شاءت الأقدار أن تتصادف الجمعة العشرون من عمر الحراك الشعبي الجزائري مع يوم الجمعة 05 جويلية 2019. ورغم رفع شعار: "5 جويلية 2019 استقلال الشعب، و5 جويلية 1962 استقلال الأرض"، إلا أن الاحتفالات الرسمية جرت كما هو مبرمج لها في العادة رسميا وبروتوكوليا.
فلما حلت ذكرى الفاتح من نوفمبر من نفس السنة، تصادفت هي الأخرى مع يوم جمعة في مفارقة نادرة الحدوث، وهي الجمعة السابعة والثلاثين من عمر الحراك الشعبي.
فلم تمر الذكرى كما هو مفترض لها أن تكون. فقد صادر الحراك الشعبي من السلطة حق الاحتفال بعيد الثورة. وهي جزئية لم ينتبه إليها المنتشون بالحراك وشعاراته المطالبة بإسقاط النظام.
لهذا لم يعر كثير من الكتاب والمدونين كبير اهتمام لاسترجاع الشعب لرمزية الاحتفال بالمناسبات والأعياد الوطنية، وهي قصة يجب أن تروى. ولعل أفضل توقيت لروايتها هي هذه الأيام التي نعيش فيها على نفحات الذكرى الستين لعيد الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية.
لم يترك الحراكيون الجمعة السابعة والثلاثين تمر مرّ الكرام كمثيلتها الجمعة العشرين. فعلى غرار مدن مثل الجزائر العاصمة، قسنطينة، وهران، برج بوعريريج، عنابة، الطارف، بجاية، تيزي وزو والبويرة وغيرها، كان الجزائريون يجوبون الشوارع والطرقات، منتزعين الاحتفال بهذه الذكرى من أيدي السلطات المعنية، بعيدا كل البعد عن الخطابات الخاصة بالمسؤولين، وكذا الاحتفالات الرسمية التي تقام كل سنة أمام النصب التذكارية وداخل القاعات.
فقد أطلق الجزائريون العنان لاحتفالاتهم في الشارع. حيث طغت تظاهراتهم على النشاط الرسمي المخلد للذكرى، الذي كان يقوم به وزراء ومسؤولون من مختلف القطاعات. لينقلب مشهد تلك السنة بوجود معظم هؤلاء الوزراء في السجن، وتنوب عنهم الاحتفالات الشعبية الكبيرة في أجواء أعادت للأذهان تلك الصور التي رسمت في أول يوم من الاستقلال.
التحضير لهذا العرس الوطني بدأ حين نشرت مواقع إلكترونية منها صفحة “حراك 22 فبراير” على فايسبوك يافطة إلكترونية كتب عليها “الفاتح نوفمبر.. يوم الزحف الأكبر”. حيث بدأ المتظاهرون في التجمع وسط العاصمة ليلة الخميس وهم يهتفون “الاستقلال الاستقلال”.
ونجحت نداءات مواقع التواصل الاجتماعي التي حملت شعار أو هاشتاغ “لنغزو العاصمة” في إحداث غزو بشري عظيم اتخذ من العاصمة بوابة رئيسية لإيصال صوته الرافض لرموز النظام السابق، لاسيما مع ترشح الوجوه المحسوبة على بوتفليقة.لهذا تم رفع شعار “نوفمبر الشهداء… نريد استرجاع الجزائر من العصابة”.
لهذا ذهب الحراك الشعبي يومها إلى ما لم يكن في الحسبان، وهو منع السلطات من تنظيم أي احتفالات رسمية بذكرى أول نوفمبر. عوض ذلك رفع المتظاهرون صور رموز ثورة التحرير بكل فخر على غرار علي لابوانت وديدوش مراد والعقيد عميروش وحسيبة بن بوعلي وغيرهم وهتفوا بأسمائهم”.
وبعنابة مثلا حمل المتظاهرون صور الشهداء على غرار باجي مختار، ريزي عمر، رفاس زهوان، كعبار عدرة، شايب دزاير، بشير شيحاني وشهداء آخرين. كما رفعت العديد من اللافتات، التي كتبت عليها عبارات، مثل: “1 نوفمبر 62 عيد اندلاع الثورة ـــ و1 نوفمبر 2019 عيد طرد أبناء فرنسا”.
لهذا سيظل تاريخ الفاتح من نوفمبر 2019 استثنائيا في عمر الحراك الشعبي والجزائر، كونه منع السلطة من الاحتفال بآخر مناسبة وطنية قبيل سقوط النظام في الشهر الموالي وتنظيم انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر 2019.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.