"لا نريد نسخة جديدة من الاستعمار" قالها رئيس الوزراء الماليزي محمد مهاتير مؤكدا أن الأمر "لا يتعلق بصب أموال كثيرة، وإنما في عدم قدرة سدادها في الوقت المحدد".
لأن بداية الديون تبدأ بنسب صغيرة جدا، ثم ترتفع النسبة كلما تأخر التسديد، إلى أن يصل حد الاستحواذ على المشروع كاملا لصالح البلد الذي قدم القروض؟
إنه “فخ الدين الصيني” الذي حذّر منه خبراء أفارقة بارزون خاصة بالنسبة للصين التي توقع العديد من الدول في فخ ديونها، بمنحها قروضاً تبدو سهلة التسديد لكنها في الواقع غير ذلك، وبذلك تكون الصين قد سيطرت على القرارات الاقتصادية والسياسية للدول التي منحتها قروضها وهي تعلم الضغوطات الاقتصادية التي تعانيها هذه الدولة أو تلك، خاصة إذا كانت تعيش اضطرابات شعبية.
تتحرك الصين بخطى ثابتة لتصبح الإمبراطورية الأكبر في العالم مغتنمة “تخبط” العديد من الدول من جائحة كورونا، وهي الآن تطمح لمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وهي تتطلع لبناء نظام عالمي جديد..
بدأت بـ “مبادرة الحزام والطريق” سنة 2013، يهدف إلى مد استثمارات صينية في آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، تصل قيمتها إلى أكثر من تريليون دولار..
ترى الكثيرة من الدول في الاستثمار الصيني أنه ايجابي في ظاهره وخاصة طعم القروضٌ التي تبدو شبه مجانية، لكن باطنها مكلف جدا اقتصاديا وقد تعمل على تكبيل هذه الدول وبالتالي ترهن مستقبلها للشركات الصينية التي جاءت لامتصاص ثرواتها الباطنية.
لقد حذر أستاذ الدراسات الإستراتيجية الهندي براهما شيلاني الذي يعد من الأوائل الذين تفطنوا إلى الكيفية الناعمة لالتفاف الصين على الدول الصغيرة أو التي تعاني تأخرا في انجاز مشاريعها أو التزامات أمام شعبها، بل تعمل الصين على إغراق الدول بالسلع الرخيصة مقابل استغلال مواردها الطبيعية أو منحها مزيدا من القروض السخية وهي تعلم مسبقا إنها لا تستطيع تسديدها لا على الأمد القريب ولا البعيد، لأنها درست حالات تلك الدول استشرافا، ونتيجة لذلك تصبح هذه الدول غارقة في “فخ الديون الصينية”.
“فخ الديون الصينية” صار مصطلحا متداولا لدى الاقتصاديين، لما خلفه من دمار في العديد من الدول التي رفعت الراية البيضاء في تسديد الدول.
دولة سريلانكا وأخريات.. نموذجا
موقع سريلانكا الإستراتيجي على خط الملاحة العالمية الأكثر ازدحاما بين شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، جعلها مصيدة للصين التي أغدقت عليها بـ 8 مليارات دولار بفائدة قدرها 3%.
مقابل حصولها على 75% من حصة مرفأ “هامبانتونتا” الإستراتيجي، بالإضافة لمنطقة صناعية قريبة من الميناء بعقد مدته 99 سنة، والنتيجة ستستحوذ الصين قريبا على الميناء كاملا لعجز حكومة سيريلانكا دفع مستحقاتها وبذالك يصبح للصين منفذا بحريا.
كينيا هي الأخرى فقدت مرفأ “ميناء مومباسا” لصالح الصين، بسبب قروض قيمتها 5.5 مليارات دولار متراكمة، عجزت عن دفعها حتى صارت كينيا عرضة لفقدان أصولها الإستراتيجية لصالح بكين.
ببساطة الصين وقوى أخرى ليست دولة خيرة كما يظن بعض السياسيين الذين هم مستعدين لرهن بلدانهم مقابل البقاء في السلطة؟
كما استثمرت الصين نحو 62 مليار دولار في باكستان لبناء محطات الطاقة الشمسية وتوليد الطاقة، وبناء طرق سريعة، وتجديد خطوط السكك الحديدية وفي النهاية استحوذت على ميناء غوادر الإستراتيجي لمدة أربعين عاما.
الشيء نفسه بالنسبة لبنغلاداش، وضعت الصين يدها على أكبر وأهم ميناء بحري فيها وهو مرفأ شيتاغونع.
الخبراء يحذرون
يقول أندريه دوفنهيج أستاذ بجامعة نورث وست بجنوب أفريقيا “تطلب الصين من الدولة المتعثرة عن سداد ديونها أشكالًا أخرى من إعادة الدفع، مثل الموانئ والأراضي أو التأثير على القرارات الاقتصادية والسياسية للبلد المتعثر”.
بدوره، قال شادراك غوتو الأستاذ في جامعة ساوث أفريكا: “الصين لديها إستراتيجيتها الخاصة في التعامل مع الدول الإفريقية، لهذا ينبغي على كل دولة أن تكون حذرة عند توقيع الاتفاقيات معها”.
قد يفرح الكثير من صغار العقول لتلقي خبر شراكة مع دولة ما مع الصين، لكن يجهل الكثير خطورة هذه المشاريع على السيادة الاقتصادية…
هذه الإستراتجية تدعى بـ “china’s debt trap” وتتعلق بمنح قروض مرتبطة بمبادرة “الحزام والطريق” لفرض هيمنة صينية عالمية.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.