يقول المثل الشعبي المتداول في بلادنا "فوت على عدوك جيعان و ما تفوتش عليه عريان" من هدا المنطلق البسيط يمكننا الحكم على مدى امتعاض المواطن الجزائري و هو يسمع قرار البرلمان و مصادقته على منع استيراد "الشيفون" أو "البالة" و هي الألبسة المستعملة و يقول العارفون بخبايا هدا القرار أنه نبع ليس برغبة لصون كرامة المواطن الجزائري بل لأنه جاء نتيجة صراع بين مستوردين بعضهم يتاجر في الشيفون و آخرون يتاجرون في استيراد الألبسة الجاهزة أرادوا أن يكون لهم مكان تحت الشمس و أن تكون لهم فرصة لإغراق السوق الجزائرية بالمنتوجات التي يجلبونها من تركيا و دول أخرى
لكن في المحصلة المواطن الجزائري الدي أضحى ممكنا له أن يشتري أحسن الألبسة و يلبس أبناءه أجمل الماركات حتى و إن كانت مستعملة لا يبالي لأن ما يهم هدا المسكين المغلوب على أمره و الذي أفرغ الغلاء الفاحش جيوبه و أشرف على الإفلاس يستطيع و بدريهمات أن يستر أبناءه و يمكنهم من الذهاب إلى المدرسة بشكل لائق و بهندام محترم لأن محدودية دخله لا تسمح له بشراء ملابس يفوق سعر الثياب فيها 3آلاف دينار على أقل تقدير و سمح “الشيفون” للعديد من العائلات بكسوة أبناءها حتى في الأعياد و لأن الشعب الجزائري في عمومه من الطبقة المتوسطة و المسحوقة التي جانبها الفقر و لازمها مؤخرا
و لأن “الشيفون” ملاذ “القلاليل” و المسحوقين سارع البرلمانيون الى منعه و مهما كانت الأسباب المفضية و المؤدية الى هدا القرار يجب أن نعلم أن “قش البالة” فتح أيضا باب رزق للعديد من الشباب العاطل عن العمل لاعالة ذويه و برغم مؤهلاته العلمية وجد نفسه على هامش المجتمع فكانت تجارة “الشيفون ” ملاذا له عوض البقاء في بطالة مفروضة و مزمنة و حتى ان تصدو لهدا القرار بالتظاهر أو الرفض لن يجدوا من يصغي اليهم
و لما كان المثل يقول أيضا “حتى شبعان ما درى بجيعان” و “مايحس بالجمرة غير اللي كواتو” يضل هؤلاء عاجزون عن الإلمام بواقع الحال و ظنك العيش الذي أضحى يأرق المواطن الجزائري و يصوتون على قرار لا يلبي و يخدم مصالح أصحاب “الشكارة” الذين لهم اليد الطولى في غرف اتخاذ القرارات حتى و إن كانت لا تخدم المواطن لكن المهم أنها تخدم مصالحهم ما دخلهم اذا كان المواطن الفقير سيجوع أو يتعرى؟؟
ما دخل هدا النائب اذا كان أجره يلامس الثلاثين ألف دينار أو يزيد برب أسرة أو متقاعد لا يفوق أجره الخمسة و العشرين دينار أو لا يرتقي حتى أن نسميه أجرا قاعديا و يعيل أسرة جل أفرادها عاطلون عن العمل أو أرملة تعيل أطفالا صغار؟ الكل يفكر في نفسه و من برجه العالي ينظر إلى آلاف المواطنين المسحوقين الدين يقتاتون من المزابل و بقايا الأسواق من الخضر الفاسدة لسد الرمق و لأن كرامة الإنسان سحقت و الغلاء طال كل شيئ وما رخص في أيامنا هده هو المواطن و لا تحدثونا و تقولون بأننا ننتمي إلى بلد بترولي أو يملك ثروات لأن ذلك لم يعد يعنينا و لا يجعلنا نحلم بل نحن لم نعد نحلم بمستقبل زاهر و لا بعيش كريم لأن كرامتنا أهدرت و أحلامنا صودرت و أصواتنا أسكتت إلى حين
و نتساءل في ذات السياق لما لم يلجئ أعضاء “برلماننا الموقر” إلى منع الخمور المستوردة و المصنعة محليا و التي تباع على نطاق واسع في المحلات التجارية علنا و كأي سلعة أخرى و التي نتج عنها جيلا كاملا من المجرمين و المنحرفين و الشواذ و لما لم يتساؤلوا يوما في جلساتهم لصالح من يسمحون بالاتجار بهذه السموم التي عصفت بأخلاق المجتمع ووسعت نطاق الجريمة و لمصلحة من يتم الترويج لها بهذا الشكل الذي يفوق حتى ما هو موجود و مسموح به في أروبا؟
اننا في الجزائر نمر بكرونولوجيا غريبة بعد الترويع التفقير و التجويع و حاليا التعرية فلمصلحة من تتخذ هذه القرارات و من المستفيد أكيد أن المواطن “الغلبان” لن يستفيد شيئا و كل قرار يتخد يصب في مصلحة أصحاب الأموال ذوي البطون المنتفخة و صدق رئيس الجمهورية حين قال ذات يوم في خطابه بأننا لا نملك رأيا اقتصادية بعيدة المدى و نحن لا نقوم بالاستيراد و التصدير بل بالاستيراد-استيراد
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.