من ينظر لإيران اليوم وبعد مرور 40 عاما على تأسيس النظام الحالي فيها، يجد نفسه أمام أمور وقضايا متباينة، خصوصا مايتعلق بالاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب الايراني واللذين قد وصلا الى أدنى المستويات ولم يعد بإمکان النظام الاسلامي الحاکم أن يخفي أو يقوم بترقيع المظاهر السلبية المختلفة التي بدأت تطفو على السطح وصار بإمکان أي زائر عادي لإيران أن يشعر بذلك ويراه بالعين المجردة.
نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي کان يعد ويمني الشعب الايراني بأوضاع أقتصادية ومعيشية أفضل بکثير من تلك التي کان يحظى بها في العهد الملکي، صار الشعب الايراني اليوم يتندر ويسخر من تلك الوعود ولم يعد يجد هذا النظام بأفضل من سلفه، وليس ذلك بغريب وعجيب على هذا الشعب الذي بات يعيش أغلبية منه بإعتراف مسٶولين إيرانيين تحت خط الفقر، بل والأنکى من ذلك أن هناك 5 ملايين جائع في إيران من الذين لايجدون کفافهم اليومي بحسب إعتراف رسمي آخر، وصار الفقر ظاهرة ملموسة تفرض نفسها کأمر واقع على المشهد اليومي للحياة في معظم أرجاء إيران، فقد صار أکثر من 15 ألفا مواطنا إيرنيا يقضون ليلهم في الکارتونات في طهران لوحدها، وفي الوقت الذي يهيمن فيه إنکماش إقتصادي غير عادي جميع الاسواق الايرانية، فإنه قد بلغ عدد العاطلين عن العمل رقما قياسيا وکل ذلك يتزامن مع إحتجاجات شعبية متصاعدة والعقوبات الامريکية التي لم يعد بالامکان إخفاء تأثيراتها القوية على مختلف الاصعدة.
الفوارق الطبقية تزداد بصورة استثنائية عاما بعد عام، خصوصا بعد أن بدأت التنمية الاقتصاد الوطني تسجل أرقاما سلبية کل سنة وان العملة الرسمية فقدت قيمتها مٶخرابما يعادل 70%، وأن نسبة التضخم قد بلغت 25%، وهذه الارقام لأي خبير إقتصادي تعتبر مروعة، لکن الجانب الآخر من الصورة، أو بالاحرى الاوضاع الاجتماعية في إيران، فإن الاوضاع الاقتصادية الوخيمة هذه قد أثرت عليها بصورة کبيرة جدا الى الحد الذي لم يعد بوسع السلطات الايرانية أن تلتزم الصمت أو تتجاهل تلك الآثار.
التمزق الاسري وإرتفاع نسبة الطلاق بوتائر غير مسبوقة وتزايد نسبة أطفال الشوارع وتزايد نسبة الشابات العانسات والشباب العزب وتراجع معدلات الزواج طبقا لذلك، يقابله أيضا إرتفاعا غير عادي في معدلات الجريمة والمظاهر السلبية الاخرى، وطبقا للإحصائيات الحکومية في إيران، فإن عدد مدمني المخدرات في إيران يصل الى أکثر من مليوني شخص، غير ان إحصائيات مراکز الابحاث والدراسات المحايدة تشير الى وجود أرقام أکبر من ذلك الرقم بکثير، وقد جاء الهبوط الاستثنائي لأسعار النفط ليسدد مايمکن تشبيهه بلطمة قوية وليست مجرد صفعة توجه للإقتصاد الايراني المنهك والمترنح أساسا، وأن الاوضاع الاقتصادية في إيران قد وصلت اليوم الى درجة يمکن فيها القول ميؤوس منها في ظل تهديد بمنع وإيقاف تصدير النفط الايراني مع بدأ تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات الامريکية.
کل هذه الأمور تأتي متزامنة مع تزايد وتوسع التدخلات الايرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وإرتفاع وتائرها الى الحد الذي صارت قوات الحرس الثوري الايرانية تشارك علنا في الحروب والمواجهات الدائرة في بلدان المنطقة وصار مشهد مقتل أو أسر أعداد من تلك القوات وقادتها مشهدا شبه مألوفا مع ملاحظة ان الکراهية لهذه القوات وللدور الايراني برمته يتصاعد يوما بعد يوم في الشارعين العربي والاسلامي، کما انها تأتي أيضا بعد الانسحاب الامريکي من الاتفاق النووي الذي لايزال مشکوکا في أمره من حيث عدم إلتزام النظام به وسعە للإلتفاف عليه ومواصلة نشاطاته سرا وبعيدا عن الاضواء کما هو عهده دائما، لأن طهران تعلم جيدا بأن تخليها عن برنامجها النووي وإستسلامها للشروط والمطالب الدولية والامريکية بشکل خاص، يعني إعلانا رسميا لها بأنها إستهانت بمقدرات ومعيشة الشعب الايراني طوال الاعوام الماضية، وأن الذي يجري حاليا في إيران بالنسبة لنظام الجمهورية الاسلامية يشبه تماما الاعوام الاخيرة من الحکم النازي في المانيا حيث إزدادت دمويته وقسوته الى أبعد حد، لکنه وتزامنا مع ذلك کان يهوي بخطى سريعة نحو الهاوية السحيقة.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.