هادئا جدًا على كرسيه، ينتظر دوره بلا قلق كما لم يفعل من قبل، ويتسلى بتمضية الوقت في الحديث معي ومع شيخ التحق بنا بعدها، يحكي الرجل الذي بنى عشرات العمارات في المدينة الجديدة بقسنطينة، بلا مواربة عن عثرات حياته وأخطائه بلا خجل.
من نافذة العيادة رأيته يمشي وحيدا لكن بثقة وطمأنينة، فقلت في نفسي أن في قصته تطابقا مع ما قاله أحد الصالحين، لكنني لم أعثر على القول المأثور منذ ذلك الوقت قبل سنوات، إلى أن وجدته صدفة صدفة في “تويتر”، وكم وجدت هذه الكلمات عن الرزق مطابقة لقصة الرجل التي شاركتها معكم.
⛔️ “أدنى درجات الرزق: هو المال، وأعلى درجات الرزق: هو الصحة والستر و العافية وحب الناس والقبول في الأرض، وقرة العين في الزوجة والأولاد، وتمام الرزق: هو نعمة الإيمان بالله تعالى وطمأنية النفس ورضى الله ودخول الجنة”…
@ طالع أيضا: لماذا ندمن “فيسبوك”؟ وكيف يجعلنا هذا الموقع عبيدًا؟
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.