يكشف التاريخ أن الصراع هو اللبنة الأساسية في نشوء النظام السياسي الجزائري، وبنظرة خاطفة إلى الماضي نتأكد من ذلك..
حيث كانت الصراعات بين أقطاب وقوى الحركة الوطنية قبل ثورة التحرير في 1954 خير مثالا على ذلك، بل ولم تنج حتى حرب التحرير(رغم قداستها) من النزاعات والصراعات وصلت حد التصفية الجسدية، وبقيت هذه السمة تلازم النظام الجزائري طوال سنوات الاستقلال، تراوحت بين خلافات صامتة وأحيانا علنية، وكانت أحداث أكتوبر 1988 إحدى تجليات هذا الصراع بين أطراف النظام.
ومنذ 1999 تاريخ وصول بوتفليقة إلى الحكم، بدأ النظام السياسي الجزائري يعرف تحولات في تركيبته والأطراف المتحكمة في صناعة القرار داخله، ببروز النزعة الفردانية في تسيير البلاد، وما يدعم هذا الطرح الجملة الشهيرة التي أطلقها الرئيس بوتفليقة “لن أقبل بأن أكون ثلاثة أرباع رئيس”، عبارة تعكس وتؤكد تحولات جديدة بدأت تحدث داخل النظام السياسي، ورغبة الرئيس في تجميع خيوط القوة والنفوذ (تركيز السلطة) وإنهاء مرحلة الصراع بين العصب والقوى داخل النظام.
غير أن هذا أدى في الحقيقة إلى بداية تشكل نظام هجين يجمع بين الديكتاتورية والديمقراطية الاستبدادية، حيث توجد تعددية حزبية، صحافة مستقلة، انتخابات دورية، لكن وظيفيا هي أبعد ما تكون عن الممارسة الديمقراطية الحقة، بل إن الدستور الحالي يمنح لرئيس الجمهورية منصب وزير الدفاع وصفة القائد الأعلى للقوات المسلحة.
أمام هذا الوضع فإن النظام السياسي الجزائري يتجه أكثر نحو شخصنة الدولة (الرئيس – الدولة) وهذا لا يقل سوءا عن مرحلة فارطة ميزها الصراع والتضارب بين القوى المشكلة للنظام.
للأسف وكأن القدر كتب على الجزائر أن تختار بين ثنائية قذرة، إما صراع عصب على السلطة وإما شخصنة الدولة، فبعد أكثر من 50 سنة على الاستقلال والجزائر ما تزال تتخبط في وحل النزاع على السلطة، وتسير من طرف نظام يؤمن بعقلية التنافس مع نفسه بمنطق حكم يجدد لنفسه بنفسه منذ صيف 1962.
منهجية المعسكر الحاكم (إن صح الوصف) عطلت إمكانية إقلاع الجزائر وبل رهنت مستقبلها، ويعمل النظام على نفي كل مؤشر تفاؤل تبشر بالتغيير ويتخذ من الإقصاء والتغييب آليات لتحييد كل من تشتم فيه رائحة الرغبة والطموح في المنافسة على كرسي الرئاسة.
لكن الجزائر ملزمة بالنظر لكل التحولات الحاصلة في المجتمع أو في محيطها الإقليمي أو الدولي، على إعادة بناء دولة وفق نظام ديمقراطي يحترم توازن السلطات ويمنح للديمقراطية وحرية الاختيار مساحات أكبر، ويجعل من الشعب شريكا أساسيا في بناء هذا النظام وفق منطق المؤسسات وليس وفق منطق العصب والأشخاص، لأن الأنظمة تزول والرجال يرحلون ولا تبقى سوى الدول والمؤسسات.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.