بعد القرار الذي اتخذه الجيش بضرورة تفعيل المادة 102، من الدستور والقاضية بإعلان شغور منصب رئيس الجمهورية وكذا تبعات ذلك حسب الدستور، تتوالى الأصوات حول رحيل "العسكر" (ومصطلح العسكر يستخدم لشيطنة أي جهة عسكرية نظامية، ويستخدم مصطلح الجيش في الحالات الموضوعية في الطرح).
بداية نشير إلى أن الجيش وعلى لسان القايد صالح استدرك الخطاب الأول الذي تحدث عن المغرر بهم من أبناء الشعب ليعيد قراءة الخريطة التي يتبناها الشعب ويعيد الاصطفاف مع الخيارات الشعبية العامة، وضمنيا اختار الجيش كفة الشعب لكنه في ذات الوقت ليس له سلطات قانونية تمكنه من التدخل بشكل مباشر في الحياة السياسية..
ونشير هنا أنه في كل الدول للجيش تدخل كبير وواضح في المسارات السياسية للدولة سواء كانت دولة ديمقراطية أو دول شمولية، لكن في النماذج الغربية يكون تدخل الجيش بشكل ضمني وذكي وهو يندرج ضمن معادلة تفعيل القوة الذكية التي يتم بموجبها دعوة الجيش للتدخل استكمالا لمفهوم القوة الصلبة التي يمثلها، لكن في الدول الشمولية يكون التدخل بشكل صارخ ما يجعل باقي القوى المتصارعة على “الحكم” وليس على شيء آخر تتخذ من خطاب الشيطنة المفر الأخير لها.
في الجزائر هناك العديد من الأصوات سواء المعروفة المصدر أو مجهولة المصدر والتي تطالب بإسقاط الدولة، ولا يتأتى ذلك إلا بحل مختلف المؤسسات التي تشكل الدولة بما فيها “الجيش” أي المؤسسة العسكرية وهو في الواقع المسار الذي تتبناه نظرية الفوضى الخلاقة والمدافعين عنها، من أمثال برنار ليفي هنري الذي أعرب عن حلمه في نقل “الثورة” والتي هي في الأساس فوضى مثل ما هو الحال في ليبيا وسوريا، ولكنه حينما تعلق الأمر بفرنسا فلقد اتهم علناً أصحاب السترات الصفراء المطالبين بالحقوق الاجتماعية بمحاولتهم إسقاط الدولة ووصفهم بأنهم أعداء الجمهورية، وحديثنا عنه لن يطول لأننا سنخصص له مقالاً آخر شارحاً لأهم خططه وإسقاطاتها مع مخططات فرسان مالطا.
وبالعودة للجزائر فإن الحراك الذي تعرفه ورغم بداياتها الجميلة إلا أنَّ الغموض يكتنف بعض الأصوات مجهولة المصدر كالتي طالبت بالعصيان المدني والتي لغاية الآن لا يعرف مصدرها وهناك من يصنفها في خانة الحرب السيبيرانية” cyberwar، ولعل هذا هو الخطر المحدق سواء بالحراك السلمي جداً أو بالدولة ككل في ظل غياب تام لنخبة تقود الحراك وتقود الخطاب الذي يتم الترويج له من كلا الجهتين والذي يتميز بالتطرف، وخلق الفتن والنعرات الجهوية، واللغوية، لاسيما مع عدم القدرة على توحيد الأعلام في الحراك..
فإن كان الحراك يقود تغييرا سياسيا للأمة الجزائرية فهذا يعني أن تكون الأمة هي الملهمة باعتبارها تمثل الوحدة، لكن يبدو أن الصيد في المياه العكرة بدأ من الآن بتقديم مشاريع لدولة فيديرالية؟؟؟ تستند على مؤتمر الصومام لا على بيان أول نوفمبر، دون الحديث عما يحاك في العلبة السوداء التي تمثلها السلطة والتي من الأكيد أنها تتحرك وفق ضمانات متعددة وتراهن عليها أيضا.
وبالمقابل ليس هناك أصوات مقنعة للشعب الذي اتفق على ضرورة التغيير وهذا الوعي تكوَّن من خلال بعض الفواعل التي ساهمت في نقل الواقع غير المضلل مثل المدونين، ومواقع التواصل الاجتماعي، وكذا بعض النخب التي مررت رسائلها بذكاء بالإضافة لكل ما يحيط بنا عالمين وعربياً، ولعل ما نحذر منه فقط هو المطالبة بإسقاط الدولة بشكل عام وحل مؤسسة الجيش بشكل خاص لسبب واحد هو أنه بسقوط الدولة ستحل محلها “الفوضى” على مستويات مختلفة، ونعتقد أن جمال هذا الحراك سيتجلى في نهايته السعيدة التي يريد كتابة خطوطها الشعب وليس ممن يحاولون ركوب الحراك سواء من سياسيين أو معارضة (المعارضة الشكلية) أو حتى بعض النخب التي تطلق أسماءً على الحراك ككمال داوود أو بوعلام صنصنال، أو حتى بعض الأصوات النشاز التي تنتشر في بعض القنوات وتقول أنها تمثل الحراك، في حين أن نقاشاتهم تمثل تناطح الأبقار الإفريقية عفوا الجواميس الإفريقية.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.