نادرا ما يتاح لقاتل رئيس دولة أن يكون على المسافة صفر من الرئيس الهدف، حظي بومعرافي بما لم يحظ به عبود الزمر لحظة اغتياله السادات، أو هارفي أزوالد حين اغتال كينيدي.
قد يكون بومعرافي فَعل ذلك بشكل معزول وبدافع عقدي ملتبس وفي مناخ حموءة سياسية، هذا احتمال تدعمه قرينة اعتراف مشوش وتحقيق أنجز في ظروف متوترة لا توفر الاستقلالية والصدقية الكاملة، لكن تدحضه قرائن كثيرة واقرارات متعددة المستويات تصب كلها عند تعزيز فرضية الفعل المدبر بدءا من انتقاء الأصبع الذي يضغط على الزناد أو استغلال حميته، إلى اختيار ساحة الاغتيال وصولا إلى احتواء التداعيات.
ثمة أسئلة كلما توفرت الاجابة عنها أمكن الاقتراب إلى الحقيقة سواء كانت فعلا معزولا أو مدبرا، المؤسف لجهة التاريخ أن عددا لا يتجاوز أصابع اليد، هم الآن بين فقيد وشريد ورهن الحديد يملكون الاجابة، ولا يعتقد بحكم خصومة المسؤول الجزائري مع الكتابة والشهادة للتاريخ، أن يتبرعوا بالحقائق، ناهيك عن أنها تدينهم مهما كان المغزى منها.
هناك مستوى من الأسئلة السياسية وتخص على الأقل ملابسات غياب كبار المسؤولين المرافقين للرئيس في زيارته تلك، بما فيها وزيرة الشباب والرياضة حينها ليلى عسلاوي، خاصة وأن بعض أنشطة الرئيس في عنابة تدخل في نطاق قطاعها الوزاري، وعلاقة خلافات بوضياف مع العسكريين وتصريحاته بشأن المافيا.
في المستوى التقني، هناك الكثير من الاسئلة، عن غياب السيارة الطبية المجهزة وعمن قرر إدماج مجموعة تدخل خاصة لتدعيم فريق الحماية الرئاسية في عنابة، دون أن يكون مدير الأمن الرئاسي عليما بذلك، وكيف ضم بومعرافي إلى المجموعة في آخر لحظة، ولماذا كان يجلس سعد سلال الحامل للمحفظة الواقية من الرصاص وسط القاعة على بعد 12 مترا من الرئيس، صدفة ذلك كله أم اهمال مع أنه بالمعنى العملي مَكَّن للجريمة أن تكون.
يطرح المدافعون عن فكرة الفعل المعزول، مستندا يقول أنه لو كان الأمر مدبر من النظام لأمكن التخلص من بومعرافي سواء في مكان الحادث، أو حتى في داخل السجن خلال تمرد سجناء سركاجي (1994) بالتالي طمس سر جريمة (وهي طريقة معتادة).
على العكس من ذلك النظام لا يفكر بشكل تقليدي، ويعتبر أن الإبقاء على الفاعل حيا وتقديمه للرأي العام وللمحاكمة قد يقنع أكثر بنظرية الفعل المعزول ويرفع التهمة عن النظام.
لا يرتبط إرهاق النظام نفسه لتثبيت فرضية الفعل المعزول بالقصد الجنائي، ولكنه مرتبط أساسا باستبعاد المسؤولية السياسية والتاريخية، في كل الحالات يبقى اغتيال محمد بوضياف رحمه الله جريمة سياسية، وسواء كان بومعرافي الفاعل المعزول أو منفذا بالنيابة عن تدبير ما، فإن السؤال الأبرز: هو من وفر له المساحة والمسافة صفر.
شاهد | هذا آخر ما قاله الرئيس محمد بوضياف لحظة اغتياله..!
#شاهد | آخر ما قاله الرئيس #محمد_بوضياف لحظة اغتياله..!
Publiée par زاد دي زاد sur Lundi 29 juin 2020
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.