طبعا لا وجود للفظ "مير" ولا حتى لـ "رئيس البلدية" أو "شيخ البلدية" في النصوص الرسمية، هو فقط "رئيس المجلس الشعبي البلدي"، بمعنى أنه لا يرأس البلدية في الواقع، وإنما يرأس الهيئة المنتخبة المشرفة على شؤون البلدية.
على كل، نعود لكلمة “مير“، تعتقدون أنها تحريف للقب « maire » في اللغة الفرنسية، ولكن، ومن غير حاجة للشرح، لا يبدو ذلك منصفا البتة، فـ”ميرُنا” لا يتمتع بالمكانة السياسية والإدارية التي يحظى بها نظيره الفرنسي، وصلاحياته أقل بكثير.
وباللجوء إلى بعض التحذلق قد نجد فرضية أخرى؛ ألا يمكن أن يكون لقب المير مرتبطا بالـ “mur”؟ إن الحائط حام للناس ومتكأ لهم، وملاذ لهم في الشتاء من لسع الريح وفي الصيف من لفح الشمس. ولكن .. قد يكون الحائط، في المقابل، حاجزا أمام الناس وعائقا في طريق تقدمهم.
على ذكر روسيا، وللمصادفة، كان اسم “مير” يطلق في زمن القياصرة على المجلس المشرف على شؤون القرويين. ولذلك يمكنني أن أقترح هنا أن يرسم في قانون الجماعات الاقليمية الجديد لقب “المير” وأن يشار إلى أنه اقتباس من الإرث التنظيمي لأصدقائنا الروس، مبالغة في الشنآن تجاه “أعدائنا” الفرنسيين، وزكارة في leurs maires.
ولذلك ذهب البعض إلى أن “المير” قد اشتق من صفة “mûr” التي تُلحق بالشخص كامل العقل، متقد الفكر، ذو الحكمة والحلم. ولكن المشكلة مع صفة “mûr” هذه، أن النضج، كما هو في الفواكه، هو المرحلة التي يليها مباشرة فساد الثمرة وتعفنها .. عافى الله أميارنا من كل فساد وعفن.
واضح إذن أن الأصل الفرنسي للفظة “مير” غير مقنع. وبسبب الحرج السياسي الذي قد يسببه هذا البحث الايتيمولوجي عديم الجدوى، أظن أن هناك طريقة أخرى نعثر بها على أصل كلمة مير، ولن نجد من أجل ذلك أفضل من أصدقائنا السوفييت قديما، الروس حاليا.
بالنسبة للذين أدركوا شيئا من زمن الحرب الباردة، كان “مير” MIR، هو اسم محطة الفضاء السوفييتية (ثم الروسية) الشهيرة، والتي خدمت بين عامي 1986 و2001، كانت أول محطة من نوعها وفخر قادة الكرملين في زمنها، ولو أن أصدقاءنا السوفيات آنذاك لم يراعوا اعتبار التضامن الاشتراكي ويرسلوا، كما فعل الأمريكان مع أصدقائهم السعوديين، رجلا منا إلى الفضاء، نفاخر به جيراننا الأقارب والأباعد.
وكانت هناك “مير” أخرى، وهي دار النشر المختصة في ترجمة الانتاج الفكري الروسي إلى اللغات الأخرى، بما فيها العربية. وكنا نعثر ونحن صغار على ترجماتها للنصوص الشيوعية لدى بائعي الكتب على الأرصفة، غير أن أكثر ما يستهوينا من منشوراتها كان كتبها العلمية المكتوبة بلغة شائقة، وأنا هنا أجزم أن ليس هناك محروم أكبر ممن لم يقرأ “الفيزياء للجميع” للانداو وكيتايجورودوسكي.
وعلى ذكر روسيا، وللمصادفة، كان اسم “مير” يطلق في زمن القياصرة على المجلس المشرف على شؤون القرويين. ولذلك يمكنني أن أقترح هنا أن يرسم في قانون الجماعات الاقليمية الجديد لقب “المير” وأن يشار إلى أنه اقتباس من الإرث التنظيمي لأصدقائنا الروس، مبالغة في الشنآن تجاه “أعدائنا” الفرنسيين، وزكارة في leurs maires.
كل التوفيق لكل “مير” جاد، والسلام الحار لشيخ الأميار جميعا، سي مخلوف البومباردي.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.