اسمان تقاطع مصيرهما في الجزائر، وتقطّعت أواصرهما علاقتهما في الجزائر أيضا. الأول أيقونة المسرح الجزائري صونيا، والثاني نجم الأغنية الملتزمة الفاجومي، كما يحلو للمصريين تسميّته. وأتيحت لي فرصة وشرف التعرّف عليهما.
الشاعر نجم تعرّفت عليه في لحظة من اللحظات التي لا تنسى في حياتي، رفقة المطرب الضرير الشيخ إمام. كنت، كغيري من شباب الجامعة، منبهرا بنضالهما ودخولهما السجون والمعتقلات زمن عبد الناصر، وفي عهد السادات بالتهمة الجاهزة عند الحكّام العرب… تعاطي المخدرات، وكنت أحفظ عن ظهر قلب أغانيهما (يعيش أهل بلدي،جيفارا مات،كلب الستّ، شيّد قصورك، شرّفت يا نيكسون بابا، مصر يا أمّة يا بهيّة…).
يرقى لقاء الشيخ إمام عيسى برفيق دربه أحمد فؤاد نجم إلى سنة 1962، كان إمام يبحث عن كلمات يلحنّها، بعد أن كان يقلّد أم كلثوم وبيرم التونسي، وتمّ التعارف بينهما صدفة. والصدف تخلق العجب!. عبقرية إمام وقريحة نجم!. طلّق إمام “أزهريته”، وبدأ الثنائي يشقّ طريقه نحو المجد، وذاع صيتهما بعد نكسة 1967، حين “انخبطنا، كما يقول الثنائي، على بطاطنا”، بأغانيهما الملتزمة الجامعة بين الموقف السياسي الواضح، والسخرية اللاذعة، والنكتة السوداء، وخفّة الروح المصرية.
كان السادات يعتبر الشاعر نجم صعلوكا حشّاشا بذيئا، والشيخ إمام شحّادا تعيسا. ثنائي رهيب انضم إليه بعد ذلك عازف الإيقاع محمد علي. غنىّ الشيخ إمام لنجم ولشعراء آخرين مثل الفلسطيني توفيق زياد، والمتمرد نجيب سرور، الذي عاش في روسيا ردحا من الزمن، وآخرين. ولمّا ضاق السادات ذرعا بنجم ومن انتشار أغانيه، بصوت إمام، بين الناس أكثر من خطبه هو، قرّر نفيه إلى فرنسا، فأختار نجم الجزائر. وكان الجزائريون قد تبنّوه، رغم حاجز اللغة. فأصبحت الدارجة المصرية مألوفة، حتى عند الفرونكوفونيين. في الجزئر عاش نجم ببساطة، كما كان في مصر، لم تبهره الأضواء والشهرة، ولم ينس هموم الغلابة من المصريين.
وفي الجزائر التقى بمثقفيها وشعرائها، وكان أول من سأل نجم عنهما بمجرد حلوله ببلادنا جميلة بوحيرة وكاتب ياسين. وفي الجزائر انفرط عقد نجم وإمام، وافترقا لسبب تافه حول مستحقاتهما المالية من صاحبة الدعوة، وزارة التعليم العالي. أذكر أني قلت لنجم: “نحن مستاؤون أن تكون الجزائر محطة افتراقكما”، وكلّفني هذا الكلام المبيت يوما واحدا في قبو بالسونترال.
نُظمت للثنائي سهرات حافلة مع الجمهور ولقاءات مع المثقفين، ومنها سهرة لطيفة لا يمكن نسيانها في بيت رشيد بوجدرة وزوجته ميشال. وحضر تلك السهرة، أيضا، بعض المسؤولين، ربّما لتأكيد رفض الجزائر، حكومة وشعبا، لاتفاقيات كامب ديفيد.
غنّى إمام بصوته المبحوح، رفقة نجم، باقة من أغانيهما، ومنها “شرّفت يا نيكسون بابا… يا بتاع الووترغيت”، انفعل الحضور مع كلمات الأغنية وايقاعها.
غنّى إمام بصوته المبحوح، رفقة نجم، باقة من أغانيهما، ومنها “شرّفت يا نيكسون بابا… يا بتاع الووترغيت”، انفعل الحضور مع كلمات الأغنية وايقاعها.
يواصل إمام يغنّي، عازفا على عوده، صحبة نجم، على إيقاع ربابة محمد علي، إلى أن يصل إلى أبيات:
عزموك فقالوا تعالَ تاكل بنبون وهريسه قمت أنت لأنك مهيف صدقت أن أحنا فريسه طبيت لحقوك بالزفّه يا عريس الغفله يا خفّه هات وشك خذ لك تفّه شوبش من صاحب البيت واهو مولد ساير داير شي الله يا أصحاب البيت
ولمّا وصل إمام إلى هات وشّك (وجهك) خذ لك تفّه (بصقة)، بصق الشيخ، وكنت جالسا إلى جانبه، فوقعت البصقة على وجهي. ومنذ ذلك اليوم اعتبرت بصقة الشيخ إمام أزكى وردة.
في الجزائر تزوّج إمام للمرّة الرابعة بالممثلة المعروفة صونيا، أصيلة الميلية بولاية جيجل، لكن زواجهما لم يعمّر طويلا. وكانت صونيا إلى ذلك الوقت قد تحوّلت إلى أيقونة للخشبة، بعد أن تخرجت من معهد الدراما ببرج الكيفان..
في الجزائر تزوّج إمام للمرّة الرابعة بالممثلة المعروفة صونيا، أصيلة الميلية بولاية جيجل، لكن زواجهما لم يعمّر طويلا. وكانت صونيا إلى ذلك الوقت قد تحوّلت إلى أيقونة للخشبة، بعد أن تخرجت من معهد الدراما ببرج الكيفان، وقد دخلت ميدان التمثيل في سن مبكر لا يتعدى ال 17 سنة، وواجهت صعوبات، منها اعتراض الأهل على اختيارها، بحكم واقع المجتمع آنذاك• غير أنها كسّرت ذلك والتحقت بالمعهد رفقة أربع ممثلات أخريات• وفي تلك المرحلة كان المسرح يفتقر للعنصر النسوي بحكم عادات المجتمع الجزائري وانغلاقه.
عملت صونيا كممثلة إلى جانب كل من عز الدين مجوبي وعلولة، كما عملت مع سيد أحمد أقومي، وامحمد بن قطاف وزياني الشريف عياد، وكمخرجة مسرحية، وقد كانت لها محاولة في الإخراج السينمائي…
عملت صونيا كممثلة إلى جانب كل من عز الدين مجوبي وعلولة، كما عملت مع سيد أحمد أقومي، وامحمد بن قطاف وزياني الشريف عياد، وكمخرجة مسرحية، وقد كانت لها محاولة في الإخراج السينمائي، لكنها لم تدم طويلا، وعادت إلى المسرح لما عُيّنت مديرة لمعهد التكوين لبرج الكيفان، لتترأس بعد ذلك المسرح الجهوي في سكيكدة.
تقاسم نجم وصونيا الحياة بحلوها، وجمعهما نفس الحلم، وربطت بينهما نفس روح التمرد. وافترقا على مرّها على مضض. هو رحل في 3 ديسمبر 2013 والتحقت به هي في 13 ماي 2018، واحتفظت أنا ببصقة الشيخ إمام كأرفع وسام على صدري.
تقاسم نجم وصونيا الحياة بحلوها، وجمعهما نفس الحلم، وربطت بينهما نفس روح التمرد. وافترقا على مرّها على مضض. هو رحل في 3 ديسمبر 2013 والتحقت به هي في 13 ماي 2018، واحتفظت أنا ببصقة الشيخ إمام كأرفع وسام على صدري..!
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 7976
Omaima Adouani
تم ادخال نجم و الشيخ إمام السجن في مصر في عهد السادات و لم يتم نفيه الي فرنسا او الجزائر .
تم دعوتهما الي الجزائر من قبل وزارة الثقافة ( و ليس التعليم ) بعد خروجهما من السجن في عصر مبارك …
المبلغ المالي الذي صرف لهم نجم و إمام و محمد علي ، تم تقسيمه عليهم بالتساوي ،، و لم يحب نجم هذا التقسيم ،، فقد اراد الجزء الاكبر .و كان يريد الشيك بإسمه و هو من يقوم بالتقسيم و كان مسرفا الله يرحمه و بالطبع كان يريد اكثر نتيجة زواجه ..و لذلك دب الخلاف بينه و بين الشيخ إمام ،، و لكن تم اعطاء كل واحد شيكه الخاص .. و لم يعش بالجزائر طويلا فبعد حفلات الجزائر ، توجهوا الي فرنسا لتكملة بقية جولاتهم الغنائية ، و زاد الخلاف بينهما في فرنسا لعدم التزام نجم بالحضور الي حفلات الغناء في وقتها ، و إدعي في ذلك الوقت ان المخابرات الجزائرية خطفت الشيخ إمام ،،، الله يرحمه ، فهو كما قال عن نفسه انه ( صعلوك الفن و صعلوك السياسة ) و كان وكيل اعمالهم تونسي الجنسية ،
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 7976
تم ادخال نجم و الشيخ إمام السجن في مصر في عهد السادات و لم يتم نفيه الي فرنسا او الجزائر .
تم دعوتهما الي الجزائر من قبل وزارة الثقافة ( و ليس التعليم ) بعد خروجهما من السجن في عصر مبارك …
المبلغ المالي الذي صرف لهم نجم و إمام و محمد علي ، تم تقسيمه عليهم بالتساوي ،، و لم يحب نجم هذا التقسيم ،، فقد اراد الجزء الاكبر .و كان يريد الشيك بإسمه و هو من يقوم بالتقسيم و كان مسرفا الله يرحمه و بالطبع كان يريد اكثر نتيجة زواجه ..و لذلك دب الخلاف بينه و بين الشيخ إمام ،، و لكن تم اعطاء كل واحد شيكه الخاص .. و لم يعش بالجزائر طويلا فبعد حفلات الجزائر ، توجهوا الي فرنسا لتكملة بقية جولاتهم الغنائية ، و زاد الخلاف بينهما في فرنسا لعدم التزام نجم بالحضور الي حفلات الغناء في وقتها ، و إدعي في ذلك الوقت ان المخابرات الجزائرية خطفت الشيخ إمام ،،، الله يرحمه ، فهو كما قال عن نفسه انه ( صعلوك الفن و صعلوك السياسة ) و كان وكيل اعمالهم تونسي الجنسية ،