عندما قال الرئيس تبون أن هناك "أناسا متوغلون في الجهاز الإداري ويشكلون دولة داخل الدولة ونحن لهم بالمرصاد"، لم يتكلم عن الإجراءات التي اتخذها كرئيس للجمهورية تجاه من يريد أن يثبت للجميع أن التغيير مجرد حلم..
وأن عهد البيروقراطية وإفلاس مؤسسات الدولة بتحطيمها من الداخل مازال مشروعا قائما ومستمرا ولن يزول إلا بإجراءات قوية تعادل في قوتها سيطرة طغمة من الخونة تغلغلت في كثير من مؤسسات الدولة الاقتصادية على مر السنين.
في عهد الخليفة هارون الرشيد تعاظم نفوذ البرامكة وعلى الرغم من أعمالهم العظيمة وانجازاتهم الكبيرة في الدولة العباسية، إلا أن تدخلهم في شؤون الحكم بشكل كبير جعل الرشيد يحسب لهم ألف حساب..
عندما يقول الرئيس أن موظفة بالخطوط الجوية الجزائرية منعت مسافرين من التوجه إلى أدرار وأن طائرة وصلت شبه فارغة الى وجهتها رغم وجود مسافرين، فلا يجب الحديث عن الفساد المالي فقط، بل معرفة التوجهات الفكرية لهؤلاء الموظفين..!
ولم يكن امامه من حل سوى القضاء عليهم، فأصبحت “نكبة البرامكة” مصطلحا له دلالته في القاموس السياسي العربي كنتاج للقضاء على إحدى أقدم مراكز القوى التي حاولت التدخل في شؤون الحكم بعد أن استأثرت بالمال والقوة.
وفي الحالة الجزائرية لن يكون أمام السلطة إلا القضاء على نفوذ مراكز القوى والسلطة الموازية التي شبهها الرئيس “بدولة داخل الدولة”، وبإجراءات شبيهة بما فعلته الدولة العباسية قبل قرون، لأن الكيانات المتغلغلة في دهاليز الحكم تتشابه في كثير من الأهداف، رغم اختلاف أنظمة الحكم والظروف بين الماضي والحاضر.
تركيا أيضا لم تكن بعيدة عن سيطرة مراكز القوى في العصر الحديث، والنموذج التركي يعتبر مثالا حيا عن معاناة الدولة مع تغلغل تنظيم “غولن” الذي وصل به الأمر إلىمحاولة الانقلاب على النظام القائم بدعم من بعض الدول الغربية والعربية المعادية لتيار الاخوان المسلمين.
وليس غريبا أن تنظيم “الماك” في بلادنا، كان ومازال مدعوما من فرنسا ومن الصهاينة ومن كثير من الدول التي تعادي الجزائر ومنها نظام المخزن.
فعندما يقول الرئيس أن موظفة بالخطوط الجوية الجزائرية منعت مسافرين من التوجه إلى أدرار وأن طائرة وصلت شبه فارغة الى وجهتها رغم وجود مسافرين، فلا يجب الحديث عن الفساد المالي فقط، بل معرفة التوجهات الفكرية لهؤلاء الموظفين.
والأمر من الخطورة بمكان، حين تعود باخرة شبه فارغة من مرسيليا في الوقت الذي ينتظر فيه المئات من المسافرين العودة لبلدهم وعلى سفينة تم شراؤها بأموال الجزائريين، ولكن مجموعة من الأشخاص قرروا ببساطة إفلاس المؤسسة، لأن التحقيقات لم تكشف للرأي العام عن التوجهات الفكرية لهؤلاء، والفساد المالي بالتأكيد ليس الدافع الوحيدلتصرفاتهم.
ولكن هل تأخرت الجزائر باعتبار الماك حركة إرهابية؟
يبدوا أن ميلاد هذا التنظيم الارهابي المدعوم فرنسيا وصهيونيا والذي خرج للوجود في العهدة الأولى للرئيس المخلوع قد استفاد كثيرا من الفساد المالي الضخم الذي انتشر مع توالي سنوات حكم بوتفليقة.
ليس أمام أصحاب القرار إلا تقليد تجربة تطهير مؤسسات الدولة التركية من أتباع فتح الله غولن، واستنساخها في تطهير مؤسسات البلاد من أتباع الماك، خاصة وأن الأمر في الجزائر سيكون أقل تكلفة منه بالمقارنة مع الحالة التركية.
وزاد نفوذه بالغياب الشبه تام للدولة وهو يتوسع على أرض الواقع خاصة في منطقة القبائل، إلى أن أصبح له آلاف الأتباع والمؤيدين بفعل الدعم الخارجي والداخلي الذي لم يكن يخفى على أحد.
ومع أن هذا التنظيم ظهر في سنة 2001، إلا أن فكرة إنشائه قد تعود للتسعينات أو قبل ذلك بكثير وطيلة هذه الفترة كان أتباعه يتسللون إلى مختلف مؤسسات الدولة، ولم تكن “التقية” تنقص أتباعه.
فهل كانت السلطة تنتظر ما حدث من مآسي في صيف 2021 للإعلان عن تصنيف هذا الكيان السرطاني كتنظيم إرهابي؟، وهل تأخر السلطة يُعجزها عن استئصال المؤمنين بفكره وخلاياه النائمة نهائيا؟.
لا أحد يعرف إن كانت السلطة تملك الإرادة السياسية في اتخاذ اجراءات قوية وصارمة مع حاملي فكر “الماك” المنتشرين في المؤسسات الاقتصادية، لأن وصم هذا التنظيم بالإرهاب يجعل أتباعه بالتأكيد إرهابيين وفقا للقانون.
وليس أمام أصحاب القرار إلا تقليد تجربة تطهير مؤسسات الدولة التركية من أتباع فتح الله غولن، واستنساخها في تطهير مؤسسات البلاد من أتباع الماك، خاصة وأن الأمر في الجزائر سيكون أقل تكلفة منه بالمقارنة مع الحالة التركية.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.