لن يذكر التاريخ الثورات العربية الحالية إلا وذكر معها الدور الكبير والحاسم الذي لعبته مختلف وسائل الإعلام والاتصال الحديثة لاسيما الفضائيات العربية ومواقع التواصل الاجتماعي على الأنترنت مثل تويتر والفايس بوك واليوتوب، فإذا كانت الأولى رافقت اندلاع الثورات ورعت اتساع نطاقها فإن الثانية هي من ربطت خيوط التواصل وشكلت المعارضة الافتراضية وأخرجتها إلى الشارع.
وإذا ما سلطنا الضوء على الفضائيات العربية خصوصا فإن الطريقة التي غطت وتغطي بها هذه الثورات دفعت الكثير من النخب إلى طرح أسئلة تشكيكية حول مدى عفوية هذه الثورات ، بل وذهب هؤلاء إلى الجزم بأن اندلاعها وانتقالها من بلد إلى آخر في توقيت متقارب جدا ما هو سوى نتيجة منطقية لسياسة التهويل والشحن وحتى التحريض الممارس من قبل هذه القنوات الفضائية ، وهنا لابد من التوقف والقول بأن المقصود بهذا الكلام هي قناة الجزيرة القطرية بسبب قوة حضورها وشدة تأثيرها في الرأي العام العربي وقدرتها على تغيير مجرى الأحداث بعد خبرة سنوات من الممارسة الإعلامية واكتسابها لثقة الشارع مقابل سخط الحكومات العربية عليها.
فالقول بأن الجزيرة وأخواتها هي من فجرت الثورات يبدو كلاما غير موضوعي و غير منصف لأن فيه من التبسيط والقفز على الحقائق الكثير فالشارع العربي لا تعوزه الدوافع المحفزة على الانتفاضة ولا الأسباب المفجرة للثورة على الأنظمة الحاكمة في العالم العربي فالظلم الاجتماعي والإقصاء السياسي والاستبداد والفساد وغيرها ،مثلما لم تكن صنيعة غربية فإنها من باب أولى ليست من صنيع الفضائيات لأن الأنظمة العربية- ما شاء الله عليها- لم تترك لأحد فرصة القيام بما يدفع الشعوب إلى الثورة عليها ، فعلى امتداد كل العقود الماضية ومنذ استقلال الدول العربية عن الاستعمار الأوربي زرعت هذه الحكومات كل بذور الثورة عليها وأوجدت كل الأرضيات المناسبة مثلما تمكنت على امتداد كل المراحل التاريخية الماضية من قمع كل محاولات الانتفاضة ضدها بل وتمكنت في كل مرة من تجديد النفس للاستمرار والالتفاف على مطالب الجماهير ، وهنا يمكن أن نذكر بمختلف الانتفاضات التي عرفتها مصر وتونس في السبعينيات والجزائر وسوريا وتونس في الثمانينات وهي ثورات قوية بمقايييس ذلك الزمن لكنها أجهضت وتم الالتفاف على مطالبها لسبب بسيط وهو أنها لم تحظ بالتغطية الإعلامية الكافية لأن هذه الأخيرة لم تكن بالقوة نفسها التي تتمتع بها اليوم ، فلو كانت الفضائيات والأنترنت بمثل هذه السطوة والنفوذ والقدرة على التأثير في الشارع لسقطت هذه الأنظمة عند أول ثورة، لذلك فإن القول بأن الجزيرة أو الأنترنت هي من صنعت الثورات العربية هو منتهى الاستخفاف بالشعوب والاستصغار للإنسان العربي وقدراته ، وتقديمه في صورة المفعول به وليس الفاعل ، وهذا يشبه إلى حد كبير تلك قناعات أخرى ترى بأن الغرب والصهيونية هم من فجروا الثورات العربية، وهنا يجب أن نفتح قوسا كي نؤكد بأن الإعلام مثله مثل الغرب يسعى لركوب الموجة و الاستفادة منها دفاعا عن مصالحه وتنفيذا لأجندات محددة وهذا طبيعي في عالم متداخل المصالح والمنافع والانتهازية هي صفة لصيقة بالسياسات الخارجية الغربية ، رغم أن هذا لا يقلل من شعبية هذه الثورات العربية ولا من مصداقيتها أو بريقها ، لذلك فإن محاولة القنوات الفضائية سواء العربية أو تلك الناطقة بالعربية الاستثمار في هذه الثورات وتوجيهها بما يخدم مصالح هذه الدولة أو تلك ليس لا عيبا ولا طارئا في عالم الإعلام لأنه متعارف عليه وموجود حتى داخل أصغر صحيفة في أنأى قرية في العالم.
merouane07@yahoo.fr
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 1910
لقد حان الوقت لسقوط الانظمة العميلة و الاعلام بجناحيه التقليدي و الحديث، سيقف مع الشعوب العربية من أجل استرداد حقوقها من الغاصبين