لا أدري لماذا يربط "الربيع العربي" بفوز الإسلاميين في أي انتخابات تجرى في أي بلد عربي ، أقول هذا الكلام لأن أغلب التعليقات التي أعقبت إجراء الانتخابات التشريعية في الجزائر تحدثت عن توقف الربيع العربي عند حدود الجزائر لمجرد أن أحزاب التيار الإسلامي لم تحصل على الأغلبية بما يسمح لها أن تقود الحكومة الجديدة على غرار ما هو حاصل في المغرب وتونس ومصر،رغم أن لذلك أسبابه الأخرى غير تلك المتعلقة بالتزوير.
ربط تحقيق التغيير في الجزائر بفوز الإسلاميين وجعله شرطا لا تستقيم سياسة البلاد سوى به هو مبالغة وتهويل خصوصا في الحالة الجزائرية التي جرب فيها الإسلاميون كل الطرق الممكنة للوصول إلى السلطة لكنهم لم يجنوا في النهاية سوى الأشواك والجراح والدماء، فكان من تحصيل الحاصل أن لا يكونوا القوة الأولى في أي انتخابات تجرى في البلد،ومع ذلك فإن انتخابات العاشر من مايو التي وصفت بكل الأوصاف من المهزلة إلى المسخرة إلى المسرحية إلى الكارثة، تدعونا نتائجها إلى لحظة عقل وتعقل لابد منها مباشرة بعد زوال فورة الغضب و السخط حتى نتمكن من النظر إلى الجزء الأسفل من الكوب.
ربط تحقيق التغيير في الجزائر بفوز الإسلاميين وجعله شرطا لا تستقيم سياسة البلاد سوى به هو مبالغة وتهويل خصوصا في الحالة الجزائرية التي جرب فيها الإسلاميون كل الطرق الممكنة للوصول إلى السلطة لكنهم لم يجنوا في النهاية سوى الأشواك والجراح والدماء، فكان من تحصيل الحاصل أن لا يكونوا القوة الأولى في أي انتخابات تجرى في البلد
فنتائج هذه الانتخابات أيقظت كل من غرق في أحلام اليقظة وظن أنه وحده بعبقريته وأنانيته من يمكنه أن يشعل الضوء كما يقول المثل الشعبي ، ومن ظن أن فرصة التغيير قد ضاعت عليه اليوم أن يعلم أن انتخابات العاشر من مايو هي النقطة التي يجب أن يبدأ منها التغيير الحقيقي ، ومعنى التغيير هنا لا يجب أن يربط مباشرة بتغيير النظام القائم والقواعد التي تحكمه وتسيره ، لأن ذلك دونه سنوات سنوات من النضال والعمل السياسي الوسع والجاد، مثلما ليس هو التغيير كما تفهمه السلطة وتقرأه الحكومة منذ انطلاق موسم الربيع العربي.
التغيير اليوم يجب أن يبدأ من معسكر المنهزمين في هذه الانتخابات و يطبقوه أولا على أنفسهم وعلى سياساتهم، لأن المعارضة بإسلامييها وعلمانييها ليست جاهزة لقيادة أي تغيير هادئ وسلمي فما بالك أن تقوم بثورة مثل التي شهدناها في تونس ومصر.
التغيير اليوم يجب أن يبدأ من معسكر المنهزمين في هذه الانتخابات ويطبقوه أولا على أنفسهم وعلى سياساتهم، لأن المعارضة بإسلامييها وعلمانييها ليست جاهزة لقيادة أي تغيير هادئ وسلمي فما بالك أن تقوم بثورة مثل التي شهدناها في تونس ومصر .
ومن باب عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم فإن ما أسفرت عنه نتائج الاقتراع هو وخزة إبرة لم يكن منها بد للقوى السياسية التي عاشت وهم الربيع واعتقدت أن ما حصل من تغيير في بعض الدول العربية هو حاصل لا محالة بشكل آلي ما دامت الجزائر جزءا من هذه الجغرافيا ، رغم أن هذه النخبة لم تقم بالكثير الذي يمكن أن يذكر حتى تجني ثمار التغيير التي انتظرته، ولم تعش مع الشعب وانقطعت عنه وفضل أغلبها الاقتراب من السلطة تحت دعاوى مختلفة وتبريرات متعددة، بل الأكثر من ذلك فإن هذه المعارضة انقسمت على نفسها وتفرقت بها السبل، فإذا كان الحلم قبل سنوات هو أن يجلس الإسلامي واليساري والليبرالي إلى طاولة واحدة ويجتمعوا على موقف موحد فإن السنوات الأخيرة وصل فيها الوضع إلى حد أصبح فيها الحلم هو أن يجلس أبناء التيار الواحد إلى طاولة واحدة، ويضعوا مشروعا سياسيا من أجل التقارب وصناعة التغيير ،فالأحزاب اليسارية منقسمة إلى درجة الخصومة كما هو الحال بين حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية اللذان فرقت بينهما السنوات والسياسات والمواقف، فحزب العمال بقدر ما اقترب من الحكم ومن السلطة لأسباب أو أخرى ابتعد عن حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض الذي انطوى على نفسه، فغاب خطابه وعجز عن الخروج من الغيتو القبائلي، فقبل عشر سنوات أو أكثر قليلا كان حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية تقريبا على قلب رجل واحد ونفسهما نفس معارض ومنتقد والتنسيق بينهما كان متقدما جدا ،لكن في السنوات الخمس عشرة الأخيرة ظهرت الفجوة وتعمقت أكثر واختفت الثقة وبدأ الشك يطبع العلاقة حتى وصل حد القطيعة بين الحزبين المحسوبين على اليسار ،وهما من هما في تاريخ المعارضة.
أما الإسلاميون فحكايتهم حكاية حسب التعبير الدارج، فهذا التيار تعمق فيه الانقسام و تجذر ووصل حد التفتت وانتقل من التنافس إلى الخصومة ثم القطيعة فمن الحزب والحركة الواحدة ولدت أحزاب وحركات ، ورغم أن السياق هنا قد لا يشمل الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة قانونا والمحظور على قادتها السابقون ممارسة النشاط السياسي، إلا أن الأحزاب الخمسة الحالية التي دخلت السباق الانتخابي والمحسوبة على تيار الإخوان المعروف ببراغماتيته فشلوا هم أيضا في التنسيق والتعاون باستثناء تكتل الجزائر الخضراء ، بل إن المرحلة التي سبقت يوم الاقتراع بينت حجم الأنانية والحسابات الشخصية والانتصار للذات وكشفت كيف استحكم الخلاف بين الإسلاميين الجزائريين ولم نسمع عن صراع أفكار أو مناهج أو مشاريع ، وقد انعكس ذلك على هذا التيار الذي غرق ودفن في خلافاته ولم يتمكن قادته من الجلوس إلى بعضهم والحديث إلى أنفسهم ككتلة واحدة ،فكيف بهم يفكروا في الجلوس إلى خصومهم الإيديولوجيين من الذين يختلفون معهم في المنطلقات الفكرية والمرجعية السياسية ، من أحزاب المعارضة الأخرى.
النكسة التي مني بها الإسلاميون خصوصا والمعارضة بشكل عام في الانتخابات التشريعية في زمن الربيع العربي هي درس قوي ومفيد رغم قسوته ودعوة كي تنهض هذه الأحزاب من غفوتها وتتخلى عن أنانيتها وتعترف بأنها أخطأت الحساب والتقدير وضلت عن الطريق الصحيح، والأهم أن تلتفت إلى ما يجمعها لا إلى ما يفرقها وأن تنفض أيديها من الماضي القريب وتتذكر أنها تمكنت في فترة ما من الاجتماع على الحد الأدنى من أجل المصلحة العامة ومن أجل ضمان الحرية والديمقراطية للجميع .
النكسة التي مني بها الإسلاميون خصوصا والمعارضة بشكل عام في الانتخابات التشريعية في زمن الربيع العربي هي درس قوي ومفيد رغم قسوته ودعوة كي تنهض هذه الأحزاب من غفوتها وتتخلى عن أنانيتها وتعترف بأنها أخطأت الحساب والتقدير وضلت عن الطريق الصحيح
وإذا كانت كل هذه الأحزاب من إسلاميين ويساريين ووطنيين يدعون بأنهم ضحايا التلاعب بنتائج الانتخابات عليهم أن يتذكروا أيضا أن التزوير الذي ينددون به اليوم جمعهم في خريف سبعة وتسعين تسعمائة وألف وأخرجهم في مسيرة مشتركة للتنديد به، فرأينا سعيد سعدي الليبرالي يسير جنبا إلى جنب مع لويزة حنون اليسارية ومحفوظ نحناح الإسلامي القريب من الحكومة وعبد الله جاب الله المعارض لها…كلهم على كلمة واحدة.
الدرس اليوم موجه إلى المعارضة برمتها وعليها جميعا أن تستوعبه وتحفظه وتخرج من ردات الفعل الآنية والمتسرعة والساخنة إلى البحث عن صياغة مشروع واسع وشامل يجمع الكل تحت حد أدنى من الإجماع، لأن السلطة التي ينتقدونها اليوم ويقيمون الدنيا لأجلها ولا يقعدونها هي لم تقم في الأصل سوى بحماية نفسها وحماية حزبيها من الانهيار والاندثار على طريقة التجمع الدستوري في تونس أو الوطني الديمقراطي في مصر ومن كان ينتظر غير ذلك فهو مخطأ، أو انطلت عليه اللعبة ووقع في فخ تصديق خطابات وسياسات نجحت في تقزيم المعارضة وإغراقها في خلافاتها ومن ثم تغييبها عن برلمان ستكون له كلمة حاسمة في تعديل الدستور وصياغة مشروع الجزائر المقبلة.
الخسارة اليوم ليست خسارة للإسلاميين وحدهم فهؤلاء خسروا كل شيء في اللحظة التي فرقتهم أنانيتهم ووقعوا في العنف وانغمسوا في ملذات السلطة، واليساريون والليبراليون على ضعفهم هم أيضا خسروا في اللحظة التي تفرقوا فيها وخونوا بعضهم وتقاذفوا التهم وحتى الشتائم، وهم اليوم يجنون حصاد الهشيم، وثمار التفرق وعدم الثقة.
الصدمة والخيبة هي واحدة في معسكر المنهزمين ومادام أن الشعور واحد فمن المفترض أن تكون قراءتهم للنتائج واحدة ومقاربتهم للمرحلة الحالية والمقبلة واحدة، وهذا يعني أن لا حل أمامهم سوى التقارب والتنسيق ونسيان خلافاتهم الحقيقية والمفتعلة من أجل حصول التغيير الذي تأجل لأسباب كثيرة يعرفونها ولا يختلفون حولها.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 3936
صحيح ياأخ مروان فمايسمى بالمعارضة ستبقى تحلم بالوصول إلى الحكم ممنية النفس ببركات رياح الربيع العربي ولعلها تهب على الجزائر كذلك,بل ذهب البعض في حلمه إلى أن وجود برلمان دو أغلبية إسلامية في الجزائر هي حتمية يؤيدها الغرب, لإكتمال تلوين الخريطة الخضراء من البحر الأحمر إلى المحيط.
حقيقة الأمر أن البرلمانات الإسلامية في تونس ومصر جاءت بعد تاريخ نضالي معتبر ضد الأنظمة المستبدة ,وساعدهم الشباب في إسقاط هاته الأنظمة,فلما جاءت فرصة إنتخابات مفتوحة حازوا على الأغلبية ,إنه تصويت بالقلوب أو بالعاطفة في إنتضار الفوز بالعقول إذا نجحت حكوماتهتم في إشباع البطون..
أما في المغرب صح فالنجاح الإسلامي والبرلمان المدجن, كان مجرد إرادة وضربة إستباقية من الملك ليقطع الطريق أما الإسلام الرديكالي و شباب الفيس بوك .
ونعود إلى الجزائر فالسلطة عندنا درست جيدا الوعاء الإنتخابي وفصلت قانون الأحزاب والإنتخابات على ضوء هاته الدراسة,فهي تعرف أن العزوف كان سيكون كبيرا,فبنت حساباتهاعلى كيفية الإستفادة من أصوات الأمن والجيش والمجاهدين والحرس البلدي و عمال الإدارة وهو ما أعطى أحزاب السلطة صمام أمان ضد مقصلة ال5% لقانون الإنتخاب,بالمقابل رخصت السلطة لأحزاب كثيرة بالتواجد والمشاركة بإستثناء جماعة الفيس الذين لا يزالون يرعبون السلطة,مشاركة الكثير من الأحزاب ميع وفرق الوعاء الإنتخابي وسهل مهمة المقصلة,فذهبت ملايين الأصوات هدرا.كذلك فإن عامل التموقع ,ومشاركة الوزراء والإعلام المعتلف, وخطابات العاطفة والتخويف من طرف مسؤولين كبار في الدولة وعلى رأسهم الرئيس بوتفليقة,توظيف زيادة كوطة المرأة,كلها عوامل زادت من تجميع أصوات أكثر لأحزاب السلطة.
إن الفشل في فهم لعبة أحميدة هذه يتحمله زعماء أحزاب المعارضة,فلا عجب في فشلهم لأنهم ديكتاتوريات حزبية من نفس عجينة السلطة ويريدون التموقع لا أكثر.
لقد كان من الواجب عدم قبول قانون الأحزاب وقانون الإنتخاب وعدم الذهاب إلى إنتخابات محسومة مسبقا,أما وقد ذهبوا فكان عليهم أن يتكتلوا كلهم في جبهة معارضة واحدة تتجاوز الألوان الدينية والزعامات الفردية وهو شيء مستحيل مع أشخاص أمثال جاب الله أو لويزة حنون أو سلطاني.
يبقى الإختبار الأهم وهو ما مدى مقدرة الآفلان في تأدية دور الرقابة والتشرع في ضل نظتم رئاسي يعطي كل الصلاحيات لساكن المرادية وبموافقة لوبي المال الخفي وسكان التاقرا.
تعليق 3988
مقال رائع، وتحليل منطقي للواقع، لكن للأسف لاحظت أن قراء هذا الموقع لا يعلقون إلا على المقالات التافهة التي لا تفيد في أي شيء.
في هذا الموقع، لكي يرحب بك، يجب ان يكون قلمك سلاحا للهجوم على الجميع، وأن تقصف بكلماتك الكل، وأن تكون فارغا مثل على رحايلية أو تاجرا مثل سعد بوعقبة، أم فريسة سهلة مثل هابت حناشي
يا خي موقع؟؟؟