في الوقت الذي تُشرّف فيه سيّدتان جزائريتان شعبنا، وتمثّله أحسن تمثيل بمشاركتهما في "سفينة زيتونة" لفكّ الحصار عن غزّة المحاصرة وإيصال رسالة التضامن والتآزر بين الجزائر وفلسطين في كفاحها نحو التحرير، ويتعلّق الأمر بكل من النائبة البرلمانية سميرة ضوايفية (حركة حمس) والمذيعة في قناة الجزيرة خديجة بن قنّة، في نفس الوقت الذي وصلت فيه سفينتهما رفقة نشطاء عالميين إلى ميناء ماسينا الإيطالي، كان الوزير الأول الجزائري يستقبل الممثل الأمريكي الداعم للصهيونية "Arnold schwarznegger".
هذا الممثل الذي يعجّ تاريخه برحلاته المتكررة للأراضي الفلسطينية المحتلّة ودعمه الحكومة الصهيونية، والذي لم يتوان عن الدفاع عن إسرائيل بكل شراسة خلال قصفها غزّة في صائفة 2014 المشؤومة، هذا القصف الذي أدى إلى سقوط أكثر من 2000 قتيل بينهم 579 طفل بالإضافة إلى تدمير 60 مسجدا وعدد أكبر من المنازل.
يتهاوى هذا الممثل في ميزان الإنسانية كما يتهاوى أمامه خصومه في أفلامه السينمائية، وتتهاوى معه أسهم الحكومة الجزائرية، التي لطالما رفعت شعار “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.
لقد وصلت درجة السقوط الأخلاقي بالوزير الأول إلى استقبال شخصيات صهيونية داعمة للاحتلال في أرض عانت من ويلاته أكثر من قرن من الزمن.
سيذكر التاريخ السيدتين بن قنّة وضوايفية ويخلّدهما مع الأحرار والنبلاء المناضلين والمناضلات في سبيل الحريّة، بينما لن ينال الوزير الأول، إن لم يعد عن فعله، سوى توقيع الممثّل آرنولد، و خزيا وعارا قد يلحقه إلى يوم يبعثون
إن الحكومة الجزائرية، إن لم تتراجع عن هذا الفعل وتعتذر عنه، فإنها تعتبر ضليعة في موجة التطبيع مع الكيان الصهيوني، التي هبّت رياحها فجأة مؤخرا، فلو صدّقنا أن خطأ كتاب الجغرافيا في المناهج الجديد الذي أدرج دولة الكيان الصهيوني بدل فلسطين مجرد خطأ بريء، فهل استقبال سلاّل لآرنولد شفارتزنيغر بالصوت والصورة للمرة الثانية، هل يعتبر أيضا خطأ بريئا؟ ألا يوجد رجل رشيد في أروقة السلطة يقوم بدراسة تاريخ من يلتقي به المسؤولون الجزائريون ومن يدعونه إلى موائدهم ومكاتبهم؟
هل صارت هنالك هوّة واسعة بين أشواق الشعب الجزائري للحريّة، ودعمه لكل قضاياها في العالم، كما رأينا مع السيّدتين ضوايفية وبن قنّة اللتان شرّفتا الجزائر وكانتا خير سفيرتين للحريّة والنضال من أجل القضايا العادلة، وبين الحكومة التي لا تتوانى عن استقبال داعمي الصهيونية والمدافعين عن نظامها العنصري؟ هل تهدم الحكومة ما يبنيه ممثلو المجتمع المدني؟
هذه الزيارة ليست النقطة السوداء الوحيدة في سجّل الجزائر المتراجع بقوّة بالنسبة للقضية الفلسطينية، الجزائر التي كانت يوما المنبر الذي أعلن قيام دولة فلسطين سنة 1988، فالاقتصاد الجزائري يكاد يكون جنّة للشركات الداعمة للكيان الصهيوني والمتورطة في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، هذه الشركات العالمية التي تحصل على الأولوية في أغلب المشاريع الحكومية للبُنى التحتية، كشركات Alstom وveolia وcaterpillar وغيرها، التي تعاني من حملات المقاطعة في أوروبا ومختلف أنحاء العالم بسبب تورّطها في تهويد مدينة القدس ومشاركتها في بناء “طرقات الأبارتايد” وتوسيع عمليات الإستيطان الإسرائيلي، هذا دون الخوض في فضيحة سفير الجزائر في الأمم المتحدة “إدريس الجزايري” الذي تشير الصحافة البريطانية و”وثائق ويكيليكس” أنه “يضع نفسه تحت تصرّف الإسرائيليين”، بينما نفى هو الأمر نهائيا!
سيذكر التاريخ السيدتين بن قنّة وضوايفية ويخلّدهما مع الأحرار والنبلاء المناضلين والمناضلات في سبيل الحريّة، بينما لن ينال الوزير الأول، إن لم يعد عن فعله، سوى توقيع الممثّل آرنولد، و خزيا وعارا قد يلحقه إلى يوم يبعثون.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.