رآي... من منظور سوسيولوجي على هامش المتغيرات السوسيو ثقافية الجديدة.... وعلى ضوء ظلمة التأثير في نوع معين من القراء الجدد ضمن القراءة الرقمية وسحر الصورة وعالم المتاهة والرعشة... والذهول. عبر الاستيلاب والحيلولة دون الاستيعاب.
بغض النظر عن كل الدوافع والأسباب الفرعية والمساعدة على تنامي الظواهر الجديدة، المرتبطة بالتحول الرقمي وتكسير القيود على أدوات وآليات التواصل والتفاعل الآني واللحظي، فإن ظاهرة القراءة والمقروئية الجديدة، مرتبطة بظواهر أخرى مماثلة لها علاقة وطيدة بالموضوع:
الاستهلاك بلا ضوابط ولا حدود، السرعة في البحث عن بدائل لكثرة الإنتاج والتسويق وشراسة الإعلانات والإغراء، الاهتزاز العنيف لمنظومة القيم كلها، سواء تلك المرتبطة بالمجتمع والمجتمعية كالقرابة والأسرة والفرد والجيرة والأقارب والأصدقاء وظروف العمل، وبداية الخضوع لسحر الصورة وفانتازيا التنقل والانتقال الخبري والصوري..
وفيضانات التدفقات لكل أشكال إشباع نهم وشراهة مختلف أنواع الاستهلاك الفردي قبل الجماعي:
استهلاك سريع يتطلب الاستبدال كل لحطة وفترة ‘قصيرة: هذا ما يسبب إرباكا في المنظومة السياسية والاجتماعية والقيمية، وهي التي أوصلت عالم الاجتماع دركهايم إلى مفهوم “الأنوميا”، التي أحدثها النمو السريع للآلة الرأسمالية الصناعية في الغرب وفي فرنسا تحديدا خلال القرن التاسع عشر، والتي أدت إلى ظاهرة الانتحار، أفرد لها دركهايم بحثا مطولا.
كان هذا حال فترة بداية نشأة ونمو الرأسمالية، قبل أن تتحول إلى ليبرالية متوحشة، مستبدة باسم “ديمقراطية مركزية” منتشرة، مهددة لقيم المجتمع العادي حتى لا نقول التقليدي، هذا الأخير الذي يكاد يتقلص إلى حد الانقراض.
هذا التنامي في انتشار الرأسمالية الليبيرالية المتوحشة الباحثة عن الربح وبطريقة مكيافيلية، عبر مظهر “خلق الثروة” و”الفرص”، و”تحرير الحريات” من العقد والطابوهات، وتفكيك “منظومات التعطيل” الفردي، ممثلة في العقلانية المطلقة، والعلمانية غير قابلة للتفتيت ولا التجزئة ولا الاستثناء، والفردنة غير المحدودة والحرية بلا ضوابط، هي من صميم الحداثة الغربية التي تفرز الآن هذه الظواهر الاجتماعية المرتبطة كلها بتغيير نمط الاستهلاك الكلي: “تغيير نمط العيش” (The way of life change)، التي تمتشقها القوى الرأسمالية الكبرى، لاسيما رأسمالية البنوك الربوية، والذكاء الاصطناعي.
هذا الأخير الذي سيغير الذهنيات والممارسات ويجرد كثيرا من المجتمعات والأفراد قيمهم الإنسانية التقليدية والعادية، لصالح “أفراد بلا روابط”، مبرمجين عن بعد من أجل الاستهلاك ولا شيء غير الاستهلاك، ولا مجال للتفكير، في ظل وجود عقول تفكر بدلا عنك ومنه العقل الأكبر الإلكتروني:
هم يبحثون عن ألوهية تتحكم في العقول ويعملون على قدم وساق في أمريكا والغرب بشكل عام، على “الاستحواذ” على العقول وبرمجتها وفق متطلبات الربح ومصالح الأوليغارشيات والنخب المهيمنة في أمريكا وفي وادي السيليكون.
إنه التحدي الأني والمستقبلي. لذا، لا ينبغي أن نبحث عن معرفة منشأ ظاهرة جديدة وفقط، بل كيفية تغييرها داخليا عبر مقاومة “الوثنية” الجديدة في الجاهلية الجديدة:
تأليه إله الالة، وتأليه العقل الاصطناعي والروبوت، وباقي “الأرباب الجديدة” التي ينتجها العقل البشري تباعا، لمساعدته على الهيمنة المطلقة.
الواقع الافتراضي، يراد لها أن يكون شبه بديل أو موازي للواقع الفيزيقي الواقعي:
نعيش افتراضيا أكثر ما نعيش واقعيا، مما قد يتسبب في انفصام سيكولوجي جماعي واستيلاب غير مسبوق، يصبح فيه الفرد ضحية، لاسيما الشباب الباحث عن ملجأ هروب من الواقع الصعب الذي أنتجته العولمة بحد ذاتها..
مسار قد يوصل إلى حالة إرباك سحري، تأثيري، إخضاعي، لكل المؤسسات في القطر الواحد، ويهيئ لعالم غير واقعي، كمن يريد أن يصور “الجنة على الأرض”، لا يدرك الفرد أنها بالمقابل تحمل على الوجه الآخر “النار التي تحرق” وتفني الجميع.
– بقلم: د. عمار يزلي
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.