الدعوة القضائية التي رفعتها وزارة الاتصال في الجزائر، منذ نحـو شهر لإبطال صفقة بيـع مجمع ''الخبر لرجل الأعمال يسعد ربراب، والتي تكاد أن تـوقّع شهادة وفـاة أشهـر يومية معربة في الجزائر المستقلة، يمكن وصفها بأنها جزاء من جنس العمل، أو بعبارة أدق ''جزاء سنمار في قضية إعلام''، فحين يقرأ المتتبع المحايد، تاريخ ما سمي بهتانا ''الصحافة المستقلة في الجزائر''، والتي قامت على أعتاب مساعدات ودعم من ''النظام''!! خلال فترة 92-98، تسقط أمامه ''البكائيات'' وحالات التشكي ''السادية'' الذي صاحبت تململ قـلعة الخبر... وعدد من الصحف التي أرادتها، أن تكون طرفا رئيسيا في الصراع الدائر إلى جنب النظام ضد المعارضة ''الفاعلة'' خلال التسعينيات، ثم التحيز إلى إحدى العصب المتصارعة اليوم في السلطة نـفسها!
لا للمغالطات…
بداية لنكن منصفين، فالخـبر والى وفاة رئيس تحريرها عمر أورتيلان، في عموده الأخير ”أيها السلم تجلى” كانت تتطلّع لحل سياسي سلمي للأزمة، فقد تفاعلت مع حـوار ”الظل” سنة 1994/1995 ونشرت رسائل قادة جبهة الإنقاذ من السجن، وأجرت عدة حوارات مع الزعيم المعارض آيت احمد من جنيف، كان يهاجم فيها السياسة الأمنية.. وشّحت به صفحاتها الأولى عدة مرات، ونقلت تصريحات رابح كبير من ألمانيا رئيس الهيئة التنفيذية للفيس تباعا، بل على ما أذكر رشحته “رجل الأسبوع” في ركنها بهذا الاسم في ملحق الخبر السياسي… وكانت الخبر فيما يقرأ متحمسة لحل سلمي سياسي وتترجمه المقالات كتابها (هابت حناشي، أحميدة العياشي، حميد بودومي، عبد الكريم ت…) لاسيما في أوراق ”الخبر السياسي” الملحق الذي كان لسنوات ينشر يوم السبت، وكنت أحد متابعيه بشغف… ولكنها ولأسباب تجهل انخرطت في تأييد سياسة الحل الأمني، وأصبحت جزءا من الكارتل الإعلامي الاستئصالي، حيث ضمت إليها كوكبة من الصحفيين الذين كانوا سباقين إلى ”الخبر الأمني” وتغطية المجازر قبل وقوعها!! من جماعة (ع إبراهيم، ثم سهيل…) مع أولئك الذين يديرون اليوم صحف أسمتها لويزة حنون بصحف ”المرتزقة”.
والذي يدرس مسيرة الخبر 92-95 يلاحظ نحـوا من الحيادية أرادت الصحيفة تلمسها في البداية، ويكفي أن نقرأ عنوان مقال تحليلي للمواقف والأوضاع تحت عنوان (زروال بين عنف الفيس وتطرف الجمهوريين) الخبر 02/04/1994، وفي نفس المقال الذي كتبه ح بودومي يقرأ موقف سعيد سعدي من باريس الذي دعا فيه إلى تكوين مليشيات خارج سلطة الجيش ”إنها خطوة نحو المجهول تجتازها الجزائر، وإنه عنف مضاد يدخل البلاد في متاهة”…
ولكن الأوضاع الأمنية وتدخل ”العسكر” في الشأن السياسي، وترويضهم لمعظم وسائل الإعلام والزج بها لتأييد سياسة المجابهة، أدى بالخبر قسرا إلى الدخول في ”الصف”، فقد تعرضت إلى ضغوط أجهزة الأمن قبل تهديدات الإرهاب، فحين أوردت خبر تنحية وزير الداخلية العربي بلخير 1992 تم تعليقها وتعرض صحفيوها للاعتقال والاستنطاق، وحين تجرأت ونشرت خبر يتعلق بضلوع وزير الداخلية العربي بلخير في اغتيال الرئيس محمد بوضياف، قـام الوزير باستدعاء رئيس التحرير وعدد من الصحفيين حيث قام ”باهانتهم” جميعا في مكتبه ونعتهم أنهم ليسوا جزائريين، بل وأسمعهم كلاما منافيا للأخلاق، وفي الأخير توعدهم بنسف الجريدة، وقام باحتجاز شريف رزقي في مقر المديرية المركزية للأمن الوطني…) الخبر 26/10/2010.
وعلى ذكر عمر أورتيلان شهيد ”كلمة الحق” التي أظهرها في عموده باسم بوجمعة، ودافع فيها عن حتمية الحل السياسي حتى أنه كـتب مهاجما إما الشيخ حماني أو الشيخ البوطي (لا أتذكر) حين انتقذ أحدهما مسعى جماعة سانت ايجيديو 95، كتب بوجمعة يقول بعنوان بارز ”لا يا شيـخ” وفي عموده بعنوان (البين، بـين) بتاريخ الأحد 12مارس 1995 انتقد فيه بشدة السلطة بسبب تهميشها ومهاجمتها لوثيقة جماعة العقد الوطني التي رأى فيها مخرجا سياسيا للازمة..
وحتى لا نـقع في المغالطات التي تسوقها جماعة الخبر اليوم، أن عملية اغتيال أورتيلان الذي أصبحت قميص عثمان لـديهم، للتباكي على التضحيات في ميدان الإعلام، هذه العملية لا تزال غامضة، بل أن رجلا عُرف بالتحفظ مثل محي الدين عميمور يتحدث في مناسبة إعلامية على أنّ ”اغتيال عمر أورتيلان يلـفه الغموض”، وتبعا لهذه المغالطات فإن أبو جرة سلطاني في مقال له بالخبر في 16/05 يزيد الأمر تعتيما ومغالطة عن قصد حين يقول (أن خط الخبر في سنوات الجمر متوازنا وموضوعيا.. وأن طاقمها قدم ضحايا في سبيل إرساء السلم والمصالحة في زمن المأساة الوطنية)، صحيح أن عمر أورتيلان ضحية المأساة الوطنية، ولكن يجري تسويق الحدث وفق أدبيات الاستئصالين..
حتى زمن إقرار قانون الوئام والمصالحة (2000) ظلت الخبر تعشق ”التخلاط” على طريقة التلميذة ”النهار الجديد” اليوم، فقد كتبت ببنط عريض على الصفحة الأولى في حدود جانفي 2001 ”يـوم أسود على بن عائشة”، لأن العدالة أبطلت الدعوة القضائية، التي رفعها أمير جيش الإنقاذ بسبب اتهامات روجتها الخبر ضده ”فقط”، ونشرت الخبر تحت العنوان صورة غطت الغلاف، يظهر فيها مدير الصحيفة علي جري محمولا على الأكتاف…
وقبل صدور حكم المحكمة قادت حملة لإبطال الدعوة فنقرأ في عدد 20/12/2000 مثلا العنوانين (إرهابي يتهم مدير الخبر بزرع الفتنة)، (الإرهابي بن عائشة يبدأ بمقاضاة الخبر)…
… خلال عـقد من الزمن (2005-2016) وبعد التطوير الذي حصل فيها، تخلت تدريجيا ونسبيا عن خط التطرف اللاستئصالي (وليس بالمرّة) أصبحت نظرتها أكثر حيادية وتوازنا… وأصبحت تضاهي العالمية في التبويب والإخراج والمتابعة، بأقلامها المتميزة في بناء المقال السياسي الذي يتسم بالموضوعية والعلمية (حميد يس – ح سليمان – جلال بوعاتي – سعد بوعقبة…) وبصفحاتها التي يكتبها متخصصون (الاقتصاد -الرياضة – الإسلامية…) إضافة إلى قضايا وتقـارير ”الجزائر العميقة” التي قوامها انتقذ وابتعد عن لغة الخشب، وحتى الصفحة الدولية في عز الفضائيات، وسيطرة منطق ”الخبر العاجل” حافظت على خصوصيتها وتألقـها… ولو أن الصفحة الثقافية بثقلها حافظت على نسقها ”التغريبي” الاقصائي لما كل هو حضاري إسلامي من أدب وفكر وثقافة (إلاّ ما ندر وشذر) حيث يشرف عليها منذ التأسيس حميد عبد القادر الذي صرح سنة 2008 لأسبوعية ”المحقق” بكل صدق أنه فرونكفوني تغريبي التوجه ودون عقدة…
الحنين إلى الزمن الاستئصالي…
غير أنه يجب أن لا نخلط بين ما هو تـقني وما هو فـكري، وما هو مهني وما هو سياسي، وما هو حق وحقيقة، وما يراد به يكون أن يكون خدمة لفئة أو طائفة، أو حتى شخص له مال ”قارون’ ‘يريد أن يمرّر مشرعا فـكريا يحطّم ويلغي به هوية شعب وحضارة..
خذ مثلا في حالة الخـبر.. من يساند الخبر كثير من المثقفين وشخصيات المجتمع، وقادة الأحزاب الذين هم في خصومة شخصية ليست بالضرورة، مع بوتفليقة وأخيه السعيد ومجمع قنوات النهار إن شئت (للتوضيح)، وبعض الجنرالات المتقاعدين الذين كانت لهم الخبر السند والمدد وهم على أعتاب محاكمات دولية(…)، وحتى رجال المقاومة التي كانت تنقل معاناتهم عبر سلسلة تحقيقات (1995)، وحرس الحركة البربرية في منطقة القبائل (حيث ينحدر أهم ركائز الجريدة وأركانها منها ( رزقي – أورتيلان، ايونوغان…)، نحو نصف الموقعين على عرضية مساندة الخبر مواطنون من منطقة القبائل ـ هذا جانب ايجابي نقـرأ فيه على الأقل مساندة جريدة بلسان عربي لأول مرة، بل أكثر من هذا يعد أبناء المنطقة المسيطرون على عصب الجريدة ناس لا يشق لهم غبار، ولا يسبقهم فارس أو حصان إن تعلق الأمر استخدام لغة عربية إعلامية راقية لمخاطبة الجمهور لا يتقنها حتى بعض المعربزين في ”النصر” و”الشعب” أو ”المساء”… منالذين قتل فيهم النظام العزة والكرامة…
هذا ويؤيد الخبر في ”الحملة ” نخبة تضم (صحفيون ونشطاء سياسيون) وأدباء جلهم أيـدوا مرحلة الاستئصال، ولم يعترضوا على ما جاء فيها من انحراف أجهزة الأمن (عبروس أوتدورت مدير ليبرتي – عمر بلهوشات مدير الوطن، وزير الاتصال الأسبق رحابي، خليدة تومي وزير الثقافة سابقا، حفيظ دراجي، أحمد أويحي نماذج حية)، وأخيرا انضمّ صاحبنا (كمال داود) الى الجوقة…
ومما يلاحظ أيضا أن مناضلي حزب الأرسيدي (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) القبائلي قيادة، إعلاميين، مناصرين ينخرطون بقوة في دعم الخبر… هذا التشـكيل ومن لف لفهم انضم لحملة مساندة جريدة الخـبـر في محنتها مع وزير الاتصال حميد قرين (الإستئصالي هو الآخر في توجهه وكتاباته الفكرية الانحرافية (رواية الصلاة الأخيرة) التي احتفت بها الصحف الفرانكفونية، في حينها ومنها صفحة حميد عبد القادر.
دفاع هذه العيّنة والفئة عن الخبر، هو في الحقيقة دفاع عن ”الزمن الاستئصالي” فالخبر استئصالية وساندت بقوة أطروحات التيار الاستئصالي التغريبي، وتزداد شراهتها لإقصاء الآخر فجأة، إن سقطت في يدي ربراب، والآخـر تعرفه هي وأنـتم… فنظرتها للحريات فئوية مقيتة، وتعلمون لمن تهـدي كل سنة جائزتها ”عمر أورتيلان” لأصحاب التوجع العلماني، وان شئتم راجعوا قائمة الفائزين سابقا…
فطيلة بكائياتها منذ مجيء بوتفليقة لم تحدثنا عن قضية الظـلم الذي حاق بعشرات العناويين التي أوقفت بداية التسعينات، وحرمت من الإصدار، لأنها نددت بسياسة الكل أمني فيما كانت تستفيد هي من الإشهار طيلة سياسة الاستئصال (92-98 )، وباعتراف علي جرّي الذي مكث عقدا من الزمن يصفق للنظام ”الاستبدادي” ليومية النهار في 03/05/2016 ”أن الخبر كان لها خط افتتاحي موحد مع الوطن وليبرتي”، وإنما ضيق عليها في البداية مند مجيء بوتفليقة لأنها رفضت تزكية سياسة المصالحة، ورفضت قرار العفـو عن المسلحين، هاهو منسق الحزب الشيوعي الأمدياس خلال ندوة صحفية 11/05 السيد فرحي يقول في سياق تعليقه على أزمة الخبر: “النظام يريد إلغاء كل الحساسيات التي رفضت الإنخراط في منهج الوئام والمصالحة”.
وأصبح الأمر لاحقا يرتبط بقضايا الفساد، التي تكشف جزء منها، وتتفاعل معها الصحيفة، طبعا وفق ما كانت يراه جهاز ”الظل” يتواءم ويخدم توجهاته ومشاريعه…
تتذكرون العمود الذي وشّح به شريف رزقي إلى اليسار الصفحة الأولى سنة 1999 يوم تكـلم المرشح أحمد طالب الإبراهيمي، في إطار حملته الانتخابية عن العفو، كتب مدير الخبر بالحرف الواحد (لا للعـفو)… وتتذكرون التهجّم على الجنرال بتشين 1998 بمهماز جنرالات آخرين على صدر الخبر… هي حين تختار الدفاع عن نفسها ومند 1992 تختار محامي معروف بأفكاره المتطرفة الاستئصالية، ولن يكون هذا المحامي إلا (بورايو) ويطلع رايـو… وحين تحتفل بذكرى عشرين سنة من الوجود في أكتوبر 2010، تستكتب أقلام استئصالية أمثال رضا مالك، وأحمد أويحي، والنقابي اليساري سيدي السعيد الذي يقول في ”تهنئته” إنها كانت أقوى من أن تخيفها معاول الهدم الإرهابي الذي حاول تركيع الجمهورية” ليحرروا لها آيات المدح، في هذه الاحتفالية يظهر كما أبرزته الخبر الجنرال خالد نزار وعلي هارون إلى جانب سعيد سعدي في جلسة حميمية ليتذكروا الأيام.
النظام يصارع البقاء… فماذا تريد الخبر؟
يوجد النظام بمؤسساته، وكذا الخـبر كمجمع على كفة واحدة من التململ والترنح، فقد أصابت الأزمة المالية كل المؤسسات خاصة أو عمومية، وإذا كان النـظام يصارع من أجل البقاء، ويستخدم كل الحيل والوسائل لأجل خوض المعركة الأخيرة من عمره… فالخبر بالتمام تصارع البقاء ولكن ماذا تريد، فهل تريد الاستمرارية في النشاط الإعلامي ”الاحترافي” أم تريد أن تأخذ وتسطو على الحكم؟ تحت عباءة رجل أعمال؟ إلى الأمس القريب 05/05/2016 ظلت تتوشح بمقالات وبيانات وزير الدفاع خالد نزار، الذي هو في خصومة مع رجال ”النظام البوتفليقي”… وهي في عز الدفاع عن حق المواطن في المعرفة تتكتم على نقـل خبر سفـر الرجل إلى باريس في سفرية سرية ومثيرة…
وهي التي نشرت الحوار الشهير الذي دعى فيه الجنرال بن حديد إلى شبه تمرد على حكم بوتفليقة وقال أن ”الجنرال توفيق ذئب شرس لن يتمكن النيل منه قايد صالح”، ورغم هذا لن يقنعنا أحد في الدنيا قاطبة أن هذا يمثل صراع أفكـار أو مبادئ أو قضية حريات، أو محاولة لأخلقه العمل السياسي، فهو صراع مواقع، ومنافسة بين عصب أنتجها النظام، لها ذيل إعلامي وهي تقترب وتبتعد، تتقاطع وتتنافر، تتخاصم فترة وتتصالح فترة، تتسامح ثم تنتقم، تـتأثر بعضا منها برياح باريس، وأخرى بعواصف الخلجان الشرقية لأمريكا وهكذا دواليك…
فبعض عتاة الصحفيين الذين كانوا مؤثرين بكتاباتهم إبان فترة الاستئصال يديرون اليوم صحف محسوبة على النظام (مدير النهار تلميذ مدرسة الخبر- العربي زواق مستشار مدير الشروق رئيس تحرير أسبق للخبر كان يوشح مقاله في عمود ”مجرد رأي” بالتهجم المستمر ضد جبهة الإنقاذ متهما قيادته السياسية بالإرهاب، الراحل سامر رياض كان مختصا في نقل المعلومة الأمنية أصبح مديرا لنوميديا شقيقة النهار في البهتان) هؤلاء لا يزالون بأفكارهم الاستئصالية الاقصائية التي تظهر في صحفهم هم أو في أقوالهم التي تفيض ”فحشا” وإنما اختاروا الطرف القوي في المعادلة ومن أجل التكسب وفقـط.
هل يمكن القول بعبارة أخرى، أن الخـبر تريد أن تقتطع كعـكة السلطة مع أخواتها (ليبرتي – الوطن) كحق دفاعها عن الجمهورية أيام الإرهاب؟ فتصبح هي التي تشير وتقرر، تنصب وتعزل… هـذا ما يُستشف من خطها التحريري وتعاليق مسؤوليها، ونحن قرأنا حوار شريف رزقي لموقع كل شي عن الجزائر، كيف أنه يشتكي كمثل طفل صغير سرقت منه لعبة ويقول بالحرف الواحد ”حينما كنا نناضل ونواجه الإرهاب كان قرين مختفيا في المغرب”!!
كما أن الخبر في ديباجة ”نداء صرخة أحرار دفاعا عن جزائر الحريات” توظف مصطلح تسعينيات الاستئصال ”الظلاميين” وأنها خاضت معركة معهم، فتغطية الخبر لقضية الجنرالات حسان ومجدوب وبن حديـد، كشفت زيف الاحترافية والمهنية، وكشفت أيضا عن مواقفها السابقة، لقد استضافت لأيام شخصيات من طرف واحد تقريبا، ونشرت مقالات على شكل تحاليل سياسية مغلفة بمقاربات قانونية في محاولات للتأثير على العدالة، لدرجة أظهرت ظلم القضاء، وحيفه للجنرالات الثلاثة (لاحظ الأعداد التي واكبت الحدث).. وهذا يندرج أيضا في إطار الدفاع عن سياسة وتاريخ مرحلة الاستئصال التي لم ينشأ لجنة تحقيق بشأنها فأوصلت البلاد إلى الفساد الحالي، فهلا حدثتينا بربك عن انحراف جهاز المخابرات في فترة ما، ها وقد سقط قائده من طرف رجالات بوتفليقة…
من يظفر بالإعلام… يستولي على السلطة
ومن هنا وجب حلحلة الأمور، وعـدم إصدار موقف ”اصطفافي”… حتى وان ظلمت الخبر فالقضية لا علاقة بها بحرية التعبير(لا تزال الوطن وليبرتي ولوسوار تشتم كل ما هو إسلامي حضاري ولا أحد تعرض لها)، ولا بمشروع مجتمع (صرح شريف رزقي حين تسلم مهام الإدارة من جديد من كمال جوزي، أن من مبادئ الخبر المحافظة على الطابع الجمهوري)، وهو مصطلح يجري في أدبيات التيار التغريبي الاستئصالي مجرى الدّم، ومن هنا لا مشكلة مع النظام بهذا الخصوص، فالخصوم من الطرفين متفقين على الحد الأدنى من المفاهيم ذات العلاقة بالمجتمع وممارسة السياسية فلا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، حرية المرأة حـق، وتغريب المنظومة التربوية حتمية تاريخية، حرية التعبير (الفئوية) مضمونة…
المعسكران أيضا يتقاسمان الرؤية بشأن معظم الملفات الدولية، وقضايا الساعة (المـلف الليبي – الملف السـوري)، العلاقة مع باريس فيها كثير من مزايدة هذا الطرف عن ذالك (لاحظ قضية فالس) ويظهر هذا بالأساس في صحفهم.
فقضية الخبر هي قضية صراع فيه من الأسرار ما قد لا يعرف… وإن بدا ظاهريا صراع المال على السلطة، لاسيما وقد بدأت حسب كثير من الملاحظين مرحلة التحضير لما بعد بوتفليقة، وبدت فيه سيطرة رجال الأعمال على المناصب الحساسة، بمختلف مؤسسات الدولة منها التنفيذية والدستورية (ويحدث هذا منذ عهد بلخادم في قيادة الأفلان حيث صاحبه قطيع ”السراق” ولصوص السياسة -لاحظ الزخم الذي يحظى به علي حداد وسط السفراء والشخصيات الأجنبية أينما حل وارتحل)، وهنا اقتنص أغنى الأغنياء ربراب المؤثر باستثماراته في السوق العالمية (ايطاليا – فرنسا…) أغلى فرصة ووضع قدميه في المكان الصحيح فالرجل ذكـي، بل قنّاص أفكار، اقرب منه إلى صاحب مال، في هذه المرحلة التي تهاوت فيها (الصحافة الورقية في العالم) ودنت نظيرتها في الجزائر إلى الهاوية والانهيار…
بعد ليبرتي ذي التأثير المحدود في الأوساط التغريبية الأقلية، والمحسوبة على الحزب الجهوي الأرسيدي، هاهو يصطاد أحسن طائر إعلامي يدندن بلغة عربية أقرب إلى العلمية دقـة عبارة وأسلوبا، ومـنه يمكن صناعة الرأي العام الحقيقي، الذي يريد أن ينفد منه إلى السلطة، لا عبر ” قفة رمضان” وشعبية المواعيد والزردات وحتى الزوايا إن شئت، بل عبر التخطيط الاستراتيجي العميق والمدروس، خطوة خطوة، وربح حجرة حجرة، ليخاطب ويقـنع الأغلبية بلغتها، على شاكلة روبيرت ميردوخ رجل الأعمال اليهودي في بريطانيا، الذي ملك معظم الصحف الشعبية، التي لا يمكن لها أن تقول كلمة تجرح يهودي واحد…
ربراب بهذا يعلم أنه من يملك الإعلام يملك القلوب، ومن ثم يتحكم في القرار حتى وان كان بعيدا عن السلطة، وهكذا يفعل مفكرو الأقليات في العالم، فمن يجرؤ على نفي الهلوكوست في فرنسا وأمريكا وبريطانيا، سيغرق ويدفن في ربع ساعة تحت سيل الميديا، ولو كان سعداني ”فحل” و”متربرب” مثل ربراب لسارع لشراء الخبر من أموال 3000 مليار سنتيم التي أخدها من صندوق الدعم الفلاحي (لاحظ الخبر الأسبوعي العدد من 12 إلى 18 أوت 2009)..
وقد كان الرجل ينوي قبل أن يتفطن خصومه في ”النظام” أن يصطاد الفريسة الأخرى ”الشروق” التي رآها تتقلب وتتعذب ”لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء”، وربما يبـدو وبعـد الذي وقع مع الخبر، أن مديرها (الشاطر الآخر)، وجد فرصة العمر فقد لن يتردد في قبول أي مساعدة من ”السلطة”، ليتقلب معها دهـرا ثم يولي أعقابه كما بدا أول مرة…
هكذا ربراب (الحذق) يريد أن ينـفد ويتسلل إلى سرايا السلطة (وهي تترنح ماليا وسياسيا داخليا وإقليميا) عن طريق إنقاذ صحيفة شهيرة باتت على حافة الموت، هذا أو على الأقـل يتحكم فيها عن بعد بعلاقاته الدولية خاصة في باريس، بأمواله الضخمة، بشركاته التي تقتات منها فئات كبيرة في الجزائر، وأخيرا بأفكاره وأطروحاته لخدمة المجتمع الذي ولـد وفطر على قيمه…
ومن هنا أتـت مخاوف رجال ورجال الظل ”أمخاخ النظام” وعساكره بالضرورة… في السلطة والذين ليسوا بالضرورة على خلاف فكري كـبير مع الرجل، فهم يمكن القول ينتمون إلى تيار علماني معتدل، وهو إلى التيار القبائلي (صرح للخبر إن سبب افتعال المشاكل له بسبب أنه قبائلي) التغريبي الذي ينحو إلى التطرف…
وسواء كانت صفقة شراء الخـبر قضية رابحة أو باطلة، تجارية أو سياسية، فالرجل لم يخرج عن ديدن القوانين التي تحكم البلاد، فعلي حداد وشرفي يملكان العديد من القنوات والصحف، ولكل طموحه وأهدافه السياسية، فهو وفقط دخل في منافسة معهم يجهل خلفياتها الداخلية وامتداداتها الخارجية، ومآلاتها …. من أجل النفاد إلى ”سلطة القرار” أو الدنو منها ولو على شبر…
أردت إعادة نـشر بعض الوقائع الخلفية وربطها بالأحداث الآنية، كمحاولة لتفكيك ما يبدو معقدا غامضا من مسيرة الخـبر، ووضع بعض ”الحقائق” المجهولة أمام القـارئ، التي تمكنه وتساعده لفـهم أبعاد وخلفيات ”أزمة الخبر الآنية”، التي يتخذ على ضوئها موقف أو فكرة…
ورغم هذا لن أكون إستئصاليا مثل الخـبر في فترة ما، وأقول غياب الخبر رغم توجهاتها الفكرية والسياسية، خسارة للقارئ الذي يتطلع للمعلومة المفيدة، والوجه الإعلامي الناظر المشرق، والتوزيع المتقن للمادة الإعلامية (لاحظ فن التبويب في صفحة الاقتصاد)، خسارة للطالب الذي يريد أن يتعلم أبجديات العمل الصحفي الاحترافي… وخسارة للجميع، من أجل هذا فقط نتمنى لها العافية والاستمرارية، وأن تعود لرشدها السياسي زمن الشهيد عمر اورتيلان، بعد أن حققت قفـزة نوعية في الطباعة التبويب والمضامين.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 5733
هذا موقف يومية الخبر في الداخل، فهو واضح للعيان إستئصالي بامتياز، و هو مماثل لموقفها من إنقلاب السيسي الفاضح، فهي وفية لمواقفها الإستئصالية، حتى في صراع الهوية الدائر الآن لم تقف موقفا مدافعا بل حياديا،
تعليق 5734
لدي ملاحظة على العنوان، ففي رأيي هو استئصالي بعض الشيء لأنه لم يذكر “صفة الخبر” قبل أن تصبح استئصالية، فمثلا كان لابد ان يأتي بالصيغة التالية “الخبر.. من الاعتدال إلى قبضة ”الاستئصال” إلى وصاية ”ربراب” !
ملاحظة: أتفق معك في كثير مما جاء في المقال