نظرا لمتابعتي الشديدة والمستمرة للسباق الرئاسي في الولايات المتحدة كغيري من أبناء هذا الكوكب في زمن العولمة، ولعلمي أن قرارات الإدارة الأمريكية تمسنا بشكل أو بآخر نحن سكان بقية العالم، ولتيقني أن اختيار ساكن البيت الأبيض لم يعد شأنا داخليا يخص الشعب الأمريكي وحده، ولموقفي المؤيد للتدخل في الشؤون الداخلية- التي تحولت إلى دولية- أطالب بحقي في التصويت واختيار رئيس الدولة التي تحكم العالم؟؟
لقد كانت “حمراء” و”وزرقاء” تلك الليلة التي قضيتها مشاهدا وشاهدا كيف يصنع الناس ديمقراطياتهم وزعماءهم وكيف يحكمون فعلا لا قولا أوطانهم، إنها السهرة الانتخابية حول من سيحكم هذه القوة العظمى؟ لقد عشت هذه الليلة كمواطن “معولم” متنقلا بين الفضائيات عبر جهاز التحكم عن بعد، مفضلا ذلك على تلبية دعوة السفير الأمريكي بالجزائر الذي دعانا مشكورا عبر البريد الالكتروني إلى سهرة انتخابية تتجلى فيها الديمقراطية في بلاده في أعظم صورها، حيث يرى فيها الإنسان في بلاد العم سام رؤي العين كيف يصنع مصيره بيديه، وكيف ينتخب رئيسه بنفسه، لا أن يصنع له رأي ويختار له رئيس ثم يقال له تعالى كي تصوت على رئيس اخترناه لك مسبقا لأنه أحسن ما لدينا.
لقد وجدت نفسي مضطرا للمقارنة بين حالنا وحالهم وأنا أقضي الليلة في متابعة تفاصيل الساعات الأخيرة لتلك المعركة “الحامية الوطيس” كما يقال في عالم التعليق الكروي، وكيف يتفنن الأمريكيون شعبا ونظاما في صناعة التشويق والإثارة وكأنك تشاهد برنامجا من تلفزيون الواقع، لا يمكنك أن تغير المحطة الإخبارية إلا بحثا عن المزيد من الخيال والإبهار.
لقد شاهدت عندهم طوابير طويلة للناخبين الذين ينتظرون دورهم من أجل التصويت، وفيهم الشباب الذي يشبه بعض شبابنا في مظهره، لكن لا يشبهه في إيمانه بإرادته وتأثير صوته الانتخابي، فالأمريكي هناك مؤمن بقراره ويدرك أنه سيغير وأن اختياره سيحترم لذلك يصر على الوقوف صابرا .
شاهدت عندهم كيف يصمت الجميع ولا يتجاوز حدود التحليل والتعليق لأن الكلمة هي للصندوق الشفاف مضمونا رغم أنهم يقترعون في ماكنات ، فلا وجود لوزير اسمه زرهوني أولد قابلية ولا يعرفون لجان محمد صديقي ولا سعيد بوشعير ولا سليمان بودي… لا أحد يتكلم ويضطر لتقديم ضمانات الشفافية والنزاهة والحياد… لأن الشعب الأمريكي كرس ذلك قبل أكثر من ثلاثة قرون ونيف…ولا مجال هنا لهذا التخلف.
شاهدت عندهم كيف يعج المجتمع الأمريكي بالنخب السياسية والمثقفة الفاعلة والمنخرطة في الحياة العامة تناقش وتحلل وتتوقع وتختلف وتتفق، وكأنها في النهاية تريد أن تقول إلى بقية سكان بقية العالم من المتخلفين.. بأننا نحن فخر أمريكا.. نحن مادتها الرمادية ..ونحن من نصنعها.. ونحن قوتها الناعمة ..نحن من نجعل منها قوة.
شاهدت عندهم إعلاما قويا فعالا مؤثرا متمرسا مهنيا واضحا يلعب اللعبة وفق قواعدها، ويمارس حقا السلطة النافذة والمؤثرة في مجتمع يعبد الإعلام ويقدسه، وشاهدت كيف أن وسائل الإعلام هي من أعطت النتائج أول بأول وليس وزارة الداخلية أو لجنة مراقبة الانتخابات… وشاهدنا كيف أن قناة فوكس نيوز العدو اللدود للمرشح الديمقراطي كانت أول من بث خبر فوز باراك أوباما بفترة رئاسية ثانية.
شاهدت كيف فرح الأمريكيون وابتهجوا لأن رأي الأغلبية تحقق واحترم وشاهدت كيف احترمت الأقلية النتائج وتقبلت الخسارة…
شاهدت مرشحا فائزا مد يده إلى خصمه ودعاه للتعاون من أجل مصلحة أمريكا والأمريكيين، وشاهدت مرشحا خاسرا يقر بالهزيمة ويكلم منافسه مهنئا إياه بالفوز…باختصار شاهدت إحدى أفضل التطبيقات الديمقراطية.
لقد شاهدت …وشاهدت… مثلما شاهد الملايين من الناس مثلي، وتألمت في أعماقي مثلما تألم الكثيرون مثلي، وتساءلوا لماذا لا نملك هذا الحق ؟ ومتى نصيرأمة وشعبا ودولة؟ولماذا يبقى ولاة الأمور في أوطاننا ينظرون إلينا كقصر غير ناضجين يأتون لنا بالرؤوساء ويطلبون منا التصويت عليهم ؟ ولماذا لا يحترمون عقولنا ولا إنسانيتنا ولا مواطنتنا؟
لقد قضيت ليلة بيضاء لأنني فضلت متابعة السباق الرئاسي إلى نهايته وأنا أشعر بالمتعة والإثارة والتشويق وسط العواجل والأرقام التي تملأ الشاشات، لكنني في الوقت نفسه كنت أحسد هؤلاء الملايين من الأمريكيين الذي يتمرغون في تلك النعمة نعمة الحرية والحق في الاختيار… فآه لوكنت أمريكيا ولو لليلة واحدة.
merouane07@yahoo.fr
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 4568
أستاذ مروان:المساء طيّب بطلّتك البهيّة
مثلك أنا قضيتُ ليلة بيضاء أستمتع مع قناة cnn العرس الدّيمقراطي الحقيقي الذي يعلّق على نفسه..و لم يغمض لي جفن حتى زفّت لنا الدّمقراطية عريسها المُنْتَخَبْ..
معك حق في كلّ ما قلته إلا في شيئ واحد هو أمنيتك لو كنت أمريكيا..أتدري لماذا؟ لأنّك لو كنتَ كذلك ما كنتُ أنا تعرّفتُ عليك..دمتَ طيّبا..
تعليق 4569
في امريكا يا عمو الصوت لا يباع ولا يشترى بل هو شيئ مقدس وفوق كل اعتبار لذلك فان المترشح لايستطيع ان يشتري ولا يجد من يبيع
اما عندنا فالشكارة كاينة الحمد لله والبائع مستعد يزيد عليها اولم ترى كيف يتدافع الناس امام عدسة الكميرا وكيف صورهم التليفيزيون وهم يركضون ركضا ايهم يصل اولا وكأنهم بهائم
تابع الانتخابات المحلية عندنا لترى برامج المترشحين انها مجرد سوق يشترى فيها الصوت بالسميد والزيت والطماطيش ولتتأكد ان البرنامج الانتخابي لم يتغير منذ 27 سنة على فلم مخلوف البومباردي
تعليق 4573
شكرا جزيلا أختي حياة
والله ملاحظتك في محلها لكن أمنيتي كانت من باب المبالغة فقط
تحياتي لك وللكوكبة الجميلة الرائعة التي انفك عقدهاوتفرقت بعناصرها السبل.
دمت متألقة
تعليق 4575
أستاذ مروان:مراحب أينما كنتَ
الكوكبة الجميلة الرّائعة انفك عقدها بسبب انعدام الدّيمقراطية الإعلامية التي لا تحسن الإستثمار الإعلامي في الصّحفيين..أمريكا ديمقراطية ليس فقط في الإنتخابات بل في الإعلام أيضا..في أمريكا الصّحفيون ينضجون مع وسائل إعلامهم التي يعملون لصالحها فيكوّنون بعد زمن صرحا مذهلا عكس ما يحصل في جرائدنا التي تغيّر صحفيّيها كما يغيّر المرء ملابسه الدّاخلية كل يوم أو يومين ” و آسفة على التعبير” كوني لم أجد أبلغ منه..
تعليق 4576
شكرا اخي حميد
والله أنا معك فيما قلت لكن ما تشير إليه هي محصلة ونتيجة لوضع سياسي خاطيء ، والأجدر أن نسال من المسؤول ومن المستفيد من تردي الحياة السياسية؟
تعليق 4577
اخي مروان انا ناقم على السلطة بشكل فاق التصور لكن هذا لا يمنعنا من الالتفاتة نحو دور الشعوب في التغير واقصد هنا التغير السلمي لكي لاتتهمني بمثير الزوابع
الشعوب يا يا سيد مروان تفرق بين الصالح والطالح واخف الضررين لكنها تختار الاكثر فسادا فعندما يترشح مقاول جمع في فترة وجيزة ملاير فهذا يعني انه مشكوك في نزاهته ورغم ذلك يفوز على منافسه ولو كان امام مسجد مشهود له بالورع ونضافة اليد
العائلات يا مروان لا تسال من تقدم لخطبة ابنتهم من اين لك هذا بل تسال كم عندك والحديث قياس لان ذلك الشبل من ذاك الاسد