كان التحدي كبيرا للغاية أمام الشاب بن رودس، المسؤول عن كتابة الخطاب الذي سيلقيه السيناتور باراك أوباما في برلين شهر جويلية 2008، على بعد أشهر قليلة من انتخابات الرئاسة.
فالبرلينيون لازالوا يتذكرون خطابي كينيدي وريغان، وعبارتي: “Ich bin ein Berliner” ، و”Tear down this wall”.
وعلى أوباما أن يترك التأثير الكافي ليجعل من خطابه حدثا تاريخيا (وقد كان)، ويقنع الناخبين الأمريكيين، والمتابعين في العالم، أن رؤيته للشؤون الدولية يمكنها منافسة خبرة العجوز المتمرس جون ماكين.
تطلب الأمر أسبوعين من العمل الشاق، أعاد فيها رودس قراءة خطابي كينيدي وريغان مرات كثيرة، مستعينا بالخطوط العريضة لتصورات أوباما عن عالم ما بعد بوش، واستحضر هو وفريقه ما يمكن أن يعزز تلك الأفكار من التاريخ الألماني.
اقترح زميله في الفريق جون فافرو الذي كان يقرأ كتابا عن “قاذفات الحلوى”، الذي يحكي قصة الطيارين الأمريكيين الذين كانوا “يقذفون” سكان برلين بالأغذية والحلوى في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.
أعجب رودس وفافرو بالعبارة وقررا أنها ستكون ملائمة جدا كخاتمة للخطاب، وقد تجعل الناس يذكرونها مثلما لازالوا يذكرون مقولتي كينيدي وريغان. وسيكون الأمر رائعا لو أن بإمكان أوباما نطقها بالألمانية، وهي كلمة واحدة لا غير: “Schicksalsgemeinschaft”.
اقترح أن تستخدم القصة مقدمة للإشارة إلى القيادة الأمريكية للعالم في عهد أوباما (إن تم انتخابه)، وهي قيادة تستند إلى القوة العسكرية بالتأكيد، لكنها تستند في جذورها إلى خيرية الأمة الأمريكية ورسالتها الأخلاقية.
وفي الكتاب كانت هناك عبارة جاءت على لسان امرأة ألمانية تقول: “We are a community of fate “. أعجب رودس وفافرو بالعبارة وقررا أنها ستكون ملائمة جدا كخاتمة للخطاب، وقد تجعل الناس يذكرونها مثلما لازالوا يذكرون مقولتي كينيدي وريغان. وسيكون الأمر رائعا لو أن بإمكان أوباما نطقها بالألمانية، وهي كلمة واحدة لا غير: “Schicksalsgemeinschaft“.
أنهى رودس مسودة الخطاب وأرسلها إلى أوباما، ثم أرسل إلى صديق ألماني يطلب الطريقة الصحيحة لقراءة الكلمة، وإن كانت هناك أية تحفظات محتملة على استخدامها. واتصل أيضا بعضو فريق الحملة المسؤول عن ترجمة الخطاب إلى الألمانية. وبعد بعض البحث وجملة من الاتصالات جاء الجواب: “لقد كان هذا عنوانا لأحد اوائل خطابات هتلر أمام الرايختاغ”. 😱
صعق رودس وكاد قلبه يتوقف عن النبض، لقد كان على وشك أن يتسبب في كارثة. وعلى الفور انطلق إلى الجناح في الفندق حيث أوباما وأقرب مساعديه: أيها السادة، لدي خبر سيء، تلك العبارة في آخر الخطاب.. تبين أنها لهتلر.
وجم الحاضرون، ولكن أوباما غير اتجاه الموقف وقال مازحا: “أوباما يجدد صدى هتلر في برلين”. تخيلوا العناوين العريضة على الصحف غدا. كان فريق ماكين سيجعل منه أضحوكة أمام العالم. وعلى عجل حذفت العبارة وظل باقي الخطاب كما هو. وبعد ساعتين كان أوباما، الخطيب البارع أصلا، يأسر أسماع وقلوب المائتي ألف شخص المتجمعين لرؤية هذا الأمريكي الافريقي الذي سيكون بعد أشهر قليلة رئيس أقوى دولة في العالم.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.