زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

إصلاحات قطاع التعليم العالي.. أي جدوى وأي أثر؟

إصلاحات قطاع التعليم العالي.. أي جدوى وأي أثر؟ ح.م

عناوين فرعية

  • في الذكرى السنوية لعيد الطالب...

  • الحلقة الأولى: مشروع الرقمنة والتعليم الالكتروني عن بعد

  • الحلقة الثانية: مشروع التمكين للغة الإنجليزية

  • الحلقة الثالثة: مشروع حاضنات الأعمال والمؤسسات الناشئة

  • الحلقة الرابعة: التدابير والإجراءات المحفزة والمنشطة للبيئة الجامعية

مع كل مناسبة ذكرى عيد الطالب يتجدد النقاش حول وضع الجامعة ومستقبل التعليم الجامعي ومصير الأجيال المتخرجة من الطلاب..

ولعل الجدير بالنقاش في هذا الصدد هو جدوى وأثر البرامج أو ما يسمى بالإصلاحات والورشات التي أطلقها ويتبناها الوزير الحالي للقطاع، بوضع هذه المشاريع تحت المجهر، من خلال النقد الفاحص لها من جوانب عدة لا سيما فيما يتعلق بجدوى هذه المشارع، وقابليتها لتحقيق الأهداف المرجوة منها، ثم أثرها القريب والمتوسط على الجامعة ومحيطها.

الأمر هنا سيظل مرهونا بشرطين أساسيين هما توفير البيئة اللازمة لإنجاح هذه المشاريع، وقبل ذلك توفر الرؤية والاستراتيجية بما يجعل خطط انفاذ هذه المشاريعقابلة للقياس والتقييم..

@ طالع أيضا: العلوم الإسلامية.. الشعبة النشاز!

في هذا السياق تسعى هذه المساهمة إلى تقديم قراءة تحليلية نقدية لتلك المشاريع انطلاقا من الواقع وصولا إلى بناء تصور موضوعي حول جدواها وأثرها في الآجال القريبة والمتوسطة.

عموما يمكن تقسيم إصلاحات الوزير الحالي إلى أربعة محاور أو مشاريع كبرى هي: مشروع الرقمنة والتعليم الالكتروني عن بعد، مشروع التمكين للغة الإنجليزية، مشروع الحاضنات والمؤسسات الناشئة، وأخيرا الإجراءات والتدابير التحفيزية في البيئة الجامعية.

من الناحية المبدئية ومن منظور استراتيجي هذه المشاريع إجمالا يمكن اعتبارهامشاريع مهمة، يمكن أن يكون لها الأثر الطيب في الجامعة في المديين القريب والمتوسط، إذ يمكن أن تساهم في تقليص فاتورة الأعباء التي تنهك الخزينة العمومية، كما يمكن أن تقلص الجهد وتختصر الوقت في التعاملات داخل الجامعة، كما يمكن كذلك أن تساهم في تسهيل وتبسيط المعاملات في الجامعة ومحيطها، لكن الأمر هنا سيظل مرهونا بشرطين أساسيين هما توفير البيئة اللازمة لإنجاح هذه المشاريع، وقبل ذلك توفر الرؤية والاستراتيجية بما يجعل خطط انفاذ هذه المشاريعقابلة للقياس والتقييم.

وسنحاول في هذه المساهمة أن نضع هذه المشاريع واحدا تلو الآخر تحت مجهر هذين الشرطين لنخرج في النهاية بتقييم موضوعياتجاه هذه المشاريع.

zoom

أولا – مشروع الرقمنة والتعليم الالكتروني عن بعد:

هذا المشروع في حد ذاته يمكن تقسيمه إلى قسمين، الأول يخص الرقمنة كإجراءات إدارية وبيداغوجية خادمة للطالب وللأسرة الجامعية، ثم الثاني الرقمنةكعملية تعليمية تدخل الجامعة الجزائريةلأول مرة.

أ‌- الرقمنة كإجراءات إدارية: هي عملية جيدة ومهمة وداعمة لأهداف عصرنة الجامعة الجزائرية، وهي من متطلبات الإدارة العصرية ومن أوجه الإدارة والحكومة والإلكترونية ومن مؤشرات الحوكمة والرشادة في الحكم والتسيير، وقد اثبتت جدواها إلى حد كبير واقعيا في الموسم الجامعي الحالي لاسيما فيما يتعلق بإجراءاتتسجيل الطلبة الجدد الحاصلين على شهادة البكالوريا الموسم الفارط، فقد كفتهم أعباء التنقل وثقل الملفات الورقية والركض وراءها، كما أعطت نتائج جيدة على صعيد المعاملات داخل الجامعة لاسيما تسجيل الطلاب لمذكرات تخرجهم..

ونفس الشي بالنسبة لرصد العلامات والطعون عليها، عبر البوابات الالكترونية التي جعلت الطالب في تواصل دائم مع أستاذه دون الحاجة إلى التنقل إليه في الجامعة والبحث عنه بين دهاليز الأروقة وقد لا يجده إلى أن تنقضي آجال العملية فتضيع حقوقه، كما سهلت العملية الكثير من الجوانب بالنسبة لبقية مكونات الأسرة الجامعية، لا سيما بالنسبة للأساتذة في الحصول على بعض الوثائق وإنجاز معاملاتهم الإدارية والعلمية، كماقلصت هوامش التلاعب في بعض الجوانب التسييرية وغيرها.

أبرز العوائق بعد دور العملية الحضورية في أبعادها النفسية وأثرها في التلقي وفي العملية التعليمية بوجه عام، هو العامل المرتبط بالجانب التقني كعدم امتلاك جميع الطلاب للأدوات والوسائل التي تمكنهم من مسايرة العملية التعليمية بشكل مستمر ودائم مما يحدث أثرا سلبيا في العملية التعليمية الجامعية.

@ طالع أيضا: ماذا بقي من يوم الطالب؟

لكنها لاتزال تعتريها الكثير من النقائص لاسيما على صعيد الجوانب التقنية كالأعطاب المتكررة التي تصيب هذه المنصات بسبب بدائية تصميمها ونقصاحترافيتها، فضلا عن البيئة العامة المتعلقة بتدفق الأنترنت ونقص التغطية في بعض الأماكن وغيره، ولكنها عموما عيوب يمكن حصرها وتجاوزهاإذا توفرت الإرادة وتراكم الجهد، كما تحتاج عموما إلى وضوح أكثر في الرؤية بطرح السؤال: إلى أين نريد أن نصل بالتحديد؟ وفي أية آجال بالضبط؟، وهذا حتى يمكننا التقييم دوريا لتدارك النقص وتقليص الهوة.

ب- الرقمنة كعملية تعليمية: الرقمنةكعملية تعليمية تختلف كليا عن العملية السابقة الذكر فهي تخص عملية نقل التعليم الجامعي من محيط الجامعة وبيئتها التقليدية، أي من مدرجات الجامعة وقاعات الدروس داخل أسوار حرم الجامعة، بكل ما تحمله العملية من حميمية ومشاعر وعلاقات بين الطالب وأستاذه-كما عبر عن ذلك مقال اطلعت عليه لإحدى الزميلات قبل أيام- إلى مجرد عملية الكترونية تختصر التعليم الجامعي في مجموعة دروس وفق معايير معينة تقدم عبر وسائط ومنصات الكترونية، دون أن يكون هناك أي ارتباط ولا معرفة بين الطالب وأستاذه إلا من خلال هذه الفضاءات الرقمية،وهذا الذي أصبح مثار جدل وأسال الكثير من الحبر عن جدواه وأثره في الواقع وهو بالتالي يحتاج أكثر من غيره إلى عملية تقييم هادئة هادفة تقيس الأثر وتتوخى الهدف.

من وجهة نظري ومن خلال اطلاعي البسيط على تجارب جامعات بعض الدول العربية والغربية، فالتعليم عن بعد أو التعليم الالكتروني عملية معتمدة وموجودة ولكن تخضع لضوابط وشروط مهمة تحددها هذه المؤسسات، وهي في أغلبها غير متوفرة مطلقا غي بيئتنا إلى اليوم، ما يجعلني أقول أن الأفضل والأجدى أن يكون التعليم عن بعد أو التعليم الالكتروني عملية تكميلية رديفة للتعليم في شكلة التقليدي إلى حين توفر كافة شروط التعليم الالكتروني بمعناه الحقيقي، والذي بأي حال لا ينبغي أن يشكل بديلا كليا عن التعليم الحضوري، حتى لا تتحول العملية من التعليم عن بعد إلى البعد عن التعليم كما يطلق عليها العض.

ولعل أبرز العوائق بعد دور العملية الحضورية في أبعادها النفسية وأثرها في التلقي وفي العملية التعليمية بوجه عام، هو العامل المرتبط بالجانب التقني كعدم امتلاك جميع الطلاب للأدوات والوسائل التي تمكنهم من مسايرة العملية التعليمية بشكل مستمر ودائم مما يحدث أثرا سلبيا في العملية التعليمية الجامعية.

قد يستغرب البعض هذا الكلام، فأقول إنني كأستاذ صادفت خلال السنوات الأخيرة عددا لا يستهان به من الطلاب -وفي عاصمة البلد، فما بالك بالمناطق النائية-، إما أنهم لا يمتلكون حواسيب لمتابعة الدروس وإنجاز المطلوب منهم في العملية التعليمية، أو أنهم لا يمتلكون النت مطلقا أو على الأقل التدفق المطلوب من الانترنت، إما بسبب عدم توفر التغطية أو لعدم قدرتهم على دفع تكاليف فاتورة الاشتراك في بعض الأحيان.

إنني كأستاذ صادفت خلال السنوات الأخيرة عددا لا يستهان به من الطلاب- وفي عاصمة البلد، فما بالك بالمناطق النائية-، إما أنهم لا يمتلكون حواسيب لمتابعة الدروس وإنجاز المطلوب منهم في العملية التعليمية، أو أنهم لا يمتلكون النت مطلقا أو على الأقل التدفق المطلوب من الأنترنت…

@ طالع أيضا: جامعة الجزائر.. هل تعرفون “حقول اللّفت”؟

قد يبدو السبب غريبا لدى البعض، لكنني هنا انما أتكلم عن تجربة، فكثيرا ما أرسل لي أحد الطلبة الذين أشرف على مذكراتهم للماستر صورة من مذكرته صورها بكاميرا هاتفه، فلما أحتج عليه وأسأله لماذا لم ترسللي المذكرة بملف word؟ يجيبني بأنه لا يمتلك حاسوبا، فاضطر إلى التعامل مع الوضع كما هو، وهي حالات تكررت معي عدة مرات، أو عندماأتواصلمرارا مع طلبتي حول العملية التعليمية عن بعد، فلا يردون إلا بعد أيام، يقولون لي لم يكن لدينا اشتراك انترنت، أو المكان ليس فيه تغطية.

في النهاية هذه عوائق تعد من البيئة غير المشجعة التي تحتاجإلى إعادة النظرة في العملية، وهي ممكن التغلب عليها ويمكن إيجاد الحلول لها،مثلا كتبني استراتيجية لتوفير الحواسيب للطلاب والأساتذةبأسعار تنافسية وتشجيع ودعماشتراكهم في الانترنت ومنحهم امتيازات خاصة في هذا المجال.

وقد يستغرب البعض إذا قلت أننا نحن الأساتذة ليس لدينا أي تخفيضات في رسوم الاشتراك في الأنترنت رغم أن أغلب نشاطاتنا وأعمالنا البحثية تحتاج الى خدمة الانترنت، بينما قطاعات أخرى لا يحتاج المنتسبون إليها إلى الأنترنت بشكل كبير ومع ذلك مؤسساتهم تدفع عنهم إلى النصف أو أكثر من فاتورةالاشتراك في الانترنت.

zoom

تحدثنا في هذا الجزء أعلاه عن المشروع الأول المتعلق بالرقمنة والتعليم الإلكتروني وخلصنا إلى أن العملية إيجابية إلى حد كبير في شقها المتعلق بالجوانب الإدارية والتسييرية وهي تحتاج فقط إلى بعض التحسينات والتصويبات، بينما في شقها التعليمي خلصنا أن الأنسب لهذه المرحلة في انتظار توفير البيئة الحاضنة للمشروع وإعادة النظر فيه بما يحقق الأهداف والجدوى المطلوبة منه..

الأنسب هو تبني التعليم الالكتروني كعملية رديفة وتكميلية للتعليم التقليدي، بمعنى قصرها فقط على مستويات وظروف معينة، وإعادة النظر أو تكييف بعض الإجراءات الخاصةبهذا المجال، كسياسة صفر ورق في كل شيء التي ألغت الكثير من إيجابيات العملية التعليمية.

ثانيا – مشروع التمكين للغة الإنجليزية:

بداية ينبغي أن نتفق على أن اللغة لم تكن يوماحاجزا ولا عائقا أمام تطور الأمم والشعوبعبر العصور، بل وأن الأمم التي بلغت مبلغا كبيرا من التطور العلمي والتقني إنما بلغته بلغتها الأم فاليابان مثلا والصين وأمريكا، وتركيا حالياوغيرهم، هذه الدول إنما بلغت ما بلغت لما تمسكت بلغتها الأم وجعلت منها لغة للعلم والتطور.

ولنا في أجدادنا العرب الأوائل في عصور النهضة الأولى عبرة، فإنما برعوا في الكثير من مجالات العلوم والهندسة والطب بلغتهم العربية الأم، بل وأن لغتهم العربية هي التي شكلت رافدا وحاملا لهذه العلوم إلى الأمم الأخرى.

مشروع كهذا يحتاج إلى صبر وأناة في تحديد الروية بمدياتها المتوسطة والبعيدة، ثم ضبط المخططات بكل امكاناتها المادية واللوجستية والبشرية، ثم بعد ذلك الشروع في تنفيذ المشروع بالتعاون مع وزارة التربية انطلاقا من المراحل القاعدية للتعليم….

@ طالع أيضا: تدريس الانجليزية… أو منطقة الظل ”الجديدة”!

ومع ذلك فالانفتاح على اللغات الأخرى مطلوب، وتعلمها وإجادة البحث بها مرغوب، لكن شريطة أن يكون ذلك بعيدا عن المناكفات السياسية وعقدة الإيديولوجيا، وأن يتم ذلك وفق رؤية واضحة واستراتيجية قابلة للقياس والتقييم بهدف التطوير والتحسين،بحيث تتكامل فيها جوانب العملية ويخدم بعضها بعضا بداية من المراحل التعليمية القاعدية إلى مرحلة الدراسة الجامعية.

إن الحديث عن معضلة الضعف اللغوي التي يعاني منها الجيل-وهي بالمناسبة أزمة متعدية إلى أغلب الأقطار العربية حسب الأصداء التي نتلقاها من الزملاء في الكثير من الجامعات العربية وليست حكرا على الجزائر فقط-هذه المعضلة قد وصلت إلى مستويات بات من الضروري معها دق ناقوس الخطر..

فنحن اليوم أمام جيل لا يستطيع تكوين جملة سليمة لا بلغته الأم ولا باللغات الأجنبية الأخرى، لا مشافهة ولا كتابة- طبعا مع بعض الاستثناءات- والفظيع والمؤسف في الأمر أن الداء وصل إلى مستويات الجيل المتخرج من الأساتذة الشباب في الجامعة..

والأكثر منه والأدهى والأمر في المستويات التعليمية القاعدية، وهو ما يحتم على القائمين على الشأن التعليمي في البلد التحرك سريعا في اتجاه رسم سياسة لغوية تعيد للغة العربية مكانتها في المقام الأول ومن ثم في المقام الثاني الانفتاح على اللغات الأخرى وتشجيع تعلمها.

في هذا السياق يمكن القول أن مشروع توسيع وتشجيع التعليم الجامعي باللغة الانجليزية مشروع مهم وواعد، لكنه يفتقد للرؤية ويجانب منطق التراكمية المعرفية والتدرج المرحلي الذي أشرنا إليه سالفا.

فمشروع كهذا يحتاج إلى صبر وأناة في تحديد الروية بمدياتها المتوسطة والبعيدة، ثم ضبط المخططات بكل امكاناتها المادية واللوجستية والبشرية، ثم بعد ذلك الشروع في تنفيذ المشروع بالتعاون مع وزارة التربية انطلاقا من المراحل القاعدية للتعليم..

وقد يستغرق مجرد التحضير للمشروع وتكوين الأطرالتي توكل إليها مهمة انفاذه وتجهيز الإمكانات المختلفة، من سنتين إلى ثلاث سنوات قبل انطلاقته الفعلية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون له جدوى بحاله التي أطلق عليها.

فليس معقولا أن يطلق مشروع كهذا بقرار فوقيفي بداية الموسم ويرجى منه تحقيق النتائج في نهاية نفس الموسم، دون دراسة متأنية للإمكانات المتاحة، ولا دون رسم الخطط الواضحة وتحديد المديات المطلوبة للتنفيذ، وليس معقولا أن يشرع في تكوين الأساتذة في تجمعات أسبوعيةأو شهرية بطرق تقليدية وينتظر منهم أن يحققوا المطلوب في الآجال القريبة.

أعرف زملاء في عدد من الجامعات باشروا التدريس باللغة الإنجليزية كما قررت ذلك الوزارة الوصية، لكنهم اصطدموا برفض الطلاب للأمر أمام عجزهم على مسايرة وفهم الدروس، ومن الزملاء من اضطر إلى تحويل الحصة إلى هجين لغوي، يقدم فيها بعض المصطلحاتفقط باللغة الإنجليزية، بينما يشرح الدرس كله بالعربية..

@ طالع أيضا: نحو تعميم تدريس الانجليزية بالجامعات الجزائرية

إن تبني مشرع كهذا ليس صعبا ويمكن الاستعانة بتجارب بعض الدول الشقيقة في هذا الإطار، فقد سمعت من زميلة من فلسطين التقيتها في أحد المؤتمرات العلمية عن تجربة مماثلة في قطاع عزة قبل الحرب الحالية، أن القائمين على الجامعة هناك شرعوا قبل سنوات في تخريج دفعات تكوينها باللغة الإنجليزية في عدد من التخصصات مثل العلوم السياسية والإعلام والعلوم الاقتصادية وغيرها، بحيث يوجه إليها مباشرة الطلاب الحاصلين على بكالوريااللغات الأجنبية، وحسب نفس الزميلة، فقد تعاقدت الجامعة مع أساتذة للغة الإنجليزية من جامعات غربية في ذات التخصصات، وقدأعطت التجربة نتائج باهرة.

عندنا يمكن مثلا تطبيق ذات التجربة مع توجيه الأساتذة الباحثين ضمن ما يعرف ببرنامج حركية التكوين الإقامي في الخارج على دفعات للتكوين في الدول الانجلوسكسونيةكأمريكا وبريطانيا، لمدة تتراوح بين السنة إلى سنتين، بالمقابل يوجه الطلاب الحاصلون على بكالوريا اللغات الأجنبية إلى هذه الأفواج الخاصة التي تنشأ لهذا الغرض، وهكذا نتجاوز ما نحن بصدده من أن الطالب لا يكاد يفهم الدروس بلغته الأم فما بالك باللغة الأجنبية.

وفي هذا الصدد أعرف زملاء في عدد من الجامعات باشروا التدريس باللغة الإنجليزية كما قررت ذلك الوزارة الوصية، لكنهم اصطدموا برفض الطلاب للأمر أمام عجزهم على مسايرة وفهم الدروس، ومن الزملاء من اضطر إلى تحويل الحصة إلى هجين لغوي، يقدم فيها بعض المصطلحاتفقط باللغة الإنجليزية، بينما يشرح الدرس كله بالعربية.

بالمحصلة المشروع واعد لكنه لم يستوف شروط نجاحه ولم يقدم وفق رؤية واضحة تمكنه من أن يحقق الأثر المطلوب في المديات المعلومة، ومنه فالمراجعة والتقييم كفيلان بتصيح الاختلالات لبلوغ الغايات.

zoom

تناولنا في الجزء السابق مشروع دعم وتشجيع اللغة الإنجليزية في الجامعة الجزائرية وخلصنا إلى أن فكرة المشروع مهمة وواعدة، لكن انفاذها بالطريقة التي تتم بها حاليا يجعلنا نقول عن المشروع ببساطة أنه لم يستوف شروط نجاحه ولم يقدم وفق رؤية واضحة تمكنه من أن يحقق الأثر المطلوب منه في المديات المعلومة، وعليه فهو في النهاية يحتاج إلى المراجعة والتقييم وتصحيح الاختلالات لبلوغ الغايات.

ثالثا – مشروع حاضنات الأعمال والمؤسسات الناشئة:

يمكن ببساطة اختصار فكرة ما يعرف بحاضنات الأعمال والمؤسسات الناشئة الذي يتبناه قطاع التعليم العالي بأن هدف المشروع في النهاية هو ربط الجامعة بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي وجعلها مؤسسة منتجة للمشاريع في المجتمع لا يقتصر دورها على الدفع سنويابجيوش من الخريجين من حملة الشهادات الجامعية إلى عالم البطالة.

حاضنات الأعمال الجامعية تمثل نمطا جديدا من البنى الداعمة لاستقطاب الطلبة، وآلية مهمة لاحتضان أفكارهم وترجمتها إلى مشاريع ناشئة من خلال توفير جميع أشكال الدعم لإنجاز وتجسيد تلك المشاريع…

@ طالع أيضا: ليتني كنت مؤرخا وكتبت تاريخ الثورة فقلت..!

ويأتي هذا المشروع في سياق ما يمكن تسميته “بالنموذج الاقتصادي الجديد” الذي تبنته الجزائر منذ سنة 2020 والذي يعطي الأولوية للمؤسسات الناشئة وحاضنات الأعمال، وتجسيدا لهذا التوجه سعى قطاع التعليم العالي لتبني حاضنات جامعية لتعزيز التوجه المقاولاتي للطلبة وتوجيههم لإطلاق مشاريع ناشئة، فجند القطاع إمكانات كبيرة تهدف إلى شرح المشروع للطلاب وتسليط الضوء على المؤسسات الناشئة وإجراءات دعمها، وإبراز معالم التوجه الجديد لقطاع التعليم العالي نحو إنشاء حاضنات أعمال جامعية، وتبيان أهميتها في استقطاب طلبة الجامعات الجزائرية لإنشاء مشاريع ناشئة.

ويمكن القول عموما أن حاضنات الأعمال الجامعية تمثل نمطا جديدا من البنى الداعمة لاستقطاب الطلبة، وآلية مهمة لاحتضان أفكارهم وترجمتها إلى مشاريع ناشئة من خلال توفير جميع أشكال الدعم لإنجاز وتجسيد تلك المشاريع، وأن الهدف من الاحتضان الجامعي هو تفريخ شركات ناشئة ناجحة تفسح فرصاً جديدة للعمل وتتيح أشغالاً مجزية، وتسهم في فتح أسواق للتقنيات الحديثة، وتمكن من استحداث ثروات إضافية للاقتصاد المحلي والوطني.

ومنه ففكرة المشروع من الناحية المبدئية مهمة بل ورائدة وأثرها يمكن أن يكون كبيرا في تغطية العجز الحاصل في استيعاب الخريجين في عالم الشغل، غير أنهوكغيره من المشاريع ليس في الجامعة فقط بل وفي البلد كله، يبقى عدموضوح الرؤيةوالافتقارإلى أدوات المرافقة وآليات التقييم والتقويم، بل والتخلي عن المشروع مباشرة بعد اطلاقه كما حدث مع الكثير من مشاريع ما سمي “وكالة دعم تشغيل الشباب” و”صندوق محاربة البطالة” وغيرها، هو الذي يحد من الأثر المنتظر منه.

من تجارب الكثير من الدول في أوروبا وأمريكا يمكن تبني ما يسمى بالتخصصات المهنية والتخصصات الأكاديمية على غرار الماستر المهني والماستر الأكاديمي مثلا..

@ طالع أيضا: عندما يُصيب التضخم معدلات البكالوريا..؟

كما أن تمييع المشروع ومحاولة تعميمه بشكل مطلق على جميع الميادين والتخصصات يخرجه عن واقعيته ويفقده أثره، فالمشروع يمكنه أن يحقق النجاح في تخصصات معينة محددة، ولكن أثره في العلوم الانسانية مثلا يبقى محدودا ونتائجه غير مضمونة..

بل أن تبني المشروع بهذا الشكل جعل الجامعة تخرج عن دورها ورسالتها التي هي العلم والمعرفة النظرية والتطبيقية بالدرجة الأولى، إلى ما يشبه الدور والمهمة المنوطة بقطاع التكوين المهني، حتى أن مشاريع الدكتوراه مثلا في صيغتها الجديدة يسعى القائمون على الجامعة إلى ربطها بما يسمى مشاريع المؤسسات الناشئة.

ومن تجارب الكثير من الدول في أوروبا وأمريكا يمكن تبني ما يسمى بالتخصصات المهنية والتخصصات الأكاديمية على غرار الماستر المهني والماستر الأكاديمي مثلا، بحيث يمكن أن توجه مشاريع المؤسسات الناشئة خصيصاإلى أصحاب التخصصات المهنية، بدلا عن محاولة تعميمهاعلى جميع التخصصات، وهو ما يحفظ للجامعة رسالتهاويبقي على ريادةدورها في نشر العلم والمعرفة.

zoom

رابعا – التدابير والإجراءات المحفزة والمنشطة للبيئة الجامعية:

وهو محور يمكن فيه تلخيص مجموعة من الإجراءات والتدابير المختلفة التي اتخذها القطاع لفائدة الطلاب والأسرة الجامعية عموما وهي كثيرة ويمكن عموما وضعها في خانة تحفيز وتنشيط البيئة الجامعية وإخراجها من الروتين والرتابة التي كانت تعيشها من جهة، ومحاولة تجاوزبعض المشكلات المزمنة وإيجاد حلول واقعية لها مثلا لعجز في التأطير والاكتظاظ مثلا في بعض المؤسسات الجامعية.

وهذه التدابير عموما لا يمكن الحكم عليها هكذا جملة واحدة وإنما الواجب تجزئتها، والحكم على كل إجراء منها على حدا بالإيجاب أو بالسلب.

ولعل أبرزهذه الإجراءات هو القرار المهم والكبير المتعلق بتوظيف البطالين من حملة الشهادات الجامعية العليا (الدكتوراه والماجيستير)، وهو قرار أثار الكثير من الجدل وأسال حبرا كثيرا، وانقسم بشأنه أعضاء الأسرة الجامعية بين مرحب مؤيد ومعارض ومتحفظ.

حملت الصدفة إلى مدرجات الجامعة عن طريق المسابقة الشكلية التي أجريت لتوظيف هؤلاء، الكثير من أصحب الرصيد البحثي الفارغ…

@ طالع أيضا: شكرا.. أستاذي عبد العالي!

وكحكم مبدئي عام لا يمكننا إلا القول أن القرار جريء وشجاع جاء في وقته لحفظ كرامة هذه الفئة من الخريجين التي بذلت جهدا كبيرا في التحصيل وطلب العلم ولا يمكن بأي حال التنكر لها في النهاية..

لكننا في نفس الوقت نتحفظ على جانبين من القرار، على الطريقة التي نفذ بها، وهي عموما المشكلة المتكررة دوما مع كل المشاريع السالفة الذكر وهيأزمة التنفيذ، والجانب الثاني هوإقصاء وحرمان نظرائهم من المنتسبينإلى بعض القطاعات أو ما أطلق عليهم الأجراء من هذا الحق.

فإجراءات توظيف هؤلاء الخرجين تمت بقرار من السلطات العليا، لكنها في النهاية لم تراع احتياجات الجامعة بشكل دقيق وإنما تمت بشكل أقرب إلى الشعوبية على طريقة التوظيف للجميع، ما جعل بعض الجامعات التي تعاني تشبعا في بعض التخصصات كالحقوق والعلوم السياسية مثلا توجه هؤلاء الأساتذة إلى تخصصات لا علاقة لهم بها، في الوقت الذي تتجه فيه الجامعات العريقة إلى الدقيق من التخصص في التخصص الواحد، وهذا بالتأكيد سيكون له أثره على مستوى التحصيل العلمي للطلاب والواقع يثبت ذلك..

من جهة أخرى حملت الصدفة إلى مدرجات الجامعة عن طريق المسابقة الشكلية التي أجريت لتوظيف هؤلاء، الكثير من أصحب الرصيد البحثي الفارغ، وقد حدثني زملاء كانوا ضمن لجان التوظيف أن بعض الملفات ليس لأصحابها رصيد من الإنجازات البحثية غير الشهادة الجامعية، ومع ذلك تمت اجازتهم لأنهم مسجلون ضمن قائمة التوظيف.

بالمقابل حرمت الجامعة من الكثير من الكفاءات العالية ومن ذوي الخبرة الطويلة الذين اضطرتهم الحاجة أو الظروف إلى الانتساب إلى التعليم الابتدائي مثلا أو الإدارة أو أي قطاع آخر، وقد كان بالإمكان توظيف الجميع مادام القرار اتخذ بهذا الاتجاه أو على الأقل اعتماد معايير أكثر انصافا تتيح تساوي الفرص أمام الجميع.

من القرارات كذلك التي اتخذت في سياق تنشيط البيئة الجامعية قرار تمديد الدراسة خلال الفترات الليلية وفتح المكتبات الجامعية إلى ساعات متأخرة من المساء، وهو قرار جيد في ظاهره هدفه تفادي الاختناق والضغط في بعض الهياكل الجامعية الذي تعانيه بعض المؤسسات، لكن أثره في الواقع يبقى محدودا نظرا لظاهرة عزوف الطلاب عن حضور المحاضرات والدروس خلال فترات النهار فما بالك بالفترات الليلية، فضلا عن أن نقص النقل الجامعي أو غيابه اطلاقا يصبح معه القرار لا معنى له.

قرار التخلي عن تدابير الإقصاء بسبب الغيابات، وكذلك تسهيل إجراءات الإنقاذ والانتقال ورفع الأرصدة لأجل ذلك، هي قرارات يجب إعادة النظر فيها لإعادة الهيبة للجامعة ورفع مستوى التحصيل العلمي لدى الطلاب…

@ طالع أيضا: “بلماضي” يُحاضر بجامعة الجزائر حول المننتخب الوطني

في نفس الإطار فإن قرار تأخير مناقشة مذكرات تخرج الطلاب إلى ما بعد الساعة الخامسة مساء قرار ارتجالي سلبياته أكثر من إيجابياته، فقد حرم الكثير من الطلاب من حضور مناقشات مذكرات زملائهم للاستفادة من ذلك النقاش خاصة فئة الطالبات..

كما اضطر عائلات بعض الطلابإلى التخلي عن حضور مناسبات مناقشات أبنائهم بسبب قلة وسائل النقل، وقد حدث مثل هذا مع الكثير من طلبتنا الذين نناقش مذكراتهم هذه الأيام، هذا فضلا عن الحاجة إلى متطلبات مضاعفة توفيرالأمن خلال الفترات الليلية.

كذلك من القرارات التي هي أقرب إلى الشعبوية منها إلى أي شيء آخر والتي ورثت عن الظرف الاستثنائي الذي عاشته الجامعة أيام أزمة جائحة كورونا والتي أرى أنها ساهت في تراجع الإقبال لدى الطلاب على المحاضرات بل وعزوفهم عن الدروس التطبيقية في الكثير من المرات، هو ما يعرف بقرار التخلي عن تدابير الإقصاء بسبب الغيابات، وكذلك تسهيل إجراءات الإنقاذ والانتقال ورفع الأرصدة لأجل ذلك، وهي قرارات يجب إعادة النظر فيها لإعادة الهيبة للجامعة ورفع مستوى التحصيل العلمي لدى الطلاب.

ومن القرارات كذلك التي لقيت استحسانا من الطلاب لكنها يبدو لم تطبق، قرار إدماج طلبة النظام الكلاسيكي مباشرة في السنة الثانية ماستر ومباشرتهم إجراءات اعداد مذكرة التخرج.
عموما فإن هذه الإجراءات ومثلها كل المشاريع التي تحدثنا عنها في هذه المساهمة تحمل الكثير من الإيجابيات ويمكن أن تساهم في إعادة الاعتبار لصورة الجامعة، وتساهم في رفع تنافسيتها الدولية أمام الجامعات الأخرى، ولكن إذا أخضعت للمراجعة والتقييم بما يجعلها واضحة الرؤية محددة الأهداف قابلة لقياس الأثر في المديات المحددة لها.

… انتهى

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

1 تعليق

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

  • تعليق 9672

    علي بن لعمودي

    مقال رائع ونقد في محله، بارك الله فيك استاذ، ان شاء الله يجد آذانا صاغية

    • 1

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.