من تخفيف الله في شرعه أن أسقط علينا تكليف شكرنعمه جميعا إذ جعلنا عاجزين عن إحصائها، ومن نعمه حركة السوائل في أنفسنا وفي الآفاق وسأحدثكم بجهلي عن بعض ما عُلِمت منها..
الدم سائل يحمل الغذاء والهواء من وإلى كل خلية في الجسم وليؤدي هذا الدور فإن مكوناته محددة وحركية سيره محسوبة وضغطه دقيق بينما السائل اللمفاوي يجاريه في مسارات متوازية ولكن بمكونات مختلفة وضغط مختلف ومهمة مختلفة..
حول الدماغ والنخاع الشوكي سائل آخر يسير في حركية دائمة مكوناتها ذات تركيز محدد لا يحيد عنه ووظيفته لا يقوم بها غيره ولا تستمر الحياة بدونه.
أثناء عمل الكلية اليومي فإنها تقوم عشرات المرات بتصفية الدم وفق حركية شديدة التعقيد من حيث التحكم الدقيق في كمية ما يخرج وما يدخل من الذرات لينتج سائلا آخر معدا للطرح خارج الجسم، وأي خلل في إنتاج هذا السائل أو في مكوناته سيكون وبالا على من أبتلي به.
تفرز المعدة سائلا شديد الحموضة لو أنه حيل بينه وبينها لقضى عليها ولكنها حفظت بمخاط خاص وبنمط إفراز يرتبط بتغذية الإنسان اليومية، ومثله تفرز الغدد اللعابية سائلا بتركيز ومكونات دقيقة يلعب دورا مهما في تسهيل هضم ما ندخله في أجوافنا من الطعام.
أما السوائل الموجودة داخل بؤبؤ العين والأذن الداخلية فبالرغم من أنهما راكدين ولكن دورهما مركزي في أهم حاستين في الحياة: السمع والبصر، ومكوناتهما من الدقة ما لا يعلمه إلا الله والراسخون في تخصصهما.
لن أتحدث عن الدمع والعرق ما تفرزه الأذن والقصبات الهوائية لتنظيف تلك المجاري الهامة والحيوية في الجسم لأنني أجهل من أن أخوض في ما ليس لي به واسع إطلاع، ولكنني أجزم أن كل هاته السوائل على إختلاف مكوناتها إنما خلقت وتعمل لهدف واحد هو إستمرار حياة هذا الإنسان بشكل طبيعي وإلا فهي الوفاة أو الأسقام.
وعلى هدى الراشد رحمه الله في “همس النبضات” أمضي في إستنباط الحكمة من هاته الحركية فأقول وبالله التوفيق وعليه التكلان.. أن البشر أفرادا وجماعات وعلى إختلاف ألسنتهم وألوانهم وأمزجتهم وطبائعهم التي جبلوا عليها إنما خلقوا بهذا الإختلاف ليؤدوا أدوارا مختلفة وليسيروا بحركية مختلفة ولكنها تهدف في النهاية إلى شيء واحد وهو أن تستمر الحياة فوق الأرض على مراد الله عز وجل..
فلا المسلمون مجتمعين سيغيرون من قدر الله نحو عزهم ولا ملة الكفر مجتمعة ستغير من قدر الله نحو نصرهم، ولكنه عز وجل أوجب على من آمن به ربا أن يجتهد ضمن ما توفر له من فضاءات ليؤدي ما كلف به، فلم يكلف إلا وسعه فهو أجير عند ربه، وليس له كما قال أحد العارفين أن تتجه القافلة إلى أي مصير فذلك شأن صاحب الأجر لا شأن الأجير.
أما الحب فقلب ينبض بالقيم الموصلة لمصدر النور الأزلي، وأما الدمع فرسالة الضعيف العاجز فلا يملك إلا الحسرة والندم على ما ضيّع.
وأما الدم فيسري فقط في عروق الرجال الذين يبذلونه رخيصا فداء كل مقدس، وما يجري في عروق غيرهم فهو في أحسن أحوالهم ماء مقطر أو سائل معد للطرح، والله المستعان..
– بقلم: د. عبد الوهاب بومعزة
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.