في البلدان التي تقدر شعوبها وللفرد حق المواطنة بامتياز يعد النزول للشارع حدثا هاما بل توجيها للرأي العام ونفيرا شاملا تصدر عنه قرارات يجب الالتزام بها، وما خروج الشعب التركي يوم الانقلاب العسكري على رئيسه الشرعي إلا دليل على قوة التظاهر وفعاليتها، لكن عندنا في البلدان العربية عامة فإن الخروج للشارع يعني الدمار والخراب المؤكد، وما يلاقيه الشعب السوري اليوم من معاناة كان منشؤه التوجه للشارع تعبيرا عن رفضه لنظام استأسد وطغى.
أما عندنا في الجزائر فالخروج للشارع يعني رفع العصا على من عصى، والويل لمن تسول له نفسه بالتظاهر لأنه سيلقى ما لقيه المعلم والطبيب والطالب وغيرهم ممن تجرأ على المطالبة بالحقوق، فرجال الأمن على أهبة الاستعداد لإعادة النظام وخدمة النظام وقطع الأيادي الخارجية، ولكنهم يوم خرجوا هم في مسيرة للمطالبة بحقوقهم في سابقة لم يتوقعها أحد لم يكن هناك من يردعهم أو يشبعهم ضربا كما اعتادوا هم ضرب الآخرين وسحلهم دون أي اعتبارات بحجة أن لا يزيد الوضع تأزما يوقفوا المؤامرة.
وبما أننا ننعم بالاستقرار وتخطينا كل الأزمات وحققنا كل الأهداف المنشودة فما عاد للجماهير شغل شاغل غير كرة القدم التي من يمكنها حل كل ما تبقى من مشاكل عالقة، فالأندية لها مكانة مرموقة ورؤساؤها يحظون بنفوذ واسع حتى أن بعضهم صار يهدد بإخراج عشرات آلاف المناصرين للشوارع، ولم لا الاعتصام وحتى العصيان المدني بما أنهم صاروا يصنعون القرار بل هم فقط نخبة البلد التي يجب أن يحسب لها ألف حساب.
عجبا لأناس لم ينتفضوا يوما لقضية عادلة أو قرار مصيري هام، ولم يخرجوا يوما للعلن ليواجهوا الفساد وديناصوراته ولكنهم ثاروا وشغلوا الرأي العام وغزوا وسائل الإعلام واهتم بهم الأغلبية ونالت تصريحاتهم الاهتمام الأكبر وكأن كل هم الأمة انحسر في الجري وراء كرة.
قد يكون لهم كل الحق في التأمر علينا لأنهم نالوا كل الامتيازات، فأجور اللاعبين تعدت كل الأجور، والتحضير للمباريات وللقاءات الكروية أهم حدث، حتى أن الأولياء صاروا يحثون أبناءهم على لعب الكرة لضمان النجاح ويجعلون من اللاعبين قدوة، فرحم الله زمنا كان فيه الآباء يمنعون أولادهم من لعب الكرة خوفا على مستقبلهم.
وعليه فكل من كان يعاني من أزمة السكن ما عليه سوى التوجه إلى الملعب ليجد له مكانا يجلس به، ومن يواجه البطالة فليسارع لحضور مباراة كرة قدم لتمضية الوقت أما من يشعر بالمرض فحسبه التوجه إلى المدرجات والصراخ عاليا لعل ذلك يخفف من ألمه، فعالم الكرة السحري من شأنه إيجاد حلول لكل الأزمات بل وينسيك في أي هم سيشغل بالك، الإشهار وسياسة الإلهاء قد نجحا تماما ونحن نرى الجموع تستميت وتناضل والميزانيات الكبرى تخصص بكل ارتياح ومن غير اعتراض أو محاسبة لدعم الكرة وترقيتها، فبرقيها سنرقى للدرجات العلى وسنحقق النجاحات على كل الأصعدة، وبالرغم من الإخفاقات المتوالية والفضائح المتسلسلة للكرة الجزائرية إلا أن ثقتنا كبيرة وأملنا أكبر فحياتنا غدت مرهونة بكرة القدم المباركة التي رفعت شعار شكون حنا؟ ومهما تعددت الأجوبة تبقى الحقيقة أننا حنا اللي يجي يستغفلنا.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.