أيقونات من خبايا الماضي وأسرار المستقبل التي لا يمكن توقعها تظل مكنوزة في أرض أعرق الحضارات القديمة التي تعاقبت عليها الأحداث والتواريخ وظلت متحفظة على التفاصيل، ليقف الباحثون وعلماء الآثار عاجزين عن تفسيرها، ومنبهرين بمنجزات كبرى ومتطورة، فيلجؤون في كثير من الأحيان إلى نسبها للفضائيين أو قرنها بمدينة أطلنطس المفقودة.. وغيرها من الأساطير التي لا تختلف عن حكايات الكنوز المفقودة والدفائن النفيسة في الصحراء، لكن بعضها قد يكون حقيقيا ولو أنه شابه الخيال..
ومثال ذلك أرض تمنراست كنز الجنوب الجزائري، موطن الواقع الخيالي، فما يكتنزه المكان من موروث مادي ومعنوي يفوق التصور البشري ويتجاوز حدود العقل، من رسومات الطاسيلي إلى الملكةتينهنان وقمة أسكرم ثم مدينة الجن سيفار وغيرها الاكتشافات الأثرية المذهلة في رحلة لا تعرف النهاية.
wikipediazoom
تمنراست.. مهد البشرية
“تمنراست” و”تامنراست” أو الأصح “تامنغست” كما كان يطلق عليها قديما نسبة إلى حشرة الخنفس التي تعيش بالمنطقة وتحديدا في جبال الهقار وتسمى محليابـ“تمنغست”.
تمنراست ولاية سياحية تقع على بعد 2000 كم جنوب العاصمة الجزائرية، يحدها من الشمال ولاية غرداية ومن الشمال الشرقي ولاية ورقلة، ومن الشرق إليزي، ومن الجنوب الشرقي مالي، ومن الجنوب الغربي النيجر، أما غربا فتجاورها ولاية أدرار، وفضلا عن موقعها الاستراتيجي فهي بحجم دولة إذ تحظى بأكبر مساحة من بين كل الولايات وتتربع على 556,200 كم² من مجمل التراب الوطني.
تتميز بمناخها الصحرواي الجاف، وتشتهر بآثارها القديمة التي تعود لما قبل التاريخ، إذ تضم أكبر متحف في الهواء الطلق مما جعلها محل اهتمام الباحثين وعلماء الآثار الذين أجروا عدة دراسات أسفرت عن حقائق مثيرة منها أن عمر النقوش الموجودة في المنطقة قد يتجاوز 30 ألف سنة ومن المحتمل جدا أنها وجدت قبل الوجود الفرعوني ليجعل هذا الطرح من الجزائر مهد البشرية.
ح.مzoom
الحظيرة الوطنية بالأهقار
متحف طبيعي مفتوح جمع بين جمال الطبيعة والإرث الحضاري للإنسان القديم،يمتد على مساحة تقدر بـ 500 ألف كلم2 ويشكل قطبا سياحيا عالميا هاما، بتضاريسه المتنوعة والفريدة،ومناظرة الساحرة.
أهم ما يميز المنطقة سلسلة جبلية تضم مجموعة من المرتفعات التي توحي بأنها منحوتات طبيعيةبمنتهى الدقة والجمال إذ يستحيل تقليدها.
وتوجد بالحظيرة تشكيلات صخرية تحتوي على بقايا حيوانية ونباتية تؤكد وجود الحياة بهذهالمنطقة منذ العصور الجيولوجية القديمة.
كما تضم عددا منالأثريات والحفرياتوقبور القدامى ومدافنهم، فضلا عن الرسومات والنقوش المختلفة واللوحاتأو ما يعرف برسومات الطاسيلي.
wikipediazoom
الطاسيلي ناجر سر من أسرار التاريخ
موقع الطاسيلي بغاباته الصخرية الممتدة، يعد نقطة غامضة تحوي ما يفوق 30,000 رسم، تم تفسير أغلبها وفق نظريات وفرضيات ما تزال تحت المجهر، فما تم تحليله ووصفه على أنه طقوس دينية يظل مجرد تخمينات واجتهادات لا يمكن الجزم بها، ولو أن بعض الرسوم والنقوش واضحة خاصة تلك التي توثق النشاطات في الحياة اليومية للإنسان الذي عاش في هذه المناطق إبان تلك الحقبة مما يدل على أن هذه الرقعة القاحلة كانت جنة خضراء تتدفق بالمياه وتنبض بالحياة مشكلة مركز حضارة راقية لثورة صناعية، زراعية، ثقافية وتطور علمي غير مستبعد عن ثورة تكنولوجية هائلة.
في سنة 1982 صنّفت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم موقع “طاسيلي ناجر” المتربع على 72 كم2 في قائمة التراث العالمي المحميّ، لتصير وجهة مفضلة للزوار من الداخل والخارج للتعرف على خباياها والتقرب من أناس عمروا الأرض من زمن ما قبل التاريخ.
ح.مzoom
قبائل التّوارڨ سكان تمنراست
تشير المصادر التاريخية أن السكان الأصليين لمدينة تمنراست الحالية هم التّوارڨ (الطوارق)، وتوضح أن أصولهم ترجع إلى قبائل صنهاجة القادمة من اليمن والجزيرة العربية والتي يصل عددها إلى أزيد من سبعين قبيلة أشهرها جداله ولمثونة ومسوفة.
وقد عمرت في بداياتها بشمال إفريقيا ومنها إلى غربها في هجرات متتابعة، وكان لها دورا كبيرا في نشر الإسلام والثقافة العربية بغرب إفريقيا بتأسيس دولة المرابطين في الجانب الغربي من الصحراء الكبرى بقيادة عبد الله بن ياسين إبراهيم ألجدالي عام 427 هـ / 1035 م، بعدما أقاموا في الصحراء موزعين على قبائل، ويصل عددهم حاليا إلى مليون طوارقي موزعين على الجزائر حيث يعيش حوالي 200 ألف ترقي بتمنراست وجبال الأهقار وبجانب الطاسيلي الناجر.
كما يقال أن التّوارڨ هم أحفاد الملكة “تين هينان” التي ما زالت آثارها الأصلية لحد الساعة موجودة في المنطقة.
ح.مzoom
الملكة تينهينان
تعد تينهينان السلف الأول لكل القبائل النبيلة والملكة الأصلية لمملكة “التّوارڨ”حيث ينقل أنه عندما جاءت ” تين هينان ” من التافلات إلى الهقار مصحوبة بخادمتها ”تاكمات” ومجموعة من العبيد كانت ممتطية ناقة بيضاء حاملة معها كمية من الثمار والذرة الحلوة ذات اللون الأبيض.
إلا أن الطريق إلى الأهقار طويلة والسفر شاق، بحيث مرت أيام ولم تظهر نقطة الوصول، وبدأ الطعام يتناقص واشتد الجوع حتى أصبحت حياة القافلة مهددة، ومن حسن حضهم أنهم شاهدوا كميات صغيرة من الحبوب التي اختزنها النمل فأمرت الملكة قافلتها بالسير عكس اتجاه سير النمل، حتى وصلوا إلى “جبال أهقار”، حيث عثروا على المياه العذبة والنباتات التي صارت طعاما لهم، فاستقرت هناك وبدأت بتشييد مملكتها، لتكون أول ملكة من سكان الصحراء وعليه ينسب إليها نسل “التّوارڨ”.
يمكن مصادفة ضريح الملكة تينهينان بمنطقة أبلسة (80 كلم من تمنراست) والذي يعود إلى القرن الرابع حسب بعض الدراسات، ولكن محتوياته تعرضت للنهب أثناء الاحتلال الفرنسي للمنطقة وتم استرداد رفاتها وبعض لوازمهاالبسيطة فقط، وهي معروضة في متحف باردو في العاصمة الجزائر للتعريف بملكة عظيمة خلفت وراءها حضارة عريقة بكل المقاييس.
ZDZzoom
أرض الكنوز والمفاجآت
تمنراست أرض الذهب الخام والكنوز المدفونة هي مقصد الباحثين عن الثراء منذ القدم، لكنها وعلى قدر قيمتها فإنها غير آمنة والداخل إليها مفقود، فمن لم يمت فيها بسم العقارب والحيات، فإن شبح العطش لا يتوقف عن مطاردة الأرواح، حتى في عصر التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة يظل التيه في الصحراء حاضرا،وفي محاولات يائسة للنجاة يكون الموت مصيرا محتوما.
الخوض في مغامرة دون أخذ الحيطة والحذر والجهل بالصحاري وخباياها مخاطرة كبرى، إذ يتم تسجيل عدد كبير من الضحايا، وهناك أسر بكاملها تقضي تحت أشعة الشمس الحارقة لتتحول متعة السفر والتنزه إلى مأتم، والرمال إلى دفن.. كما يضيع الباحثون عن الذهب والأثريات من قليلي الخبرة..
وبالموازاة هناك عصابات متمرسة في عملية البحث ويعتبر نشاطهم غير قانوني إذ يتم المتاجرة بما يُعثر عليه من نفائس في الخفاء وفق صفقات مشبوهة..
ويشاع أنهم شبكات ممتدة ويتمتعون بالحماية من قبل جهات نافذة، في حين أن المواطنين البسطاء ممنوعين من الاستفادة من هذه الثروة التي تحت أقدامهم.
بين الروايات والأساطير والحقائق العلمية المثبتة بمخطوطات وخرائط ووثائق عن قوافل محملة بالأموال والثروات غرقت تحت الرمال، ومخابئ وانفاق لقطاع الطرق يجمعون فيها منهوباتهم، يكبر حلم الثراء.
قد يكون وجود كنوز مدفونة في تمنراست حقيقة، لكن الأصل الحقيقي أنها جوهرة ثمينة بقيمة تاريخية وجمالية ومادية عالية وظاهرة للعيان تنتظر من يصقلها بأمانة.
ZDZzoom
تنوع النظام البيئي وموارد مائية هائلة
تتميز الثروة النباتية بولاية تمنراست بالتنوع فهي تضم أزيد من 350 صنف نباتي من أصول مدارية متوسطية وأنواع التمورصحراوية من بينها: الطلح والشيح والتي تستعمل كعلاجات للكثير من الأمراض فضلا عن أنها مصادر رعوية هامة.
ومن أجود التمور بالمنطقة تمر تيزيزاوت، بوزيان، العود، تقازه، مسعودية، الفرانة، بامخلوف، وغيرها كثير ولكل منها مذاق مميز واستعمالات خاصة، فمثلا الدقلة البيضاء هي تمر جاف يستعمل لتصنيع العديد من المواد الغذائية مثل السكر والشوكولاتة والسكر.
أما الحيوانات فهي كثيرة مثل الجمال، الغزلان الشاردة، الأرانب، الأسماك مثل سمك القط للمياه العذبة، باربوكس، تملابيا، والتي تعيش في القلات منها قلتة أفيلال التي بقيت كإرث من زمن اخضرار الصحراء وتشكل اليوم أهم مصادر المياه للسكان الذين يعتزون بأرضهم ويتباهون بالانتماء إليها.
كل حجر بالمكان يحمل ذكرى تاريخ قديم ويروي بفخر أن الحضارة عمرت طويلا هاهنا، ومن غير تكتم يؤشر للمنسوب الكبير للمياه الجوفية، وتنوع الغطاء النباتي، والثروة الحيوانية، والطاقة المستدامة والمتجددة، فالشمس تسكن في تمنراست والرياح نشأت بها، فعلام إذن العزلة والتهميش؟.
ZDZzoom
ZDZzoom
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 9302
يومية الشعب العريقة تعود مجددا لسرقة مجهود الأخرين، هذا iو رابط هذا المقال الذي تعمدت الجريدة نسخه وأسقطت المصدر لينسب إليها حسبي الله ونعم الوكيل، الحمد لله الذي ما خلقنا عبثا.
http://www.ech-chaab.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D8%AB/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/item/214329-%D8%AA%D9%85%D9%86%D8%BA%D8%B3%D9%80%D9%80%D8%AA%E2%80%9D-%D9%85%D9%87%D9%80%D9%80%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%80%D9%80%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84.html