إذا كان الكتاب المقدس يقول : في البدء كان الكلمة..
و إذا كان الشاعر العظيم نزار قباني قد قال: في البدء كان العشق..
و إذا كان من بعده الروائي المرحوم الطاهر وطار قال : لا تهمني الحرية بقدر ما تهمني الكتابة...
فأنا أقول في البدء كان “القمع” و في النهاية كانت “الثورة”…
لقد حدث زلزال بشري عظيم هز عالمنا العربي و مازال يرج من داخله بفضل إرادة شعوب خرجت صارخة بأعلى صوتها : “لا نريدكم.. و لن نبقى نتحمل قمعكم” هكذا رفع الإنسان العربي صوته و خرج من عزلته التي دخل فيها منذ انتهاء عهد الاستعمار الغاشم بتاريخه و أحداثه و مجرياته المريرة التي ما زلنا نجر خيباتها إلى الآن،، فبعدما اتهم المواطن العربي بالعجز و الجبن و قلة الحيلة أمام حاكمه،، ها هو منذ أواخر شهر ديسمبر من عام 2010م يدك الشرق بغضبه و يضرب الغرب بشرارته،، فمتى كان “الغربيون” يقبلون بحلول الإنسان العربي ؟؟ و هم الذين احتلوه في السابق و نهبوا خيراته و خدروا عقله و دعموا من بعد كل هذا ديكتاتوريات حكمته رغما عن أنفه؟؟ منذ متى أصبح للإنسان العربي من يسمعه و يرخي له أذنه ؟؟…
لقد حدث هذا بفضل ثورة شعبية غزيرة حطمت الطابوهات و كسرت حاجز الخوف و عقدة الرعب من صدره المثخون بالجراح… و لكن المشكلة بعد كل هذا تتهم الشعوب بأنها مدعومة من “الروم” و “الفرس”… و كأن المواطن العربي “بقرة” صفراء فاقع لونها لاشية فيها تسر الناضرين ،، لا يحمل رأيا و لا موقفا و ليس بداخله عضلات تتحرك و طاقة يستطيع من خلالها أن يفجر مكبوتاته النفسية و الشعورية… فتارة يتهم بالغباء و تارة يتهم بأنه تحت ظل “مؤامرة” تعمل على تفكيك وطنه و كأنه يعيش حقيقة داخل جنة وطن تنعم الملائكة بالتجول بين أركانها و تهرب الشياطين من تسابيح ملوكها…
إن هذه الثورات حقيقة هي ثورات شعوب،، سلاحها كان الصدور العارية و الألسنة الصارخة على أحر من جمر و أعين شاخصة نحو شمس المستقبل التي لا تشرق على القصر إلا و قد انهار تماما… و رغم أن الأحزاب الكلاسيكية حاولت منذ البداية الانصهار تماما داخل بوتقتها و منها من نجحت في إعادة الروح لنفسها بعد سنوات من الجمود الذي أدخلته فيه الحياة “اللاسياسية” التي أنتجها الوضع القائم و أخرى لم تنجح و كانت “كالأطرش في الزفة” خاصة أن القوى السياسية الكلاسيكية متهمة من طرف الشعوب العربية أنها نتاج هذه الأنظمة و أنها البنت الشرعية لها ،لذلك نتلمس المقاطعة الدائمة للانتخابات التي تجري في أوطاننا العربية من طرف الشعوب.. رغم أن “الحكومات” كانت و مازالت تعلن أرقاما قياسية حطمت “الأرقام الفلكية ” في عملية الإقبال عليها.
لكن ما دور المثقف من كل هذا؟؟ و هل يمكن أن نسحب عليه ما قلناه على الأحزاب الكلاسيكية؟؟
إن كل ما كتب من أدب و من فكر قبل “ثورة الشعوب” كان في محله بدون أن يسقط أو أن يجانب الحقيقة على أرض الواقع ….
فما بشر به الروائيون و الكتاب و الشعراء في مصر قبل أل 25 يناير ،، وقع حقيقة و حمل ثورة شعب ثار ضد “أجهزة أمن دولة” و من “توريث” كان قاب قوسين أو أدنى من الحدوث بين الأب”محمد حسني” و الابن المدلل ” جمال”
و ما فعله الصحفيون و المدونون التونسيون كان له الأثر البالغ في دعم ثورة “الياسمين” في البلاد فقد ساهم أصدقاء الكاتب الصحفي “توفيق بن بريك” في شحن الشباب التونسي العظيم على المواصلة في الثورة ضد ” جمهورية بوليسية” يتحكم فيها “الطرابلسية” و في كل موارد البلاد الاقتصادية و حتى الاجتماعية و الثقافية ،، و استطاع” مثقفو- الانترنت” مقاومة “غلق إعلامي” محكم و ساهموا في التعريف بما يحدث داخل تونس بعيدا عن الرواية الرسمية الملفقة.
و قد أعجبني ما قاله أحد الكتاب و الباحثين التونسيين بعد سقوط “بن علي” : “لا أشكر بن علي إلا على التعليم الذي أفادنا في تونس”.
لقد كان للمثقف دور بارز في جميع الثورات التي عرفتها البشرية منذ القديم إلى هذا العصر ،، فقد كانت مساهمته في الشحذ و الدفع و ترقية” الحس الثوري” كبيرة من أجل إسقاط “الاستعمار” من جهة و تحطيم “براثن الديكتاتورية” من جهة أخرى،، فملح أي ثورة هو في حضور المثقفين و مساهماتهم في تأطيرها و حمايتها من “الثورة المضادة” و من لوبيات الاحتواء و السرقة ، و هذا ما حدث في “الثورة البريطانية” و” الفرنسية” و” الأمريكية” و ثورات أوروبا الشرقية بعد سقوط المعسكر الشرقي الشيوعي .
و في عصر التكنولوجيا الالكترونية توسعت مساحة التعبير و ارتفعت رقعة هامشها و صار بإمكان المثقفين المساهمة في الإبداع بكل حرية و النشر كذلك بعيدا عن أعين مقص الرقيب و “الرقابة الجمعية” و تحول التقاء المثقفين في المقهى الافتراضي حدثا يوميا يجمع الأفكار و الآراء و يغذي النقاش الفكري و السياسي من أجل الثورة ضد الدكتاتورية بجميع أشكالها الوحشية .
لقد كتب الروائي الجزائري “إبراهيم سعدي” أول رواية في تاريخ الأدب العربي تتحدث عن الدكتاتور و تصفه في صورة كاريكاتورية مضحكة و كانت تحت عنوان “الأعظم” و كانت نشرت قبل ثورة التونسيين بأكثر من شهر ،، لكن للأسف نظرا لغياب دور الثقافة و انعدام النقد و شلل الحياة الفكرية الجزائرية جعلت هذه الرواية تمر مرور الكرام كما تمر كل الأشياء الجميلة بدون أن نراها أو أن نسلم عليها.
Islam199088@hotmail.fr
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.