فارق كبير بين قراءة مستجدات كورونا والاضطلاع على إحصائيات انتشار فيروس كوفيد-19 على المواقع أو القنوات عموما، وبين أن يكون أحد تلك الأرقام شخص من المقربين منك، الوضع سيختلف تماما لأنه سيصبح واقعا معيشا لا مجرد خبر.
كثيرون من لا يهتمون بما يخلفه هذا الوباء من ضحايا ومآسي إما لنقص الوعي أو لا مبالاة أو حتى بتكذيب وجود هذا المرض القاتل، كما هتف بعض مناصري فرق كرة القدم في تجمع “ماكاش كورونا ديرونا الشامبيونا” ضاربين كل قواعد السلامة عرض الحائط.
هي لحظات صعبة جدا عندما يعرف الإنسان أنه مصاب بفيروس كورونا والأمر سيان لمن حوله، لكن أمل التعافي يبقى قائما لآخر رمق.
تنقل الجثة إلى مقبرة العالية وسط حراسة أمنية مشددة، ويوارى الميت في صندوق مغلق وفي مربع خاص بموتى الكوفيد، من غير تشييع ولا جنازة وبحضور محدود في عملية سريعة بمجرد انتهائها يشعر أهل الفقيد بالصدمة فلا مجال فسح لهم للتوديع أو إلقاء النظرة الأخيرة ولا حتى إمكانية الحزن بسلام…
تتسارع الأحداث وتختلط الأوراق ويجد الناس أنفسهم عاجزين تائهين ولا ملجأ لهم من الله إلا إليه، بالتضرع والدعاء وسط ظروف أقل ما يقال عنها مزرية، فالمستشفيات في حالة ضغط كبير وانعدام الثقة صار عملة متداولة، لم يتطلب الأمر الكثير من الوقت، فولوج المستشفى كان ليلة الجمعة ليضم المصاب إلى قسم الكوفيد المشمع عليه بالأحمر في مستشفى عين النعجة العسكري، فلا يمكن الاقتراب أو الرؤية ولو من خلف عازل زجاجي، ورغم المحاولات الكثيرة ولو بنظرة أخيرة كان ذلك مستحيلا، وفي صباح يوم الأربعاء رن الهاتف باكرا ولم يكن إحساسا فقط بل خبرا مؤكدا من المستشفى لقد انتقل مريضكم إلى جوار ربه ليلا –رحمة الله عليه-.
لقد رحل وحيدا في جنح الظلام ولم يكن أحدا إلى جواره، ورغم كثرة أبنائه وأحبابه أسلم الروح بلا أنيس، كم تمنيت أن أكون بقربه وأشهد رفعه للسبابة ونطقه للشهادة، وأرى ابتسامته التي كنت أراها دائما وأسمع آخر وصاياه الحكيمة التي كانت تفيدني في مواجهة مصاعب الحياة ورغم سعيي الحثيث في التواجد جنبه لم أفلح.. إنها الحكمة الإلهية التي لا اعتراض عليها.
كان الآتي التالي مخاضا عسيرا، تستخرج الوثائق في سباق مع الزمن، وتنقل الجثة إلى مقبرة العالية وسط حراسة أمنية مشددة، ويوارى الميت في صندوق مغلق وفي مربع خاص بموتى الكوفيد، من غير تشييع ولا جنازة وبحضور محدود في عملية سريعة بمجرد انتهائها يشعر أهل الفقيد بالصدمة فلا مجال فسح لهم للتوديع أو إلقاء النظرة الأخيرة ولا حتى إمكانية الحزن بسلام، فلا شمل العائلة يلتئم ولا المقيمين بالخارج يمكنهم القدوم ويبقى الكل بعيدا عن الآخر مشتتين بين الرسائل والاتصالات الهاتفية علها تخفف بعض الاغتراب.
أن تفقد مقربا شيء صعب ولكن الأصعب أن يواري التراب من غير عزاء ولا جنازة، ولكن بقي أجر الاحتساب وأن تكون للميت شهادة كما وعد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام لمن مات في الوباء.
فإلى جموع العابثين الذين لا يهتمون بما يجري حولهم ولا يلتزمون بقواعد الحجر الصحي إن أذاكم سيمتد لأناس أبرياء، سيطال الشيخ الضعيف والعجوز السقيمة، والشخص المصاب بمرض مزمن وهؤلاء غير قادرين على مواجهة هذا الفيروس القاتل، لن يكون التزام الحجر الصحي وقاية فقط بل هو عبادة يؤجر صاحبها، وألم فقد الأهل والأحبة في هذا الوباء كبير جدا لا يستشعره إلا من عاشه، ولا ينفع الندم في النهاية فمن علم فليزم.
اللهم ارحم موتانا واغفر لهم ولنا وارفع عنا هذا الوباء الذي حل بالمعصية ويرفع بالتوبة.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.