عناوين فرعية
-
سألني صحافيون ما هو القذف (Diffamation)؟
فأجبت القذف قول مُشين، وكلام من غير تدبّر ولا تأمل، من شأنه أن يُضرّ بشرف شخص وباعتباره المعنوي، أو يمسّ بسمعة هيئة نظامية. والقذف جُنحة تترتب عنها مسؤولية وعقاب، حتى لو قال الصحفي الحقيقة، خصوصا إذا تعلق الأمر بالحياة الخاصة.
والقذف يستوجب تعويضات عن الأضرار المعنوية، التي تمسّ بسُمعة الشخص، وقد يؤدي إلى غلق الجريدة والزجّ بصاحبها في السجن.
وللقذف في كل القوانين الوضعية أركان.
أولها العلانية، أي أن فعل القذف هو جهر بالقول في شكل كتابة أو رسم أو صورة أو رمز.
وثانيها التشهير بالسمعة، أي أن الضحية مطالبة بأن تُثبت أن القول العلني استهدفه شخصيا، ونال من شرفه وكرامته، وحطّ من شأنه في المجتمع.
وثالثها الإثبات، أي البيّنة على من ادّعى.
ولأن الصحافيين غير محصّنين ضد تهم القذف، التي تستهدفهم، فقد تعلّموا كيف يتفادون المثول أمام المحاكم الموقّرة، وتعلّموا أن يلتزموا الحقيقة، وتعلّموا الحرص على توخي الدقّة أثناء تقديم المعلومات، وتعلّموا أن يكونوا موضوعيين، وتعلّموا إذا ما ارتكبوا خطأ في حقّ شخص أن يصححوا الخطأ فور وقوعه، وتعلّموا أن يعتذروا للمتضرر منه، ويتيحوا له حقّ الردّ.
قلت للصحافيين: “نعم معكم حق في كل ما قلتم، وفي إمكانكم إقامة هذه الدعاوى لو كنا سواسية أمام القانون”.
فقال لي الصحفي الأول: إذا كان القذف ما قلت، وأركانه ما وصفت، فمن حقنا، نحن الصحفيين، أن نُقيم دعوة قضائية بأحمد بن بله لأنه قال عنا في حصة لقاء الصحافة سنة 1990 “أنتم تضربوا الشيتة مليح”، واتهم 10%من الصحافيين أنهم يأخذون أوامرهم من فوق.
وثنى على كلامه أحد بارونات الصحافة الفاشلين بالقول( مثلما تنافس الصحفيون في تطوير أسالب الشيتة، التي تعجب النظام في وقت رواج صحافة “الشيتة”، يتنافس أيضا اليوم الصحفيون في تطوير أساليب السبّ والشتم).
وقال لي الصحفي الثاني: ومن حقنا أيضا أن نقاضي عباسي مدني لأنه لم يكن يعترف إلا “بالصحفي الرسالي”، وقال عنا في اجتماع علني بقاعة الأطلس إننا “رخاص” وشبّهنا بـ “الببغوات”، وشاطر أحمد بن بله رأيه في كون جلّ الصحافيين رجال مخابرات.
وقال لي الصحفي الثالث: ومن حقنا أيضا أن نحاكم السياسي المرح رابح بن شريف، الذي قال عنا أننا ” قناطر”، وكان رفيقا بنا لأننا في حقيقة الأمر، كما قال أحد الزملاء أشبه “بشكارة” رمل تتدرب عليها الأحزاب الناشئة، كتلك التي يتدرب عليها الملاكمون المبتدئون.
وقال لي الصحفي الرابع: ومن حقنا أيضا أن نتهم وزير الاتصال والثقافة لأنه خدش كرامتنا، ونال من شرفنا، حين وصفنا أننا مجرد صبيان ترابنديست لا نفهم “قعّو من بعّو”•
وقال لي الصحفي الخامس: ومن حقنا أيضا أن نقاضي القاضي الأول في البلد ﻷنه شبّهنا “بطيّابات الحمّام”، أي أننا عجائز شمطاوات كيّاسات تسلخن جل وقتهن في النميمة وتقوّل الأقاويل والقدح في أعراض الناس. وذهب أبعد من ذلك حين أمر حرسه الخاص بإخراج “همّ البلاد” من القاعة التي كان يخطب فيها.
قلت للصحافيين: “نعم معكم حق في كل ما قلتم، وفي إمكانكم إقامة هذه الدعاوى لو كنا سواسية أمام القانون”.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.